عشرون عامًا مرت على رحيل شيخنا محمد الغزالي “1335-1416هـ، 1917-1996م” عن عالمنا.
وللشيخ الغزالي -إلى جانب كتبه وخلقه وسيرته ومدرسته- مذكرات نشرت بالجزائر، وفي بعض صفحاتها أضواء على مواقف من حكام عصره، ومن علماء الدين الذين نافقوا هؤلاء الحكام.
وعلى سبيل المثل:
فهو يتحدث عن خلافه مع جماعة الإخوان -إبان السنين الأولى من حكم نظام يوليو- فيقول: “لقد هاجمت الإخوان وهاجموني في يوم فُصلتُ، كان تظالما وخيم العقبى على مستقبل الجماعة، يغفر الله لنا فيه ما كان مني ومنهم، فلما حلت الدولة الجماعة للمرة الثانية، وأحسست أن ذلك لا يستفيد منه إلا اليهود والنصرانية، سكتُ مبتئسا، فلما بدأ التعذيب والتقتيل للإخوان، انضممت بقلبي وكياني كله إلى المستضعفين في الأرض، وبكيت لما يلقون!، وماذا عساي أفعل؟! إن المأساة التي يجب كشفها أن الإسلام نفسه يضرب باسم ضرب الإخوان، لو أن واحدا أو أكثر يعاقبون لإخطائهم باسم الدين، لقلنا: العدل يأخذ مجراه، أما أن تصادر نصوص وتطمس معالم ويلغى نصف الكتاب والسنة، لأن جماعة ما أخطأت، فهذا هو العجب!”.
وعن الرأي في جمال عبدالناصر، يقول الشيخ الغزالي: “ما معنى أن يعلن رئيس دولة إعجابه بشخص مرتد كمصطفى كمال أتاتورك؟ وأن يأمر بإصدار طوابع بريد تخلد ذكراه؟ كيف تخلد ذكرى فصل الدين عن الدولة، وجعل الحكم علمانيا؟ كيف تخلد ذكرى ضرب الإسلام، وإسقاط رايته وخلافته؟!”.
كما يتحدث الشيخ الغزالي عن علماء الأزهر الذين ساروا في ركاب السلطة، فيقول: “والأعجب أن يصمت علماء السوء فلا يقولون كلمة أبدا في هذا الفسوق، ثم تراهم بعد يتسابقون في هجاء الإخوان لأنهم خرجوا على الحاكم، هل ولاؤكم أنتم هو الإيمان؟
قال لي صديق يشتغل في الإعلام: طلبنا من أحد الشيوخ أن يضع لنا جملة أحاديث في تحديد النسل، فقال الشيخ: أتريدون أن أكتب بالتحليل أم بالتحريم؟ فقال له المجيب ساخرا: خمسة أحاديث بالحل، وخمسة أخرى بالحرمة! فقلت: هذا الشيخ يصلح مفتيا للجمهورية أو وزيرا للأوقاف، فقال المشتغل بالإعلام: أو شيخا للأزهر؟ فقلت، بعد تريث: أو شيخا للأزهر!
إن أولئك الثلاثة، المفتي ووزير الأوقاف وشيخ الأزهر، في إبان حكم العسكر، حملوا الإسلام ما لا يطيق، ليس في مصر وحدها، بل في أقطار أخرى، إنهم ونظراءهم سخروا الفقه لهوى الرجال والنساء، واخترعوا أحكاما ما أنزال الله بها من سلطان، وما كسبوا إلا غضب الله سبحانه وتعالى، وكراهية الصالحين من عباده، وازدراء الجماهير المغلوبة على أمرها.
ولقد قال الشاعر أحمد محرم في هؤلاء العلماء:
أرى علماء الدين لا يحفظونه ::: ولا يرفعون اليوم رايته العليا
هم اتخذوا ما أحرزوا من علومه ::: سبيلا إلى ما يبغون من الدنيا
إذا ما أتاهم جاهل بضلاله ::: أتوه بالفي عالم يحمل الفتيا!
إن الذين اتهموا الدين بأنه مخدر الشعوب، إنما استمدوا هذه التهمة من أقوال أولئك العلماء المفرطين، ولقد تجنبت من شبابي الباكر هذه القافلة الخائنة، وقلت: الوفاء لله ورسوله أبقى وأجدى”.
رحم الله شيخنا الغزالي، فلقد كان نموذجا للعلماء الصادقين مع الله والإسلام والمؤمنين.