حصلت ميدل إيست أوبزرفر على وثائق تكشف عن حجم ثروة الإعلامي تركي الدخيل وتناميها السريع خلال الأشهر القليلة الماضية، في الوقت الذي تطبق فيه السعودية إجراءات تقشف شديدة. فما هو السر يا ترى؟ ما يلي نص التقرير:
بعد وفاة العاهل السعودي الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في الثالث والعشرين من يناير 2015، عين شقيقه الذي خلفه على العرش ابنه الشاب محمد بن سلمان وزيراً للدفاع وكلفه برئاسة الديوان الملكي. وبعد أقل من ثلاثة شهور، في إبريل 2015، عين الملك سلمان ابن أخيه محمد بن نايف ولياً للعهد وعين ابنه محمد ولياً لولي العهد.
بدأ الملك عهده بسلسلة من الإجراءات التي استهدفت تطهير الديوان الملكي من الأشخاص الذين يشك بتورطهم في التآمر مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على سلمان قبيل وفاة أخيه.
إلا أن ابنه محمد بن سلمان ما لبث أن انتهج سبيلاً للتقارب مع الإماراتيين. ويقال إن الرجل الذي لعب دوراً حيوياً في هذه العملية هو تركي الدخيل، مدير قناة العربية الإخبارية، والذي يعتبر من أقرب المقربين من ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد.
عندما كان يشغل منصب رئيس مركز المسبار للدراسات والأبحاث، تحدث الدخيل عن علاقته الوثيقة بولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، وقال في لقاء مع قناة DMTV التي تتخذ من دبي مقراً لها بثته في يناير 2014 : “لا أعمل مستشاراً لديه (أي محمد بن زياد) ولكن لدي علاقات جيدة به. أفضاله على الجميع، ومن أهم أفضاله وأكثرها انتشاراً هي تلك الأفضال التي أنعم بها علي. ولذلك، فكل ما يطلبه مني {……}، ولكن لا أشغل وظيفة مستشار لديه.”
وبحسب مصادر مطلعة تحدثت إليها صحيفة ميدل إيست أوبزرفر واشترطت عدم الإعلان عن هويتها، فإن الدور يلعبه الدخيل، أو الدول المتوقع منه القيام به، أدى إلى ترقيته بشكل سريع. ففي الحادي والثلاثين من يناير 2015 أعلن رئيس مجموعة إم بي سي الشيخ وليد الإبراهيم عن تعيين تركي الدخيل مديراً عاماً جديداً لقناة العربية الإخبارية.
في مقال له نشره معهد واشنطن كشف سايمون هندرسون عن أن الدخيل بات أقرب المقربين من محمد بن سلمان وأكثر المستشارين المستأمنين لديه.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن تركي الدخيل صار الآن يرافق الأمير محمد بن سالم في معظم رحلاته الخارجية، إن لم يكن في جميعها.
حظي تركي الدخيل مؤخراً بمقابلة حصرية مع الأمير محمد بن سلمان، وكانت مقابلة خاصة جداً لأنها التي أعلن من خلالها الأمير عن رؤيته المسماة 2030 والتي توجد خطة التقشف في القلب منها.
سلطت المقابلة في جزء منها الضوء على ما لم يكن معلوماً من قبل من علاقة حميمة بين الرجلين، ومما يدل على ذلك المقطع التالي من الحوار:
تركي الدخيل: “أنا مع اللي ينتظرون الدعم”
“الأمير محمد بن سلمان: “لا تخلينا نعلم وش عندك في التليفزيون”.
من المفارقات أن المقابلة التي قصد منها أن يعلن فيها محمد بن سلمان عن الإجراءات التقشفية المرتقبة أثارت الفضول لدى المشاهدين بشأن الوضع المالي للدخيل والذي أشار إليه الأمير ممازحاً إياه.
حصلت ميدل إيست أوزبرفر على وثائق تكشف عن التطور السريع في حظوظ الدخيل منذ أن استلم الملك سلمان مقاليد الأمور في المملكة العربية السعودية في يناير 2015.
