الفوبيا أو الرُّهاب يعرفه المتخصصون في علم النفس بأنه خوف مرضي، غير عقلاني في شدته أو ماهيته، يرتبط هذا الخوف بشيء ما، نشاط، أو كائن حي، أو شخص بعينه، أو جماد، أو نبات … الخ.
وإذا تعرض المصاب بالرُّهاب أو الفوبيا لذلك الشيء الذي يسبب له الخوف يعيش في قلق مفرط، غير طبيعي.
يعتبر الرُّهاب مرضا نفسيا، خاصة إذا تسبب في إعاقة سير الحياة اليومية للمريض.
بعد ثورة يناير انخرط المجتمع المصري في الحياة السياسية بشتى أشكالها، ونتج عن ذلك أنواع كثيرة جدا لـ”لفوبيا السياسية” إن صح التعبير، سنتحدث في هذه المقالة عن أهمها:
1 – إسلاموفوبيا:
هذا النوع من الفوبيا يشترك فيه المصريون وغير المصريين، ويمتد تأثيره إلى العالم كله بلا استثناء، ولكن لهذا النوع من الفوبيا خصوصيته في مصر، فيرى المصابون به أن الإسلاميين (وفي القلب منهم جماعة الإخوان “الإرهابية”) هم السبب في كل خطايا الدنيا والآخرة، كل شيء لا يعجبهم مصدره الإخوان لا سواهم، حتى لو كان ذلك حمامة طائرة، أو سمكة قرش عابرة، أو انهيار عقار، أو ارتفاع سعر الدولار.
علاج هذا النوع من الرُّهاب صعب برغم بساطته، وخلاصة العلاج أن يتخلص المريض من مصادر معلوماته المضللة، وأن يتواصل مع مصادر أخرى أكثر نزاهة، وأن يتحرى بنفسه عن كل ما يقال حوله مما يلصق بالإسلام والإسلاميين، وأن يشغل ما بقي له من خلايا المخ في تفسير الأحداث بشكل منطقي.
2 – فوبيا سوريا والعراق:
وهي حالة رُهاب غير مزمنة، يشفى منها المريض في ليلة وضحاها بعد أن يعاني منها لشهور طوال، أصيب بها كثير من المصريين في مرحلة ما، فترى الإسلاميين مصابين بها لمدة عامين ونصف، منذ يناير 2011، وحتى ظهيرة يوم الثالث من يوليو 2013، تراهم في كل مناسبة يقولون إن الجيش حمى الثورة كي لا تصير مصر مثل سوريا والعراق، فيستنكر عليهم أبناء التيار المدني قولهم صارخين في وجوههم (يسقط يسقط حكم العسكر)، فيقوم الإسلاميون برفع صوت القرآن الكريم في ميدان التحرير.
ثم تمر الأيام، وينقلب الجيش على الرئيس الإسلامي المنتخب بأصوات الشعب، فترى الإسلاميين وقد شفاهم الله فجأة من (فوبيا سوريا والعراق)، والعجيب أن يصاب بهذه الفوبيا بشكل فوري غالبية أبناء التيار المدني فتراهم يصرخون صباح مساء لقد ساند الجيش (ثورة الثلاثين من يونيو) كي لا نكون مثل سوريا والعراق، فيصرخ في وجوههم الإسلاميون بعد أن شفاهم الله (يسقط يسقط حكم العسكر)، ولله في خلقه شؤون.
هذه الفوبيا تحتاج إلى وقت للوصول إلى الشفاء الكامل، وبرغم أن الشفاء منها يحدث فجأة كما ذكرنا، إلا أن عنصر الزمن فيها مهم، لكي يتأكد المريض أن تأييد قرارات القمع اليوم سيعود عليه بالقمع غدا.
3 – (باعونا في) فوبيا:
وهذا النوع له شكلان رئيسيان، الأول (باعونا في محمد محمود)، والثاني (باعونا في رابعة والنهضة).
وهي فوبيا موسمية، لها أوقاتها التي تزداد فيها كل عام حتى تكاد ترى غالبية الناس وقد أصيبوا بها، خصوصا مع ازدياد عدد اللجان الإلكترونية في السماء الافتراضية في مصر.
وهذه الفوبيا صعبة العلاج، ولكن هناك حالات عديدة نجحت في التخلص منها نهائيا، وكان ذلك بالحوار مع الطرف الآخر، والاستماع إلى روايته للأحداث، والابتعاد عن التعميم.
4 – فوبيا (ثلاثين سونيا):
المصابون بفوبيا (ثلاثين سونيا) يحبون دائما اختصار القضايا الكبيرة في جمل قصيرة، فإذا كان المصاب إسلاميا تراه من النوع الذي يفسر كل أمراض المجتمع بسبب (البعد عن شرع الله) !
