كل ما يهم الطاغية في هذه الحياة بقائه في منصبه، ولو طالب الملايين من شعبه برحيله، وانتفضوا ثائرين سلميين لا يريدون بقاءه في حكم ورثه عن أبيه فسار فيهم أضعاف مسيره قتلاً وحبساً وتنكيلاً للشرفاء، وبالتالي تأخرًا لبلادهم.
خرج رئيس النظام السوري “بشار الأسد” منذ أيام قليلة، منتهزاً فرصة التراجع الذي مُنيتْ المقاومة السورية مؤخراً في حلب، واستعادة الميليشيات المسلحة من قواته بمناصرة من مماثليها من الإيرانيين والروس حلب، وانتشار جيش النظام، وحرصه على سرقة ونهب البيوت، التي بقيت بعد هدم آلاف البيوت على سكانها، والبيوت التي لم تتهدم، وتعرف أصحابها عليها بصعوبة وجدوا “شبيحة النظام” سرقوا حتى الكابلات الكهربائية من داخل الجدران، وفق ما ذكره مواقع ووكالات الخميس الماضي.
خرج الطاغية العربي المُعاصر الأشد، بعد أن تسبب في استشهاد مئات لا عشرات الآلاف من شعبه، ورغم عدم وجود إحصائية دقيقة بالعدد الإجمالي، وإن كان الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” قال في 28 من يونيو/حزيران الماضي أنهم بلغوا 600 ألف، بحسب وكالة “الأناضول”، خرج “الشيطان” الذي شرد الملايين من شعبه داخل البلاد وخارجها، وضرب الأطفال الصغار بالكيماوي المحظور دولياً، متفوقاً على ما فعله أبوه في حماه في 2 من فبراير/شباط 1982م، متسبباً في إزهاق أرواح عشرات الآلاف، فضاعف ابنه الأعداد بعد أن استعان في البداية بميليشيات الشيعة، ثم بروسيا في 30 من سبتمبر/أيلول 2015م لتقصف أراضي بلاده عبر طيرانها الحربي فلا تبقي على شيخ مُسن أو طفل أو امرأة، وليت الأمر وصل إلى هذا فحسب، بل إن روسيا، التي حلا الأمر لها أعلنت في أكتوبر/تشرين الأول الماضي بقاءها في سوريا إلى أمد غير محدودة، أي أنها احتلتها، إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، والجمعة الماضية، وفق ما ذكرته وكالة “سبوتنيك” الروسية بدأت المدرعات تجوب أرض حلب، عبر كتيبة عسكرية لنشر الأمن وإزالة الألغام والقيام بالمهمات الإنسانية!
خرج شيطان سوريا الأول المدعو “بشار الأسد” عرّاب الخراب، الخميس الماضي، ليصف العلاج بعد أمعن في بسط أسباب الموت، وجلبها لشعب خرج مسالماً في 2011م، بعد أن رأى أملاً في تحرر بلاده من قبضة شاب لاهٍ عابث لا يعرف شيئاً عن المسئولية، وضعته الأقدار في طريقهم، فكان نعم المُعين على تخلف بلادهم، وتبعيتها للغرب، وحماية الكيان الصهيوني المجاور، فيما انعدمت كرامة الإنسان السوري حتى اشتهى معاملة الحيوانات، وبعد أن رفض “بشار” الاستجابة إلى شعبه، وحول حراكه السلمي في آخر سنتين إلى محاولة كفاح مسلح وطني، أو ما يشبه الحرب الأهلية، خرج واصفاً الوصفة الطبية للعلاج، ورحم الله الأديب الراحل “نجيب محفوظ” لما سمى أحد قصصه والمجموعة القصصية التي حوتها باسم: “الشيطان يعظ”!
قال المدعو “بشار” رداً على سؤال لقناة “تي جي 5” الإيطالية حول عدد ضحايا بقائه على رأس النظام في سوريا:
“إنها بالطبع مشكلة كبيرة.. والأهم من البنية التحتية والمباني..هم الأشخاص الذين قتلوا، والأسر التي فقدت أحباء وأطفالاً وأبناء وأشقاء وشقيقات وأمهات..هؤلاء يعانون وسيعيشون مع هذا الألم إلى الأبد..لكن في النهاية فإن السبيل الوحيد لحل المشكلة في سوريا هو أن يسامح (الجميع الجميع).. أعتقد أن لدينا هذا الشعور بأن هذا هو التوجه الرئيسي على المستوى الشعبي”.
