جاء اعتذار المغرب عن استضافة القمة العربية الـ27، ليضفي المزيد من الحرج على الجامعة العربية، ويكشف عوراتها ويعمق جراحها، التي تعاني منها أصلًا بسبب الخلافات الكبيرة والعميقة بين أعضائها، خاصة بين ما يمكن أن نسميه جناح السعودية وجناح مصر؛ حيث التباين الشديد في وجهات النظر في عدد من القضايا، وعلى رأسها الأزمة السورية، ويبدو أن المغرب وجد نفسه في حرج شديد بين الانقسام الحاد الحالي بالجامعة فقرر أن ينأى بنفسه عن هذه الأزمة والخروج منها بالاعتذار عن استضافة القمة رغم محاولات من جانب الجامعة لإثناء المغرب عن الرفض.
ومن جانبها، طلبت موريتانيا استضافة القمة وبدأت الاستعداد لها، وأبلغت الجامعة بذلك، على أن تكون القمة خلال شهر يونيو، ووافقت الجامعة على طلب موريتانيا رغم أنه كانت هناك توقعات بقبول مصر باستضافتها باعتبارها دولة المقر، ولكن تم التوافق على عقدها بموريتانيا وهناك كلام كثير حول دعم السعودية لموريتانيا وتشجيعها على ذلك حتى لا تذهب القمة لمكان آخر، خاصة أن هناك تعاونًا كبيرًا وتوافقًا سياسيًا بين المملكة وموريتانيا، وفسر البعض هذه الخطوة من جانب السعودية بأنها وجدت في موريتانيا مكانًا مناسبًا وأنه من الأفضل لها أن تكون موريتانيا رئيسًا للقمة العربية خلال الفترة القادمة.
وقالت وكالة الطوارئ الموريتانية المستقلة، إن العمل جارٍ حاليًا في نواكشوط لتشكيل لجنة وزارية مكلفة بمهام التحضير للقمة يرأسها الوزير الأمين العام لرئاسة الجمهورية الدكتور مولاي ولد محمد الأغظف.
وذكرت الطوارئ “أن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبدالعزيز سيقوم بزيارة مهمة للمملكة العربية السعودية، في الأيام المقبلة؛ للتنسيق مع العاهل السعودي حول القمتين الإسلامية المقررة في تركيا والعربية المقررة في نواكشوط”.
ويدخل هذا التنسيق ضمن التحسن الكبير الملاحظ في العلاقات السعودية الموريتانية والذي يتجسد في المشاركة السياسية والعسكرية الموريتانية النشطة في التحالف الذي تقوده السعودية في حربها على حوثيي اليمن.
وأكد مصدر مقرب من هذا الشأن “أن المملكة العربية السعودية شجعت موريتانيا على استضافة القمة ووعدت بتقديم دعم مالي وإسناد لوجستي لموريتانيا لتمكينها من السيطرة على استضافة هذه المناسبة”.
وكانت المملكة المغربية اعتذرت، في بيان رسمي صادر عن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، عن استضافة القمة العربية المقبلة التي كانت مقررة في مدينة مراكش المغربية.
وجاء في خطاب لوزارة الخارجية المغربية، أنه بتعليمات من العاهل المغربي محمد السادس، أبلغ صلاح الدين مزوار، وزير الشؤون الخارجية والتعاون، الدكتور نبيل العربي، الأمين العام لجامعة الدول العربية، قرار المملكة المغربية بإرجاء حقها في تنظيم دورة عادية للقمة العربية.
وأوضح الخطاب أنه تم اتخاذ هذا القرار وفقًا لمقتضيات ميثاق جامعة الدول العربية، وبناءً على المشاورات التي تم إجراؤها مع عدد من الدول العربية الشقيقة، وبعد تفكير واعٍ ومسؤول، ملتزم بنجاعة العمل العربي المشترك، وبضرورة الحفاظ على مصداقيته.