الوثيقة الأولى عبارة عن كشف حساب استثمار في الاستثمار كابيتال بتاريخ 2015 . يشير كشف الحساب هذا إلى أن استثمارات الدخيل بلغت 8.4 مليون ريال سعودي (ما يعادل 2.24 مليون دولار أمريكي). أما الوثيقة الثانية فهي كشف حساب استثمار في نفس مؤسسة استثمار كابيتال بتاريخ 13 أغسطس 2015، وهذه تشير إلى أن قيمة استثمارات الدخيل ارتفعت إلى ما يقرب من 94 مليون ريال سعودي (ما يعادل 25 مليون دولار أمريكي)، أي أن قيمة استثماراته تضاعفت أكثر من أحد عشر مرة خلال ستة شهور فقط لا غير. من غير المعقول أن يتمكن صحفي مثل الدخيل جمع كل هذا المال خلال فترة قصيرة جداً فقط من خلال عمله في الإعلام.
خلال نفس تلك الفترة، اشترى تركي الدخيل عقاراً في دبي مارينا بمبلغ 17 مليون درهم إماراتي (ما يعادل 4.6 مليون دولار أمريكي). وهذا ما تنص عليه بوضوح الوثيقة التالية، والتي تشير إلى تاريخ الشراء هو الحادي والعشرين من يونيو 2015.
كما تمكنت ميدل إيست أوبزرفر من الحصول على وثائق يعود تاريخها إلى عامي 2012 و 2014، تربط تركي الدخيل بشكل مباشر بولي عهد أبو ظبي محمد بن زياد، الذي كان فيما يبدو يعد الصحفي الشاب لما سيناط به من دور وما سيحمله من مسؤوليات. تشير الوثيقة الأولى إلى أن محمد بن زايد حول ما مقداره 1.1 مليون درهم إماراتي (ما يعادل 316 ألف دولار أمريكي) مباشرة إلى الحساب الشخصي لتركي الدخيل، وذلك في الثاني والعشرين من أكتوبر 2012.
تبع هذا التحويل تحويل آخر، كما هو واضح من الوثيقة التالية، وذلك في شهر يوليو من عام 2014، حيث حول محمد بن زايد هذه المرة ما يقرب من 600 ألف دولار إلى الحساب الشخصي لتركي الدخيل.
وفي مسعى منه لمزيد من الإثراء، وكما هو مثبت في الوثيقة التالية، اشترى تركي الدخيل عقارين في مشروع ريفر لايت في لندن، العاصمة البريطانية، الذي كان ما يزال تحت الإنشاء. العقار الأول يشار إليه بالشقة A57 وقيمتها تزيد قليلاً عن 1.6 مليون جنيه إسترليني، بينما يشار إلى العقار الثاني بالشقة A58 وقيمتها تقترب من 1.5 مليون جنيه إسترليني.
بينما يقال للمواطنين السعوديين إن بلادهم تمر بأزمة مالية وإنهم بحاجة إلى شد الأحزمة والتعود من الآن فصاعداً على حياة من التقشف، يستمر تركي الدخيل ومن على شاكلته في الإثراء والعيش في رفاهية منقطعة النظير، وذلك بفضل ما يخصه به محمد بن سلمان من منح وأعطيات.
ليس هذا فحسب، بل الأدهى والأمر أن ولي ولي عهد السعودية، الذي اختار طرح رؤيته لعام 2030 بحيث تكون خطة التقشف وشد الأحزمة في الصميم منها، لم يتمكن من مقاومة إغراء قارب أعجبه بينما كان يتمشى وحرمان نفسه من التمتع بشرائه وامتلاكه.
فبحسب ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز، وبينما كان في إجازة في العام الماضي، وقعت عينا الأمير محمد بن سلمان على القارب المسمى “ذي سيرين”، وهو يخت طوله 44 قدماً، فأرسل أحد مساعديه ليشتريه. وبعد مفاوضات تم التوصل إلى إبرام صفقة دفع بموجبها الأمير 500 مليون يورو (ما يعادل تقريباً 550 مليون دولار أمريكي) ثمناً للقارب.
ما من شك في أن الحرب في اليمن أسهمت بشكل كبير، بالإضافة إلى تراجع أسعار النفط، في تردي الأوضاع الاقتصادية في المملكة العربية السعودية. إلا أن كثيراً من المواطنين في المملكة قابلوا الدعوة إلى شد الأحزمة وإجراءات التقشف بتعليقات ساخرة، إذ يصعب عليهم أن يأخذوا مثل هذه الدعوات والإجراءات على محمل الجد وهم يرون أفراد العائلة الحاكمة والبطانة الموالية لهم يراكمون الثروات ويرتعون في الخيرات.
لمطالعة النسخة الأصلية من المقال على موقع ميدل إيست أوبزرفر