تقف “البجاحة” عند هذا الحد عاجزة عن التعبير، إن الذي لا تكفي ألفاظ اللغات لوصفه، ليعرف أن أحبة (قُتِلوا) على حد قوله، وهم أبناء وأشقاء وآباء وأمهات..ومنهم الأطفال الصغار، أي إنهم ليسوا إرهابيين، كما قال في الحوار نفسه، الذي نقلته وكالة الأنباء السورية الرسمية، “سانا”، ولم تستخدمهم الحكومات الأوربية ورقة محاربة للإرهاب، كما زعم في بداية الحوار نفسه، (لتغيير الحكومات والتخلص من الرؤساء في المنطقة)، وكأن مثله سار بالعدل في وطنه لكن الحكومات الأوربية على حد قوله منذ أيام، وفرت “حاضنة” لملايين الإرهابيين من الشعب السوري، كما قال في 29 من أبريل/نيسان 2014م، ونقل عنه موقع قناة سي إن إن الأمريكية.
هل يصدق هذا الإرهابي العربي، المُتفوق الآن على غيره، نفسه لما يقول مثل هذه الكلمات التي لا معنى لها، التي لا يجرؤ أعتى ممثل كوميدي على الخروج بها على الناس بها، وهو يريد من الجميع أن يسامح الجميع في بلاده، وهي الوصفة الشيطانية النادرة المثال، فإن القاتل الذي ما تزال يداه تقطر من دم القتيل، عليه أن يسامح، في ماذا؟ هذا هو السؤال الذي لا يدري إجابته عاقل، والأمر لا يعدو إلا أن شيطان سوريا الأول يريد البقاء حاكماً لها، وهو لا يجرؤ على طلب المسامحة من شعبه، بعد أن تسبب في خراب أغلب أرجائه، واحتلال كامل أرضه، ومن قبل إزهاق أرواح بريئة طاهرة لم تذنب إلا أنها حلمت بغد أفضل لها ولبلادها وأبنائها..!
لا يجرؤ رئيس النظام في سوريا المُدان بجرائم حرب تصعب على الحصر، المُستدعي لإيران وميليشياتها ثم الروس، لا يجرؤ أن يقول أنه خرّب بلد لن يهنأ بحكمه، وإن بقي حاكماً عليه لسنوات قليلة، لا قدر الله، فإن الروس الذين استنصر بهم يدبرون له من خلف الستار كي يُزال مع أقرب “تمثيلية انتخابات” مقبلة.
لا يصارح شيطان سوريا الأكبر أنه خسر دنياه نظير دنيا غيره من إرهابيي روسيا وإيران، وأنه لا مكان فعلي له على أرض هذا العالم كحاكم، كما أراد لنفسه، فقد صارت بلاده تحكم مباشرة من أعدائه، وبعد حين سيُزال فلا ينعم بلقب الرئيس (الديكور)، بعد أن باعد بين نفسه، وبين ظل الكرامة بترك شعب لم يرده والرحيل.
وما أقسى ما سيكتب التاريخ عن “بشار”؟
وما أقسى ما يعيشه من حرب داخلية بينه وبين نفسه وهو ينتظر الإزاحة بين عشية أو ضحاها، وإن طال الوقت به قليلاً؟
وما أَمرّ قطرة الكرامة التي فارقته، ولمحة الفكر التي لفظته، وما تزال تؤرقه بأن إزالة شعبه له كان أفضل وأكرم من إلقاء الغزاة لشخصه مهاناً مطروداً؟!
إن مثل الكلمات السابقة الصادرة عن “بشار” لخير شاهد على حالة تخبط مضنية، و”رئيس” أو شخص يفترض أنه “كذلك”..يرى بعض القادة يتناولون مصيره، بعد أن صار “عبئاً” عليهم بعد أن صار كذلك على شعبه، والمحتل الروسي لا يملك إلا مكافأته، على ما قدم إليه من خدمات بالإبقاء عليه لبعض الوقت.
وما عند الله أخزى وأكبر، ولعل منه أن يتمكن الثوار من التجمع قريباً فيغيرون مقاييس القوى في البلاد، ويُعجلون بهلاك رئيس النظام وتحرير بلادهم، وما هذا على الله بعزيز!