وإذا كان يساريا تراه لا يرى في الحياة إلا (العدالة الاجتماعية) !
وإذا كان ليبراليا تراه ينادي بحرية ممارسة كل شيء، وأي شيء !
لذلك تجد هؤلاء يسعدهم ويسهل حياتهم أن يضعوا كل أوزار الدنيا والآخرة على (سهرة ثلاثين سونيا)، كل من شارك فيها ملعون، مهما كانت مبرراته، ولا يمكن أن يتفهموا أي أسباب أدت إلى اندلاع هذه الموجة الغاضبة من الاحتجاجات، ولا أن التظاهر حق للمواطن، وأن المطالبة بانتخابات مبكرة عمل ديمقراطي لا غبار عليه … هم لا يفهمون ذلك، فتفسيراتهم البسيطة السطحية مجهزة سلفا.
فوبيا ثلاثين سونيا تدفع صاحبها إلى المساواة بين ملايين البشر، الصالح منهم والطالح، فالجميع مهدر الدم والعرض، ومن أجل ذلك يلجأون لكثيرمن المغالطات، ولا يستطيعون الرد على كثير من الأسئلة، فهناك بعض من شارك في تلك (السهرة) استشهد في رابعة بعد ذلك، فهل هم شهداء أم ملاعين؟!
هذه الفوبيا ليس لها علاج، ولكن هناك حالات عديدة ثبت شفاؤها تماما، ويجمع بين حالات الشفاء أن المرضى قد تعرضوا لصدمة تتعلق بمُسلّمات كثيرة كانوا يعتنقونها، ثم اتضح أنها أضغاث أحلام !
5 – فوبيا (قطر وتركيا):
وهي فوبيا عارضة (يضاف لها أحيانا حماس وإسرائيل وأمريكا)، ويصاب بها محررو الأخبار أكثر من غيرهم، وأسرع علاج لها – رغم صعوبته – عقد عمل في دولة قطر، أو رحلة سياحية مجانية في تركيا (على ضمانتي).
6 – رابعة فوبيا:
المصابون بفوبيا رابعة تجدهم دائما يحاولون الظهور بمظهر القوي، الواثق من نفسه، ولكنهم لشدة رعبهم من لحظة الحساب يقعون في أخطاء مضحكة تفضح خوفهم.
هؤلاء لا ينامون مطمئنين أبدا، ولا يثقون فيمن حولهم بتاتا، إنهم قتلة، أو شركاء في الدم، وهم يعيشون ما تبقى لهم في انتظار أن يقتص الله منهم بحادث سيارة، أو بفضيحة رشوة جنسية، أو بحصار الجماهير للقصور وتعليق المشانق.
خير مثال على المصابين بفوبيا رابعة هو السيد رئيس جمهورية الأمر الواقع عبدالفتاح “سيسي”.
راقب حركاته وسكناته سترى شخصا سيكوباتيا مصابا بشتى أنواع الأمراض النفسية، وأهمها (رابعة فوبيا).
لا يوجد علاج لهذا النوع من الفوبيا في مراجع العلم الحديث، العلاج الوحيد هو القصاص العادل.
7 – فوبيا الاصطفاف:
مرضى هذا النوع من الرُّهاب يبنون حياتهم كلها على أساس أنهم يرون جميع المؤامرات، ويلمون بجميع التفاصيل، فهم أهل الخبرة السياسية، وهم فقهاء القانون الدولي، وهم – وحدهم – العالمون بمصالح الوطن، هم الثوريون ولا ثوريين غيرهم، هم المخلصون ولا مخلصين غيرهم.
أو أنهم الأذكياء الذين يعرفون نوايا جميع الفصائل، ويعلمون المستقبل، فيستطيعون أن يقولوا لنا من الآن أنه لا فائدة من التعامل مع الإسلاميين (أو العكس) حتى ولو بعد مائة عام.
وهذا الرُّهاب الذي يصابون به من كلمة الاصطفاف أساسه رعب من انكشاف حقيقتهم السطحية، وأنهم يرددون أفكار غيرهم كالببغاوات، وأنهم حديثو عهد بالثورة، ولم يلتحقوا طوال حياتهم بأي عمل سياسي ناهيك عن العمل الثوري.
إنه رُهاب من نوع خاص.. يجعلهم في موقع المزايد دائما ليحصدوا إعجاب نوع معين من الجماهير.
