يرى الكاتب البريطاني “ديفيد هيرست” أن الانحسار الحالي في نفوذ السعودية في المنطقة يأتي نتيجة معاداتها لثورات الربيع العربي ودعمها للأنظمة الديكتاتورية ، وأيضاً تشجيعها الإطاحة بنظام صدام حسين.
وقال الكاتب في مقاله المنشور بموقع “ميدل إيست آي”إن هناك علامتين تدلان على أن قبضة الرياض على دول الجوار بدأت في التراخي ، الأولى :صواريخ المدى الطويل التي أطلقها الحوثيون على مطار جدة، غرب مكة ، والثاني :هو انتخاب “ميشيل عون” كرئيس للبنان ، والذي تأكد وصوله إلى المنصب بدعم سعد الحريري ، رجل الأعمال الذي مولته السعودية في السابق ، ويحظى “عون” بدعم الأسد ولبنان، وهي القوى التي حاربها بينما كان جنرالاً .
ويشير الكاتب إلى ثلاثة أخطاء إستراتيجية ارتكبتها المملكة في السابق ، أولها كان دعم صدام ب 25 مليار دولار لمحاربة إيران لثماني سنوات ، وفي عام 1990 وبعد عامين من انتهاء الحرب كان صدام غارقاً في الديون وحاولت السعودية والكويت تقويضه برفضهم خفض إنتاج النفط ، وهو ما نتج عنه غزو الكويت ، ودفعت الدولتان 30 مليار دولار للولايات المتحدة لاحقاً .
وفي 2003 لعبت السعودية على كلا الجانبين بتحذير ولي العهد آنذاك، الملك عبدالله الرئيس الأميركي ،بوش ، من مغبة غزو العراق ، وإعلانها عدم استخدام قواعدها من قبل قوات التحالف، إلا أنه بعد ذلك أصبحت هذه القواعد أساسية في الهجوم على العراق .
تسببت الإطاحة بصدام وحزب البعث وفراغ السلطة في تقديم العراق على طبق من فضة لإيران ، وبدأت في تقديم الخدمات في المناطق الجنوبية التي يسيطر عليها الشيعة ، وتحولت إلى راع سياسي كبير ، وفي النهاية تحولت إلى المتحكم في القوة العسكرية عن طريق الميليشيا الشيعية التي تعمل بالوكالة لصالحها .
أما الخطأ الثاني فهو اليمن حيث قال الكاتب إن السعودية أنقذت علي عبدالله صالح بعد أن احترق بفعل قنبلة ،كما أنها والإمارات قامت باتصالات مع الحوثيين وشجعتهم على التقدم والإستيلاء على العاصمة صنعاء ، وكانت الخطة ترمي إلى إشعال المعركة مع إسلاميي اليمن ،حركة الإصلاح ، وصار الحوثيون إلى صنعاء دون مقاومة ثم إلى عدن ،ووقتها أدرك السعوديون الخطأ الذي ارتكبوه ، وأنهم قتحوا المجال أمام إيران ، وبقى لديهم القليل من الخيارات ، وبالرغم من حملة القصف التي شنتها السعودية ،إلا أنها لم تسترد صنعاء ولم تنجح في إيقاف الصواريخ التي تطلق عليها .
ويشير الكاتب إلى القرار الإستراتيجي الذي اتخذه الملك عبدالله بإجهاض الثورة المصرية ، وهو ما يعد أكبر خطاً ارتكبته السعودية .
وانفقت السعودية جنباً إلى جنب مع الإماراتيين والكويتيين ما يزيد عن 50 مليار دولار على رجل فشل في إرساء الإستقرار في البلاد ،والآن يغازل إيران ،عدو السعودية ، ومن البداية إقتصرت العلاقة بين السبسي والسعودية على الحصول على العملة الصعبة ، وفي 2013 تردد لثلاثة أشهر في خيانة رئيسه محمد مرسي ، إلا أنه فعل ذلك لاحقاً بعد أن حصل على وعود بحصوله على 12 مليار دولار من دول الخليج حال قيامه بالإنقلاب ، فماذا حصلت السعودية مقابل أموالها ؟
ويضيف الكاتب أن مصر لم تشارك في حرب اليمن ، وصوتت لصالح مشروع القرار الروسي حول سوريا ، وشاركت القاهرة في محادثات سويسرا حول سوريا بعد طلب إيران ذلك
،وفتحت إتصالات مع حزب الله والحوثيين .
