كثير من الناس يعتقدون أن الإيمان والمنطق نقيضان، وأن الاعتقاد في وجود إله والتفكير المنطقي مثل الزيت والماء لا يمتزجان، إنهم مخطئون، الإلحاد هو أبعد ما يكون عن العقلانية.
بالمنطق يمكن أن تستنتج أن هناك إلهًا. إذا نظرت إلى الكون مع حس سليم وبعقل مفتوح، ستجد أنه مليء ببصمات الخالق المبدع، الله عز وجل.
الأشياء تتحرك
من الممكن أن نبدأ بفرضية توماس الأكويني، أحد فلاسفة القرن الثالث عشر وأحد علماء اللاهوت.
تبدأ الحجة بملاحظة بسيطة جدًا هي (الأشياء تتحرك). ولكن لا شيء يتحرك من دون سبب. لا بد من وجود شيء يسبب هذه الحركة. وأيًا كان سبب ذلك، يجب أن يكون هذا الشيء ناجمًا عن شيء آخر، وهلم جرا. ولكن هذه السلسلة السببية لا يمكن أن تعود إلى الوراء إلى الأبد. يجب أن يكون لها بداية. يجب أن يكون هناك مُحرِك غير مُتَحَرِك لتبدأ كل حركة في الكون: الدومينو الأول لبدء سلسلة الانتقال كله، بما أن المادة المجرد لا يمكن أن تحرك نفسها بنفسها.
ميكانيكا الكم
الاعتراضات الحديثة لهذه الحجة، هي أن بعض الأشياء المتحركة في ميكانيكا الكم -الاضمحلال الإشعاعي، على سبيل المثال- ليس لها سبب واضح، ولكنها معلقة على الثانية. ليس أن العلماء لا يرون سببًا، هذا لا يعني أنه ليس هناك سبب. بل يعني فقط أن العلم لم يجده حتى الآن. وربما يوجد يومًا ما. ولكن بعد ذلك سيكون هناك سبب جديد لتوضيح ذلك السبب. وهلم جرا وهلم جرا. ولكن العلم لن يجد السبب الأول. هذا ليس معناه ضربة قاضية للعلم. ولكن يعني ببساطة أن السبب الأول يكمن خارج نطاق العلم.
وهناك طريقة أخرى لتفسير هذه الحجة، هي أن كل شيء له بداية يجب أن يكون له سبب. لا شيء يمكن أن يأتي من لا شيء. فإن لم يكن هناك سببٌ أول، فلا يمكن أن يكون هناك أسباب ثانية أو ثالثة. أو أي شيء على الإطلاق. وبعبارة أخرى، إذا لم يكن هناك خالق، لا يمكن أن يكون هناك الكون.
ولكن، ماذا لو كان الكون قديمًا بلا حدود، قد يسأل أحد هذا السؤال، كل العلماء اليوم يتفقون على أن الكون ليس قديمًا بلا حدود، وأن الكون بدأ بالانفجار الكبير.
لا شيء يبدأ دون سبب
إذا كان للكون بداية، يعني أن الكون لم يكن موجودًا. والأشياء التي لم تكن موجودة، يجب أن يكون هناك سبب لوجودها.
هناك تأكيد على هذه الحجة من نظرية الانفجار الكبير في علم الكونيات. ونحن نعرف الآن أن كل المواد التي يتكون منها الكون، وجدت قبل نحو 13.7 مليار سنة نتيجة للانفجار الكبير وأن الكون يمر بحالات من التمدد والتبريد منذ ذلك الحين. ولا تجد الآن عالمًا يشك في تلك النظرية، كان البعض يشك بها قديمًا قبل أن تثبت علميًا، ما دعا العلماء الملحدين إلى أن يقولوا “نظرية الانفجار العظيم ليست إلا دين متخفٍ في هيئة العلم”.
الآن إضافة إلى هذه الفرضية، يوجد فرضية أخرى منطقية جدًا، ألا وهي مبدأ السببية أن لا شيء يبدأ دون سبب كاف. ومن تلك الفرضية يمكنك الحصول على الاستنتاج الآتي: بما أنه يوجد انفجار عظيم، فلا بد من وجود مُفَجِر لهذا الانفجار.
من هو مُفَجِر الانفجار العظيم؟
هل هذا المُفَجِر هو الله؟!، لماذا لا يكون مجرد عالَم أو كَوْن آخر؟
بالطبع لا يمكن أن يكون كَوْن أو عالَم آخر؛ لأن نظرية النسبية العامة لآينشتاين تقول إن كل الوقت نسبي بالنسبة للمادة، وبما أن المواد كلها بدأت قبل 13.7 مليار سنة، فكل وقت بدأ أيضًا قبل 13.7 مليار سنة. لذلك ليس هناك وقت قبل الانفجار الكبير.
وحتى لو كان هناك متسع من الوقت قبل الانفجار الكبير، وحتى إذا كانت هناك أكوان متعددة، سيكون الوضع كالآتي: العديد من الأكوان مع العديد من الانفجارات الكبيرة، كما تقول نظرية الأوتار إن ذلك ممكن حسابيًا، ولكن تلك الانفجارات المتعددة تحتاج أيضًا إلى بداية، و ليست مجرد بداية بل بداية مطلقة. بداية مطلقة هو ما يعني عند معظم الناس (الله سبحانه و تعالى).
ومع ذلك، بعض الملحدين يعتقدون أن وجود عدد لانهائي من الأكوان الأخرى أكثر عقلانية من وجود الخالق. ناهيك عن أنه لا يوجد أي دليل عملي على الإطلاق أن أيًا من هذه الأكوان موجود، ناهيك عن آلاف أو التريليونات من تلك الأكوان الوهمية.
وقد عَرَّف ريتشاد دوكنز، وهو من أكبر المنظرين للإلحاد المعاصرين، الإيمان بـ”هو الاعتقاد الأعمى بشيء ليس له دليل”. من هذا التعريف من الممكن أن نقول إن الاستنتاج بوجود الله لا يحتاج إلى إيمان (بمفهوم دوكنز)، بل الإلحاد الذي يتطلب الإيمان. فالإلحاد يجعلك تعتقد أن كل شيء يأتي من لا شيء. ولكن على الطرف الآخر المنطق يساعدك في أن تعتقد أن كل شيء يأتي من الله سبحانه وتعالى.