لماذا في يونيو/ حزيران من كل عام، تنبعث التسريبات الخاصة بتنفيذ حكم الإعدام في الرئيس محمد مرسي؟!
لا تفسير عندي لهذه الرياح “الموسمية” سوى أنها تهب في إطار موجات من التسريبات الاستخبارية، المحملة بأتربة الفزع، وجراثيم التخويف، استباقا لحلول ذكرى جريمة الانقضاض على السلطة، من قِبَلْ ذلك التشكيل العصابي، المدعوم دوليا، الممول إقليميا، المحمول فوق ظهور نخب، قررت أن تنحط.
في مثل هذا الوقت من العام الماضي تطايرت نوافذ السوشيال ميديا من شدة رياح تسريبات الإعدام، المصحوبة باستحضار وجه أحمد شفيق، جنرال الثورة المضادة، التي اختطفها منه عبد الفتاح السيسي، وأدارها لحسابه، مستعينا برموز ارتبطت بثورة يناير، لكي يشتغل على خيط درامي وحيد، فحواه أن الدكتور محمد مرسي لم يكسب سباق الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فالانقلاب عليه لم يكن انقلابا على رئيس منتخب.
هذا العام، يعبئون شبكات التواصل الاجتماعي بالتسريب ذاته، بشأن تنفيذ إعدام الرئيس، من دون تجديد أو ابتكار، إذ تنهض حكاية “الرأي الشرعي من المفتي” عنوانا، كما كان الحال في الموسم الماضي، فتصدر، أيضا، بيانات محذرة من الاتجاه إلى إعدام الرئيس المنتخب، فتقرأ أن “هيئة علماء الثورة” قالت إنها طالعت “ببالغ الأسى والاستنكار”، الأخبار التي وصفتها بالمشؤومة بخصوص حكم الإعدام المزمع تنفيذه بحق الرئيس محمد مرسي، محذرة بشدة من إقدام سلطة الانقلاب على تلك الخطوة”.
ولعلك تذكر أنه في مثل هذه الفترة من العام الماضي صدرت بيانات لعلماء تطالب بالتدخل لوقف تنفيذ الإعدامات الجائرة.
تساءلت وقتها: هل كان لابد من أسبوع كامل لدراما عودة أحمد شفيق، للتحضير لاتخاذ القرار الأخير بإعدام ثورة يناير، بالنطق بما يسمى “حكما قضائيا مدعما بالرأي الشرعي” بإعدام رئيس مصر، محمد مرسي وعشرات من رجال الثورة؟
الملمح الأساسي في ذلك الاستعراض الهائل الذي قدمه شفيق، على مدار أسبوع، هو التأكيد على أن مرسي ليس رئيساً شرعيا، بادعاء أن الانتخابات مزورة والفائز شفيق. كان الهدف الأول والأخير من استدعاء شفيق، لكي يدور على كل فضائيات عبد الفتاح السيسي، نزع الشرعية عن نظام محمد مرسي، رئاسة ومجالس نيابية، لتطلع شمس اليوم التالي، والقاضي (نصف المتعلم) يبني قراره بتأييد إعدام الدكتور محمد مرسي، على أنه لم يكن رئيساً لمصر، منذ الثلاثين من يونيو/حزيران 2013.
يدرك صانعو هذا النوع من التسريبات أنها صالحة للاستعمال، أيضا، لدى قطاعات من الثوريين المحترفين، خرجوا صفر اليدين من حظيرة الانقلاب، يريدون طي صفحة الرئيس المنتخب إلى الأبد، والتفرغ لتأسيس شبكة علاقات”ثورية” جديدة، بالعقلية الاحترافية ذاتها، التي اشتغلوا بها في بناء تحالف الثلاثين من يونيو/ حزيران 2013 إذ لا يخفي كثيرون منهم السعي لتجاوز معادلات الخامس والعشرين من يناير/ كانون ثان 2011 والذهاب إلى بناء تكتلات مغايرة، تبدأ من الصفر، بما يعفيها من مواجهة أسئلة التاريخ المتعلقة بالمشاركة في جريمة اسمها”تمرد” قادت إلى كارثة اسمها”30 يونيو” وانتهت إلى هذا القاع السحيق.
اللعبة السخيفة تقوم على ممارسة أقسى أنواع الحرب النفسية على المعسكر المتمسك بشرعية الرئيس مرسي، بحيث ينخفض سقف مطالبه من انتشال مصر من مستنقع الانقلاب، إلى إنقاذ رقبة الدكتور مرسي من حبل المشنقة، فإن تحقق ذلك تدور ماكينة الكلام عن “الانتصارات الصغيرة” فيما تحال المعركة الكبرى، التي قال عنها مرسي” الشرعية ثمنها حياتي” إلى أرشيف المحفوظات.
اسمح لي أن أكرر بعض أسئلة طرحتها في العام الماضي، تعليقا على أنباء الاستعداد لتنفيذ إعدام الرئيس محمد مرسي:
- ماذا عن المعسكر الآخر الذي يناهض مشروع الانقلابات والثورات المضادة؟
- السؤال عن ماذا لدى أولئك المعارضين المحترفين الذي يتحدثون لغة سمسرة وصفقات، وليس حديث ثورة، وإن ادعوا ذلك؟
- ماذا لدى هؤلاء الذين يتعاملون مع الاصطفاف الثوري، باعتباره “مقاولة”، وليس ضرورة أخلاقية وحضارية، تستحق أكثر من الاستسلام لشهوة اعتلاء المنصات وركوب الميكروفونات، والتقلب بين المجالس والكيانات، على نحو أسرع من التنقل بين الشواطئ والمنتجعات؟
- ماذا لدى هؤلاء الذين يستمتعون بالفرجة على مباراة بين استبداديْن، أحدهما عميق والثاني أعمق، و”يقرمشون” كميات هائلة من السفسطة بالتحليلات والتوقعات والأمنيات، بشأن نتيجة المنافسة بين السيسي وشفيق؟
- هل تغير شئ في أسبوع إعدام مرسي 2016 عن أسبوع 2015؟!
ربما تغير ديكور المسرح، واختفت شخصيات وصعدت أخرى، غير أن النص لا يزال كما هو: تخدير ما بقي من حراك معارض بالشائعات والتسريبات، وبدلا من استخدام فزاعة أحمد شفيق، في الموسم الماضي، يحدث هذا العام نوع من الإفراط في الحديث عن صراع طاحن بين أجهزة السيسي الأمنية، والفخار الذي يكسر بعضه، والتآكل الذاتي داخل مؤسسة الانقلاب، ومن ثم لا تدعو للتحرك بعيدا عن تلك المساحة الثورية الهادئة، المحصورة بين تعديلات قانون التظاهر والدعوة لانتخابات رئاسية مبكرة.
كانت الخطيئة الأكبر، ولا تزال، أن نذعن ونستسلم لهبوط سقف الأحلام، إلى الحد الذي تقف فيه الثورة متفرجة على نزال قطبي الثورة المضادة، وترضى بانخفاض مستوى أمنياتها، إلى التعلق بأن يجهز أحد الوغدين على الآخر.
أكرر: للأسف، تحولنا إلى “فلول” و”حزب كنبة”، إلا هؤلاء البواسل والباسلات، ممن يزرعون الأرض مقاومة وثورة.