جاءت أحدث الإحصائيات الصادرة عن الجامعة العربية، والتي تقول إن بلدان المنطقة تواجه فجوة غذائية يصل حجمها إلى 34 مليار دولار، تمثل الحبوب 50% منها، بمثابة ناقوس خطر وجرس إنذار.
الأمر الذي جعل الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي التابعة للجامعة تحذر من مخاطر هذه الفجوات مستقبلًا إذا لم تُطور الدول القطاع الزراعي، خاصة أن مجهودات الحكومات العربية ولم تفلح في سد نقص الغذاء في العالم العربي خلال السنوات الماضية.
ويخشى خبراء، من أن تتسع الفجوة الغذائية عربيًا من الحبوب واللحوم وغيرها إلى 53 مليار دولار بحلول عام 2020، و60 مليارًا عام 2030، بسبب ما يعتبرونه ضعفًا للإرادة السياسية وعدم الرغبة في تعاون زراعي جاد، إضافة إلى المتغيرات الدولية، ووفقًا لأحدث التقديرات فإن مساحة الأرض الصالحة للزراعة في الدول العربية تبلغ نحو مئتي مليون هكتار.
وتقول الإحصائيات إن إجمالي موارد المياه المتاحة عربيًا نحو 260 مليار متر مكعب، إلا أن الاستثمارات في المجالات الزراعية هي الأقل مقارنة بالاستثمارات في باقي أنحاء العالم كما هي الحال في السودان الذي لا تتعدى الاستثمارات الزراعية فيه 1%.
وتشير التقارير إلى أن التغيرات المناخية تعد من أكبر التحديات التي تواجه الدول العربية للحفاظ على أمنها الغذائي، إلى جانب زيادة رءوس الأموال المستثمرة في المجال الزراعي ومنذ بداية السبعينيات ومشكلة تحقيق الأمن الغذائي محط اهتمام في الوطن العربي نظرًا لما اكتسبته من أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية، وذلك للارتباط الوثيق بالمجتمعات والحياة الكريمة، ويشكل انعدامه تهديدًا لأهم المبادئ والقيم لكون الطعام أول مقومات الحياة، ولتحقيق ذلك لا بد من توفير الغذاء بالكمية والنوعية وبصورة مستمرة لكل أفراد المجتمع، اعتمادًا على الإنتاج المحلي والاستغلال الأمثل للميزة النسبية لتوزيع الموارد الطبيعية لإنتاج السلع الغذائية في المنطقة العربية لإتاحة الغذاء لكل مواطن بالأسعار التي تتناسب مع دولهم وإمكاناتهم المادية، وخلال السنوات السابقة عاش عالمنا العربي حالة عجز غذائي تزداد حدته يومًا بعد يوم؛ لأن حجم إنتاج المواد الغذائية لا يكفي الاستهلاك، وهو ما يستدعي اللجوء إلى الاستيراد لتغطية العجز، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على اقتصاد البلاد العربية ومن ثم تبعيتها الاقتصادية والساسية وحتى الثقافية.
وتهدف اتفاقيات العمل العربي المشترك في المجال الاقتصادي، إلى تطوير العمل العربي المشترك، بما يخدم المواطن العربي والارتقاء بمستوى معيشته وتحقيق التكامل الاقتصادي على مستوى المنطقة العربية، وتعد الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي المؤسسة العربية المعنية بالاستثمار الزراعي المباشر والتي أصبحت نموذجًا رائدًا لمشروع عربي مشترك يتطلب الدعم والمساندة لتحقيق الأمن الغذائي العربي الذي لا يتأتى تحقيقه في ظل التوزيع غير المنسق للموارد الطبيعية والمالية بين المواطنين العرب، إلا عن طريق مؤسسات المالية الهيئة العربية وتوفير كل المقومات الأساسية لها، وتلقى كل الدعم من الحكومات والمؤسسات المالية العربية لأداء دورها بالمحافظة على مواردنا الطبيعية، وتوفير الغذاء الآمن لشعوبنا العربية.
وجاء إعلان قادة الدول العربية المجتمعين في الدورة الثالثة للقمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية بمدينة الرياض في السعودية والقرارات التي تم اتخاذها في القمتين التنمويتين اللتين عقدتا تاليًا في الكويت وشرم الشيخ، استشعارًا منهم بأهمية دفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة الحاجات التنموية المتزايدة وتطوير آليات عمل المؤسسات المالية العربية المشتركة لتوسيع نشاطاتها، وكذلك زيادة الاستفادة من إمكاناتها ومواردها.
وأوصت بعدة توصيات منها:
– تعزيز قدرات مؤسسات العمل العربي المشترك بالترحيب بمبادرة خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبدالله بن عبدالعزيز، الداعية لزيادة رءوس أموال المؤسسات المالية العربية المشتركة وبنسبة لا تقل عن 50%.
– تشجيع الاستثمار البيني.
– اعتماد الاتفاقية الموحدة لاستثمار رءوس الأموال بالدول العربية والمستجدات على الساحة العربية والإقليمية والدولية.