وأضاف أنه “نظرًا للتحديات التي يواجهها العالم العربي اليوم، فإن القمة العربية لا يمكن أن تشكل غاية في حد ذاتها، أو أن تتحول إلى مجرد اجتماع مناسباتي”، مبرزًا أن الظروف الموضوعية لا تتوفر لعقد قمة عربية ناجحة، قادرة على اتخاذ قرارات في مستوى ما يقتضيه الوضع، وتستجيب لتطلعات الشعوب العربية.
وسجل الخطاب أنه “أمام غياب قرارات هامة ومبادرات ملموسة يمكن عرضها على قادة الدول العربية، فإن هذه القمة ستكون مجرد مناسبة للمصادقة على توصيات عادية، وإلقاء خطب تعطي الانطباع الخاطئ بالوحدة والتضامن بين دول العالم العربي”.
وتعليقًا على اعتذار المغرب وعرض موريتانيا استضافة القمة، قال أحمد بن حلي، نائب الأمين العام لجامعة الدول العربية، في تصريحات صحفية، إن اعتذار المغرب عن استضافة جامعة الدول العربية عادي وطبيعي، وحدث من قبل من دول عربية أخرى، مطالبًا بعدم الانزعاج أو تضخيم الأمور فكل دولة لها مطلق الحرية في استضافة القمة من عدمه، خاصة أنها قمة دورية وليست طارئة، ومن ثم تصبح الأمور عادية في ظل توفر البديل؛ حيث تقدمت موريتانيا بطلب استضافة القمة القادمة.
وعبر “بن حلي”، عن تفاؤله بالقمة القادمة ونجاحها، وأنها ستكون أقرب لقمة طارئة نظرًا لسخونة القضايا المطروحة على جدولها والاهتمام الكبير بهذه القمة وملفاتها؛ حيث إنها تأتي في توقيت حساس للغاية، مشيرًا إلى أن الدول الأعضاء بالجامعة المشاركين في هذه القمة، يقدرون الظروف التي تمر بها الأمة العربية في هذه اللحظة الصعبة من تاريخ الأمة.
ويري الدكتور سامح راشد، الباحث بالأهرام والمتخصص في الشان المغاربي -في تصريحات خاصة لـ”رصد”- أن اعتذار المغرب عن القمة جاء لعدة أسباب؛ السبب الأول يكمن في الوضع العربي المعقد؛ حيث العديد من الملفات الملتهبة والساخنة والتي يصعب حلها في قمة واحدة ولكن تحتاج إلى عدة قمم، كما تحتاج إلى إرادة عربية جادة في حلها، والسبب الآخر يكمن في لجوء بعض الدول العربية إلى حل الملفات العربية بطريقة غير دبلوماسية، وسياسية كما هو بل لجأت إلى استعمال القوة وعلي سبيل المثال ما جرى من جانب السعودية والتحالف العربي باليمن وصار الأمر معقدًا، والحسم فيها عسكريًا أكثر منه سياسي ودبلوماسي، الأمر الثالث في هذا السياق أن المغرب لديه العديد من المشاكل الداخلية من قبيل أزمة الصحراء الغربية وكذلك تأزم علاقاته بالاتحاد الأوروبي، خاصة بعد قرار الاتحاد بوقف استيراد المنتجات الزراعية المغربية.
ولفت “راشد” إلى أن قرار المغرب بالاعتذار بعث برسالة محرجة للدول العربية والجامعة العربية وكشف عوراتهما بأنها غير قادرة علي حل مشاكلها وأنها ليست جادة في هذا الأمر وليس هناك إرادة عربية حقيقية لحسم هذه الملفات، خاصة في ظل الاستقطاب العربي- العربي وتعدد الأجنحة داخل الجامعة نفسها، فضلًا عن الحلول الفردية أو اللجوء إلى منظمات ومؤسسات دولية أخرى مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة وتهميش دور الجامعة، فجاء اعتذار المغرب كرسالة كاشفة لهذا الخلل.