علاج هذا النوع من الفوبيا هو التجاهل.. لأن انكشافهم أمام أنفسهم وأمام الناس مسألة وقت، فهم بلا إنجاز، إنجازهم هو الصراخ على الآخرين الذين يدعون الثوار للاصطفاف، لذلك ستكون نهايتهم انصراف الناس عنهم، وفي هذه الحالة لن يبقى لهم إلا الاعتراف بالواقع، أو مستشفى الأمراض العقلية.
8 – مرسي فوبيا:
هذه الفوبيا تصيب نوعين من الناس، النوع الأول يحب الدكتور مرسي حبا شديدا، فتراه ينزهه عن كل خطأ، ويعفيه من كل مسؤولية، حتى يصل به إلى مرتبة لا يصل لها إلا السفرة الكرام البررة.
وهؤلاء لا مطلب لهم في الحياة سوى عودته إلى الحكم – فك الله أسره وأسر سائر المعتقلين في سجون الانقلاب – ويتصورون أن عودته أمر ممكن، بل سهل، وأنه عائد للحكم لا محالة.
أما النوع الثاني فهم على العكس تماما، يرون أن كل ما حل بمصر والعالم العربي من شرور سببه هو السيد الدكتور محمد مرسي، ولا يجدي معهم توضيح الصلاحيات المحدودة التي حظي بها الرجل، ولا حجم المؤامرة التي كانت عليه.
هذه الفوبيا بالذات لا علاج لها إلا بالصدمة، ويعلم الله ما يحدث للمريض حين يصدمه الواقع المرير في هذا الشأن.
9 – تعريصوفوبيا:
هي كلمة واحدة، منحوتة من كلام قدماء المصريين، يعرفها القاصي والداني منذ عهد الفراعنة الذين بنوا الأهرام، إلى عهد العساكر الذين كسروا ذقن “توت عنخ آمون”، وهذا الرُّهاب يصاب به الثوريون، والدولجيون.
فإذا أصيب به الثوريون تراهم لا يستطيعون مشاهدة أي مسخ تلفزيوني، يستوي في ذلك أحمد موسى، وعمرو أديب، ولميس الحديدي، أو رانيا بدوي … وتراهم يصابون بحالة من القيء الشديد إذا قرأوا للدكتور الجهبذ معتز عبدالفتاح السيسي الساكن في التيه، أو الدكتور العبقري مصطفى حجازي الذي يتحدث وكأنه زوج زرقاء اليمامة، أو أي من الإعلاميين والمفكرين الذين ينتمون لهذه الفصيلة.
أما إذا أصيب به الدولجي فتراه يردد لا إراديا جميع مقولات المذيعين والصحفيين والمفكرين من (لا مؤاخذة) الفصيلة التي تحدثنا عنها منذ قليل!
10 – بقي النوع الأخير من أنواع الفوبيا السياسية، وليس له اسم معين، فتراه أحيانا باسم (محمد محسوب فوبيا)، (عزمي بشارة فوبيا)، (أيمن نور فوبيا)، (محمد طلبة رضوان فوبيا)، (حاتم عزام فوبيا)، (عمرو حمزاوي فوبيا)، (عبدالرحمن يوسف فوبيا) … ولكن أبرز نوع من الأنواع السابقة، وفي صدارتها جميعا (سيف عبدالفتاح فوبيا)، وهذا نوع من الرُّهاب لا يصيب إلا أنواعا معينة من فئران التجارب الثورية، التي تخضع لجرعات مكثفة من الزن على الودان، في غياب كامل للوعي (من أنواع التنويم المغناطيسي)، بما يؤدي إلى رُهاب مزمن، فترى الفأر منها في حجم العجل البلدي، يجلس أمام الكاميرا يصرخ (سيف عبفتاح … سيف عبفتاح … سيف عبفتاح)، وللأسف الشديد … لا علاج لهذه الفئران إلا بالتعامل مع المستفيد والمموّل لهذه السموم الفكرية البذيئة.
هذه أهم أنواع الفوبيا السياسية في مصر بعد ثورة يناير المجيدة، أصيب بها من أصيب، وشفي منها من شفي، وما زال يعاني منها من يعاني.
كاتب هذه السطور مواطن مصري، يجري عليه ما يجري على المصريين، أصيب ببعضها، ولعله قد أصيب بسواها وهو لا يدري، فضغوط هذه المرحلة قاسية، وهي تقتضي منا جميعا أن نعمل سويا لكي لا تؤثر أمراضنا النفسية في مسيرة الوطن، ولكي لا يستغل أعداء هذه الثورة استسلامنا لأفكارنا الساذجة، وخوفنا المركّب من مراجعة ما نؤمن به، بسبب رُهاب مرضي واضح.
نسأل الله لنا وللجميع الشفاء العاجل من كل أنواع الفوبيا …!