– التجارة البينية والاتحاد الجمركي العربي، والتأكيد على استكمال متطلبات منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى قبل نهاية عام 2013، وبذل كل الجهود للتغلب على الصعوبات التي تحول دون ذلك.
– إطلاق المؤسسة الإسلامية الدولية لتنمية التجارة، ومباركة الخطواط التي تمت حتى الآن في طريق بناء الاتحاد الجمركي العربي وصولًا للتطبيق الكامل له في عام 2015.
– القطاع الخاص العربي ودوره في العمل العربي المشترك، في توفير المناخ الملائم له لممارسة نشاط وتشجيع قيام المشروعات الاستثمارية المنتجة والمشتركة، وإزالة العقبات التي تقف في طريق تدفق الاستثمارات البيئية العربية، وتسهيل انتقال رجال الأعمال والمستثمرين وغير ذلك مما يتطلبه قيام القطاع الخاص بدوره على الوجه المأمول.
-توجيه الهيئة والمنظمات المعنية للعمل على سرعة تنفيذ البرامج الطارئ لأمن الغذائي، العربي والتنسيق في ذلك مع الدول العربية والمستفيدة من مكونات البرنامج والمؤسسات المالية العربية والإقليمية والدولية والقطاع الخاص العربي الذي ندعوه للمساهمة في تنفيذ البرنامج عبر الاستثمار في مشروعاته.
-الأمن المائي العربي، والتأكيد على المتابعة اللصيقة لتنفيذ إستراتيجية الأمن المائي في المنطقة العربية ومشروع الإدارة المتكاملة للموارد المائية، لمواجهة التحديات والمتطلبات المستقبلية للموارد المائية بهدف تحقيق التنميو المستدامة، وتوفير الاحتياجات الحالية والمستقبلية من الماء.
يقول الدكتور محمود منصور، الأستاذ بزراعة الأزهر والأمين العام للاتحاد التعاوني العربي -في تصريحات خاصة لـ”رصد”-: إن هناك عدة أسباب لهذه الفجوة؛ أولها أسلوب الزراعة المتخلف المتبع في العالم العربي وغياب التكنولجيا الحديثة في مجال الزراعة، خاصة مع انتشارها في باقي أنحاء العالم، بالإضافة إلى إهمال الدول العربية ومؤسساتها المعنية بالزراعة في مجال الزراعة والاهتمام بالصناعة وغيرها من الأنشطة الأخرى على حساب الزراعة وهذا انعكس على الفلاح وعلى دخله من الأرض ما جعله يهجر الأرض ومهنة الزراعة ويتجه لأنشطة أخرى سواءً للاستثمار أو للعمل فيها ومن ثم أثر هذا بشكل مباشر على المحصلة النهائية للإنتاج في مجال الزراعة.
وحذر “منصور” من تداعيات ذلك على العالم العربي وسكانه، ما ينذر بمجاعة تؤدي إلى تعقد الأوضاع الاجتماعية وبالتأكيد السياسية؛ لأن الجائع لن يسكت بل سيطالب بحقه وهذه الأحوال ستؤدي إلى خلل اجتماعي ينعكس على استقرار الدول.
وطالب بضرورة تبني سياسات أكثر فاعلية سواءً من جانب مؤسسات الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية أو من خلال الجامعة نفسها بتبنيها سياسة عابرة للقطرية ومحاولات إحداث تعاون بيني واستغلال رءوس الأموال الخليجية والخبرة المصرية لاستغلال الأراضي السودانية مثلًا وهكذا بحيث تكون مشروعات عربية مشتركة تنتج إنتاجًا يغطي احتياجات العالم العربي بدلًا من الاستيراد من الخارج، مؤكدًا أن هذ السياسة ستؤدي إلى وفرة إنتاجية كبيرة لكن ما ينقصنا الإرادة والرغبة في التعاون الزراعي الجاد، كما هي الحال في مجالات أخرى.
ومن جانبه، قال المحلل الاقتصادي السعودي، ياسين خليفة، في تصريحات صحفية، إن العالم العربي يستورد نحو 55% من احتياجاته من المواد الغذائية، رغم أن مساحة الأرض الصالحة للزراعة في الدول العربية تبلغ نحو 200 مليون هكتار، لكن الاستثمار في المجالات الزراعية هو الأقل مقارنة بباقي القطاعات، وبرهن على ذلك بأن الاستثمارات الزراعية في السودان لا تتجاوز 1% من مجمل الاستثمارات، بحسب موقع “عين اليوم” السعودي.
وشدد “خليفة” على ضرورة تعزيز الأمن الغذائي في الوطن العربي بتوفير مستلزمات الزراعة، وزيادة رءوس الأموال المستثمرة في المجال الزراعي ودعم البحث العلمي، لإيجاد تقنيات حديثة وترشيد استخدام المياه في المراعي، والعمل على إنهاء ربط الزراعة بالأحوال الجوية والتقلبات المناخية وتطوير الثروة الحيوانية بإدخال أساليب حديثة لجعلها أكثر تنافسية.