ما إن خرجت حركة تمرد إلى الساحة السياسية، وأعلنت رغبتها في تغيير المشهد السياسي، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، معللة ذلك بعدة أسباب، ورأت الحركة أن الأصل في أي رئيس وحكومة تحكم البلاد هي تحقيق هذه المطالب، وإلا فقدت الحكومة شرعيتها، بل والرئيس كذلك.
والحق يقال من كتب استمارة تمرد كان قارئًا جيدًا لما في أعين شباب مصر والثورة، فمن ذا الذي لم يكن يريد القصاص لشهداء ثورة يناير الذين سقوا بدمهم بذرة الحرية، لتشرق شمس جديدة على مصر، ترى فيها نور العدالة الاجتماعية، ومن ذا الذي لم يبحث عن الكرامة للمواطن المصري والوطن.
لقد حصلت تمرد على تأييد كثير من التيارات السياسية على رأسها جبهة الإنقاذ، وحركة ستة أبريل، ووصفها فنانو مصر بأنها قبلة الحياة، وفتح الإعلام أبوابه وأبواقه بحجة أن هذه المطالب هي مطالب شعبية جماهيرية. وأن تيار الإسلام السياسي ممثلًا في مرسي كرئيس للبلاد يقف حائلًا دون هذه المطالب، وأن إزاحته وسيلة ضرورية من أجل تحقيق غاية سامية. الآن وبعد إزاحة مرسي عن الرئاسة، بل وإزاحة تيار الإسلام السياسي ككل من المشهد، هل حققت حركة تمرد -ومن أيدها- غاياتها؟
هل تحقق مطلب شعبي واحد من مطالب تمرد؟ هل عاد حق الشهداء أو تحسن الاقتصاد المصري وتوقفت الدولة عن سياسة القروض الخارجية؟ وهل تحققت العدالة الاجتماعية، ونال المواطن كرامته المنشودة؟…
أما حق الشهداء فمن قتلوا شباب يناير صاروا جميعًا خارج السجون، وقد نالوا البراءة وعادوا للمشهد السياسي بشكل أو بآخر، وأما يناير وثوارها فقد تحولت إلى مؤامرة على الوطن، وشبابها كانت لهم أجندات خارجية!
بل انطلقت مواكب الشهداء ترفرف من محمد محمود إلى رابعة العدوية والنهضة إلى رمسيس، بل صار من يخرج ليتظاهر فقط حاملًا الورد بيده يعود جثة هامدة، وما كانت شيماء الصباغ إلا مثالًا على ذلك، ومن نجا من مصير الصباغ ربما لاقى مصير ماهينور المصري وأحمد ماهر ومحمد عادل، وآلاف الشباب القابعين خلف القضبان بتهمة التظاهر. كأن التعبير عن الرأي صار جريمة يعاقب عليها صاحبها، فلا ينبغي لأحد أن يحمل فكرًا أو رأيًا يخالف فكر السلطة الحاكمة.
وإن اعتبرت تمرد أن الاقتصاد في زمن مرسي كان منهارًا، لا سيما والدولار قد تجاوز حاجز الستة جنيهات، رغم أن عائدات القطاع السياحي كانت تلامس سبعة مليارات دولار، وحقق الميزان التجاري فائضًا لأول مرة في تاريخه.
فماذا نسمي ما قد آل إليه الاقتصاد المصري اليوم، وقد وصل سعر صرف الدولار إلى أرقام فلكية بالنسبة لعهد مرسي، وانهارت عائدات السياحة المصرية لا سيما بعد توقف السياحة الروسية، لتلامس عائدات السياحة ما يقارب ملياري دولار فقط، وما تبع ذلك من تشريد آلاف العاملين بالقطاع السياحي.
ناهيك عن هبوط التصنيف الائتماني لمصر من آمن إلى سلبي، وتبعات ذلك على الاقتصاد المتهالك. هذا بجانب أن مصر قد حققت أعلى نسبة دين داخلي وخارجي في تاريخها، ما أدى لوصول فوائد الدين العام في الميزانية الجديدة إلى 244 مليار جنيه، وهو ما يعادل ثلث ميزانية الدولة تقريبًا. ألا يعتبر هذا وقوفًا على حافة الهاوية؟
وإن قامت الدنيا لأجل سحل حمادة صابر، ما تم اعتباره إهانة لكرامة المصريين وعودة لممارسات الداخلية القديمة، والتي قامت ثورة يناير لأجلها. فهل تغير الواقع الآن؟ لقد عادت ممارسات الداخلية أبشع من ذي قبل، ولا يكاد أسبوع يمر حتى نسمع عن شاب قتيل أو مصاب على أيدي ضابط أو أمين شرطة. ناهيك عن عودة التعذيب بمقرات الأمن الوطني، وما كريم حمدي الذي تم تعذيبه بالكهرباء وكسر ضلوعه وخلع أظافره إلا صورة حية على ما آلت إليه الأمور مرة ثانية.
بل صار هناك عشرات الآلاف من المواطنين قابعين وراء القضبان بدون ذنب أو جريمة سوى التعبير عن الرأي، واعتناق مذهب سياسي يخالف السلطة الحاكمة، حتى وصل الأمر أن يقضي شاب عامين من عمره بالسجن يعاني من السب والضرب، كما صرح، فقط لارتدائه قميصًا يحمل مطلبًا من مطالب تمرد وهو وطن بلا تعذيب يحمل الكرامة لكل مواطن.
هل كانت الغاية من مطالب تمرد ليس إلا استخدام أحلام وحماس الشباب لتحقيق غرض سياسي، وهو إزاحة تيار الإسلام السياسي عن المشهد وفقط.
إن الوطن هو الوطن لم يتغير، والمشهد السياسي الآن صار أسوأ بكثير من المشهد الذي خرجت منه تمرد إلى الساحة،
فأين ذهبت تمرد الآن وأين غايتها ومطالبها التي نادت بها؟
بل أين الساسة والمفكرون والكتاب الذين دعوا شباب مصر إلى تمرد، والتمرد من أجل حرية وازدهار الوطن، ورفعة وكرامة المواطنين، ترى ما الذي يحول الآن بين تمرد والتمرد؟