وحول استضافة موريتانيا للقمة، قال “راشد” إن المشكلة ليست في مكان القمة بقدر القدرة علي اتخاذ حلول حاسمة تجاه الملفات الشائكة والقدرة على تفعيل هذه الحلول في الواقع وهذا من الصعوبة بمكان في ظل هذا التوقيت، لافتًا إلى إمكانية نقل القمة من نواكشوط إلى شرم الشيخ برئاسة موريتانيا أيضًا؛ نظرًا لضعف إمكانياتها في التنظيم والدعم اللجوستي وتحديدًا الحرسات والتأمين الجيد للرؤساء العرب.
ويقول السفير السابق إبراهيم يسري -في تصريحات خاصة لـ”رصد”- إن ما جرى من لغط وارتباك يعكس الحالة التي تمر بها جامعة الدول العربية في هذه الفترة وحجم الخلافات بين أعضائها، خاصة أن موعد القمة يكون محددًا سلفًا ومعروف الدولة التي ستستضيف القمة حسب الترتيب الأبجدي للدول منذ التوافق علي القمة الدورية، فبعد دور مصر كان المغرب هو الذي سيستضيف هذه القمة ولكن اعتذار المغرب يبدو أن سببه استشعاره الحرج نظرًا لحجم الملفات المعقدة والخلاف الواضح بين الدول الأعضاء بشان هذه الملفات خاصة قضايا مثل القضية السورية واليمنية وبعض القضايا الأخرى مثل العلاقات العربية الإيرانية، ومن هنا رأى المغرب بعلاقته المتوازنة مع أعضاء الجامعة أنه سوف يوضع في حرج وفضل الاعتذار.
وطالب “يسري” بضرورة إصلاح منظومة الجامعة ووضع آلية جديدة تحكم عملها وتؤدي إلى تطوير دورها، خاصة أن الأوضاع العربية في هذه الفترة في غاية الصعوبة وتحتاج إلى توافق عربي وتفاهم حول القضايا المطروحة على الساحة وضرورة مواجهة الواقع وليس الهروب منه وترحيل الملفات وتأجيل القمم لأن الهروب لن يؤدي إلى حلول بقدر ما سيؤدي إلى تعقيد وانفجار في فترات لاحقة ربما يعصف بكيان الجامعة وينسفه.
من جانبه، قال الدكتور طارق فهمي، الخبير في الشؤون السياسية الدولية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، في تصريحات صحفية حول هذا الموضوع، إن قرار المغرب بالاعتراض على إقامة القمة العربية ليس الأول من نوعه، فقد سبقت إليه العديد من الدول العربية، وعلى رأسها السعودية، ولكن قرار المغرب يمثل خطوة خطيرة في تاريخ القمم العربية بصفة عامة.
وأضاف “فهمي” قائلًا: “إن المغرب ليست معنية بالملفات العربية- العربية المباشرة رغم أنها تترأس ملف القدس، ورفضها استضافة القمة العربية يطرح علامات استفهام حول دور المغرب تجاه القضايا العربية، بالإضافة إلى أن جامعة الدول العربية خفت دورها في الفترة الماضية ولم تستطع اتخاذ قرار حاسم ضد أي أزمة من أزمات المنطقة مثل السورية واليمنية، وربما هذا ما شجع المغرب على اتخاذ هذا القرار”.
وتابع: أن “موقف المغرب خطير جدًا؛ لأنه يعمل على نسف جامعة الدول العربية وتثبيط دورها وإلغائه؛ حيث إنه لا بد من المحافظة على دورية انعقاد القمة العربية، فإذا تم كسر هذه الدورية فلن تعقد قمم عربية أخرى بشكل أو آخر، كما أن القمة المقبلة هي قمة الحسم والحزم، إذن من المقرر أن يتم تغيير الأمين العام للجامعة العربية بعد انتهاء فترة الدكتور نبيل العربي”.
وأكد الخبير في الشؤون السياسة الدولية أن “المغرب أضمرت السبب الحقيقي وراء رفضها استضافة القمة العربية؛ حيث إن هذه القمة تحمل مجموعة ألغام معرضة للانفجار في أي وقت، وعلى رأس هذه القضايا “قضية تعديل الميثاق”، ما ينبئ بإثارة خلاف كبير بين الدول العربية”.