طرحت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أخيراً، أربع دول إفريقية من حوض النيل (أوغندا، كينيا، إثيوبيا، رواندا) أسئلة بشأن توقيتها وأهدافها، في وقتٍ انكشفت فيه صورة إسرائيل العنصرية، وازدادت وتيرة المقاطعة الغربية بضائع المستوطنات والمؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية، ناهيك عن الأطماع الإسرائيلية الإستراتيجية في مياه نهر النيل.
لهذا، كان من أهداف زيارة نتنياهو هذه الدول الإفريقية البحث عن حلفاء جدد في القارة السمراء، بغية الحد من الإدانات الإفريقية ضد ممارسات الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وبات مؤكداً أن زيارة نتنياهو، ومعه رجال أعمال وتقنيون إسرائيليون في مجالي الري والزراعة لم تكن بريئة.
وكانت العلاقات بين إسرائيل وإفريقيا قد تضررت بعد حرب 1967، وقطعت 35 دولة إفريقية علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل بفعل الضغط العربي.
واستغلت إسرائيل تطبيع دول عربية معها، بعد إنشاء السلطة الفلسطينية في 1994، لجهة بناء جسور علاقات تجارية وعسكرية مع دول إفريقية عديدة، ومساعداتها الفنية لتلك الدول في التقنيات الإسرائيلية الزراعية المتطورة خصوصاً. وحتى لا تتهم إسرائيل بأنها تقيم علاقات فقط مع الحكام الأفارقة، فإنها وسعت اتصالاتها مع السكان في القارة الإفريقية، واعتنى بذلك قسم التعاون الدولي في وزارة الخارجية، حيث تتولى إسرائيل تدريب ألف طالب إفريقي في قضايا الزراعة والطب وغيرهما، وترسل إلى القارة أطباء ومستشارين في مجالات شتى، ويتم بعض هذه الجهود بالتعاون بين إسرائيل وفرنسا والولايات وإيطاليا وغيرها.
ويمكن الجزم بأن إسرائيل تسعى، من زيارة نتنياهو دول حوض النيل مع خبراء كثيرين، إلى تهيئة الظروف المناسبة لبناء شبكة علاقات دبلوماسية واسعة، لتصبح بعد ذلك إفريقيا برمتها سوقاً تجارياً كبيراً للسلع والأسلحة الإسرائيلية في الوقت نفسه. وفي الاتجاه المائي، ستقوم إسرائيل، كما في السابق، بتحريض دول حوض النيل على التصادم مع مصر والسودان حول توزيع الحصص، من دون النظر للحقوق التاريخية والاتفاقات المبرمة سابقاً، حيث تنفذ دول إفريقية عدة مشاريع لسدود على نهرالنيل، وهذا ما يؤثر على الحصة المخصصة لمصر من مياه النهر، بكمية تصل إلى نحو 16 مليار متر مكعب.
وتبنت إسرائيل إستراتيجية سياسة محددة إزاء حوض النيل، تهدف بشكل عام إلى تطويق مصر والسودان، عن طريق صلاتها مع دول حوض النيل، حيث أكدت تقارير إسرائيلية إرسال تل أبيب خبراء في مجال المياه إلى إثيوبيا، ساعدوها على إنشاء ثلاثة سدود على روافد النيل الكبرى، تدخل على المجرى الرئيسي في أجزاء متقدمة من جنوب إثيوبيا، ثم السودان ثم مصر، وقد أقرَّت إثيوبيا بإنشائها السدود الثلاثة (بنشام- الليبرد- ستيد) بحجة توليد الكهرباء، وأقرَّت بوجود أولئك الخبراء لديها، ناهيك عن قيام إسرائيل بنشاط خطير في جنوب السودان، حيث أوقفت مشروع قناة جونجلي التي كانت ستوفر لمصر كميةً إضافيةً، قدرها خمسة مليارات متر مكعب من المياه؛ ووضعت استراتيجية سياسية، تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة البحيرات العظمى، بما يخدم مصالحها في السيطرة على الموارد المائية، وإبقاء المنطقة كلها في صراعاتٍ طائفيةٍ مستمرة، فشهدت منطقة البحيرات، منذ بداية عقد التسعينيات، صراعاتٍ مسلحةً أثمرت مذابح بشعة راح ضحيتها آلاف الأرواح، في رواندا وبورندي.
ويلحظ المتابع لأطماع إسرائيل المائية، بوضوح جلي، أن إسرائيل طرحت قضية مياه النيل مراتٍ، في ندوات ومؤتمرات ودراسات متخصصة، ربطاً مع حاجاتها المائية المتزايدة، وطالبت بحصولها على 10% من مياه نهر النيل، أي نحو ثمانية مليارات متر مكعب سنوياً لحل مشكلة الطلب المتزايد على المياه بسبب زيادة السكان في فلسطين المحتلة، نتيجة الهجرة اليهودية وحاجات القطاع الزراعي. ولهذا، سعت المؤسسات الإسرائيلية المختلفة، منذ الستينيات من القرن المنصرم، إلى التغلغل بشكل كبير في دول حوض النيل، وخصوصاً أوغندا وتنزانيا وكينيا وإثيوبيا، من خلال إرسال عشرات الخبراء في مجالاتٍ عديدة، مثل الزراعة والري والخبراء العسكريين وغيرهم لتلك الدول.
ويبقى القول إن أهداف زيارة نتنياهو القارة السمراء، أخيراً، متشعبة، فثمّة ما هو أمني واقتصادي، لكن الهدف المباشر هو التدخل الإسرائيلي في شؤون حوض النيل، بغية تطويق مصر والسودان مائياً، والتسبب في نزاعاتٍ قد تتطوّر إلى خوض حروبٍ واسعة النطاق على المياه بين دول المنبع والمصب في حوض النيل، فالمصلحة الإسرائيلية العليا تتلخص بالتمدّد مائياً باتجاه حوض النيل، والسيطرة على كمية مياه كبيرة على حساب الحصة المصرية المحدّدة في المقام الأول.