لم يرى كثير من الخبراء والمتابعين للشأن التعليمي في مصر خبر “تسريب امتحاني اللغة العربية والتربية الدينية” غريبًا في ظل سياسات نظام السيسي التي شهدت مصر في عهده انحدارًا لمستوى التعليم بشكل كبير، حيث نشرت صفحة “شاومينج بيغشش ثانوية”، وهي إحدى صفحات الغش على موقع التواصل الاجتماعي، أسئلة امتحان مادة “الدين” للثانوية العامة، وذلك قبل انتهاء الطلاب من امتحان اللغة العربية الذي بدأ اليوم الأحد الساعة التاسعة صباحًا.
وكتب أدمن الصفحة: “99% ده امتحان الدين اللي هيمتحنوه بعد ما يخلصوا العربي اللي لسه قدامه ساعة ونصف، الهدف من تسرب امتحان الدين هو إظهار الخلل في المنظومة التعليمية”، مؤكدًا أنهم لن ينشروا إجابات الدين.
ورأى خبراء تربويين أنه ليس غريبًا أن يصل النظام بمصر إلى ذيل الأمم، والتي احتلت المركز قبل الأخير فيما يتعلق بجودة التعليم من إجمالي 140 دولة على مستوى العالم، طبقًا لتقرير التنافسية العالمية لعام 2015م، والذي يصدر سنويًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي 2014م، أظهرت نتيجة استطلاع مؤسسة “بيرسون فيو” العالمية، أحد أكبر المؤسسات المعنية بتصنيف وتقييم درجات التعليم لدى الدول بخروج مصر وجميع الدول العربية من قائمة أفضل 40 دولة عالميًا في التعليم، في حين احتل المركز الأول والثاني كل من كوريا الجنوبية وفنلندا، وذلك في تقرير لها تضمن نتائج الامتحانات الدولية، وبيانات تتعلق بمعدلات التخرج حتى العام الماضي.
واستند هذا التصنيف الحديث على سلسلة من نتائج الاختبارات العالمية، وإجراءات تتعلق بنظم التعليم، والثقافة العامة للدولة، فتأتي بعد كوريا الجنوبية وفنلندا، ثلاث دول آسيوية تتمتع بأداء عال أيضًا في نظم التعليم، وهي هونغ كونغ واليابان وسنغافورة، وتأتي بريطانيا أيضا في مقدمة مجموعة من الدول تصنف على أنها فوق المعدل، وهي هولندا، ونيوزيلندا، وكندا، وأيرلندا، وفي المرتبة الأخيرة في هذا التصنيف دول المكسيك والبرازيل وإندونيسيا؛ أما نظم التعليم المصرية فلم تجد موطئ قدم لها في هذا التصنيف.
وقال الدكتور مجدي وجيه وكيل وزارة التربية والتعليم بمحافظة الاسماعيلية سابقًا، إن تسريب الامتحانات لا يخرج إلا من ثلاثة، وهم أحد من واضعي الأسئلة، ومطابع الوزارة والأمن المسؤول عن حفظ ورق الامتحانات، وكل هؤلاء تحت عين النظام، ما يؤكد أن التسريب جاء بسبب التراخي في فرض المراقبة المعهودة على امتحانات الثانوية.
وأشار وجيه في تصريح لـ”رصد”، إلى أن دولتنا لم تنفق على البحث العلمي والتعليم سوى 4 % من ميزانيتها حسب الدستور، لكن ما ينفق لم يتجاوز 2%، فالإنفاق على التعليم هو إجراء سهل، لكن الإجراء الأصعب هو نظرة الدولة للتعليم والتي يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا، حيث أصبح عمل روتيني لا هدف منه سوى الحصول على ورقة، يتم حفظها في الدرج.
وأضاف وجيه: “التعليم المصري أصبح في خبر كان، حيث يعكس الآلية المتخلفة التي نعاني منها، ويدفع الثمن أبناؤها من جهل وتخلف.
أما الدكتور أحمد الجوهري الخبير التربوي والتعليمي ورئيس الجامعة اليابانية للبحث العلمي، أوضح أن تسريب الامتحانت نتيجة لمعيار التخلف الذي نعاني في التعليم، ففي الدول التي تحارب من أجل التقدم علميًا وتسابق الزمن لبيع منتجات علمها وأبحاثها، نجد أنفسنا أمام واقع مرير وهو التسريب والغش الجماعي.
وأشار الجوهري في تصريح لـ”رصد”، إن خروج الدول العربية ومصر من تصنيف بيرسون يرجع في المقام الأول إلى نظام التعليم الكارثي داخل مصر بمختلف عناصره، ابتداءً من المدرسة التي لا تصلح إطلاقًا لتعليم الطلبة من حيث الإمكانيات والبيئة العامة، مرورًا بالمناهج الدراسية المختلفة ونهاية بغياب ما يتعلق بمقومات الهوية المصرية وبحقوق الإنسان وبثقافة المواطنة بشكل عام داخل مصر، والذي يتم تدريسه بالتدريج في مختلف المراحل الدراسية.
ويرى الجوهري “أن المعلمين في مصر يحتاجون إلى علم، فهم باتوا يمارسون مهنة بدل الرسالة، فالمعلم كان غير مقتنع بمهنته، وأنه يعمل بها تجنبًا للبطالة لا يحظى بالمكانة العالية التي من المفترض أن يتمتع بها، فضلا عن أن طرق التدريس والمناهج تعمق ثقافتي الحفظ والاستظهار وتبتعد كل البعد عن ثقافة الإبداع والفكر والاختراع، وهذا ما يعاني منه التعليم المصري والذي يبتعد به عن الهدف الأساسي والمكانة التي لابد وأن يكون بها لمواجهة تحديات العصر.
وشدد على أن التعليم السليم تتقدم به الأمم، وبإغفاله تطوى في زوايا النسيان، وذلك فلابد أن يحتل التعليم الأولوية المصرية السياسية، وأن يتم وضع خطط إستراتيجية وآليات واقعية ودقيقة وفعالة تعمل على تحديث المنظومة التعليمية بشكل جيد يواكب التطور والأساليب الحديثة على مستوى العالم.
وأكد أن سياسة التعليم جزء لا يتجزأ من سياسة الدولة، وأن التقدم في مستوى التعليم يرتبط بمدى التقدم الاقتصادي للدولة، ففي الماضي كانت ميزانية التعليم لا تتناسب مع مواجهة الزيادة السكانية، وكان ذلك لضعف الحالة الاقتصادية للدراسة، وهذا ما دفعنا إلى قصر مرحلة التعليم الابتدائي على خمس سنوات فقط وذلك لأن إمكانيات الدولة تقتضي ذلك
واختتم الجوهري تصريحاته بالقول: “إن انهيار التعليم في الجامعات المصرية يرجع إلى عدم وجود سياسة واضحة للدولة تجاه التعليم، وإنه تعامل مع سبع وزارات، ووجد كل وزير له سياسة ورؤية تختلف عن الآخر.”.