ونتيجة للأخطاء الثلاث بدلت إيران والسعودية الأماكن ،وبينما كانت إيران منعزلة قبل حروب العراق تمتعت السعودية بالنفوذ في المنطقة ، أما الآن السعودية محاصرة بالصراعات والدول المنهارة ، ولديها حرب في الشمال والجنوب .
وعلى عكس إيران لم تبن السعودية بهدوء وصبر شبكة من الحلفاء المحليين ، وربما تؤدي سياساتها إلى إحداث كارثة في حلب أو الموصل ،لكن إيران ،لا يمكن إتهامها بالإفتقار إلى الخطة إذ أنها تسعى إلى تغيير السيطرة الجيوسياسية والتكوين العرقي للمنطقة ، وتأمل في السيطرة على المنطقة من إيران إلى البحر المتوسط .
ومن أجل تحقيق هذه الغاية تصنع إيران التحالفات طويلة الأمد ، بينما التحالفات التي تقوم بها المملكة كلها مؤقتة ، سواء كانت مع القيادات أو الدول ، وتظهر لبنان هذا الضعف .
وعندما تتخذ السعودية قراراً إستراتيجياً ،فإنها تتخذ القرار الخطأ ، ويتمثل ذلك في خياراتها تجاه الإنتفاضات العربية في مصر وتونس . كان محمد مرسي واضحاً بما يكفي في عرضه للسعودية ، الوجهة التي زارها في أول زيارة خارجية له عندما تولى السلطة .
ويشير الكاتب إلى تأكيدات محمد مرسي أثناء زيارته الأولى بضرورة توثيق العلاقة بين البلدين وأن مصر قد تتحول إلى حامي للمشروع السني والسعودية راعية له ،وهو ما كان من الممكن أن يحول الربيع العربي إلى فرصة للسعودية بتحويلها إلى راع للمشروع السني في حين تكون القاهرة بمثابة حام له ، وهو بالضبط ما تحتاجه السعودية من السيسي ، ولا يرغب في القيام به .
وأدى سحق الإسلام السياسي إلى فتح المجال أما تنظيم الدولة ، وتحولت سيناء من مشكلة محلية إلى إقليمية ، وبالنسبة للملكة فإن حالة الحرب الدائمة هي كارثة إقتصادية ،إلا أنها نعمة إقتصادية لموردي الأسلحة مثل شركة “بي إيه إي سيستمز” .
وتحتل السعودية المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري بعد الولايات المتحدة والصين ، وتنفق حوالي 56 مليار دولار أي ما يعادل 25 بالمائة من ميزانيتها ،وذهب 1.14 مليار دولار منها إلى خزائن شركة “بي ايه إي” للحصول على المقاتلة الأوربية “تيفون”
ويلفت الكاتب إلى حصول الولايات المتحدة على جزء كبير من الأموال السعودية ، إلا أن هذه الأموال والأصول الآن في خطر بسبب تمرير قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب “جاستا” والذي يجعل من السهل على ضحايا 11 سبتمبر الحصول على تعويضات ، وبحسب مصادر تحدثت إلى الكاتب فإن الإمارات قد سحبت أصولها من الولايات المتحدة ، إلا أن السعودية تواجه إنخفاض أسعار أصولها عند محاولة بيعها .
ويتابع الكاتب: “تخيل ماذا سيحدث إذا صبت السعودية هذه الأموال في المنطقة ، وإذ أنفقتها في دعم الأنظمة المنتخبة ديمقراطياً في مصر واليمن ، بغض النظر عن الفائز ؟ سيكون مصر في حال إنتقال ديمقراطي جيد وسينحسر خطر الحوثيين وصالح في اليمن، وربما سيكون هناك تمرد في سيناء ، إلا أنه سيكون أقل ضراوة ، وسيكون لدى الإسلاميين في العالم العربي نموذج غير عنيف جدير بالسير خلفه ،وسيتضاءل دعم الجهاديين ، وهو ما حدث بالفعل في أعقاب ثورة 2011 .
ويختم الكاتب بمطالبة العائلة المالكة السعودية بتحويل نظام الدولة إلى ملكية دستورية ، وتبني سياسات الإصلاح السياسي وتنظيم الإنتخابات .