تمر اليوم الأربعاء 10 فبراير 2016 الذكرى الـ98 لوفاة “عبد الحميد الثاني”، والذي توفي في مثل هذا اليوم عام 1918م ودفن بإسطنبول؛ حيث يعتبر الكثير من المؤرخين السلطان عبد الحميد بأنه آخر خليفة فعلي للمسلمين لما كان له من علو الهمة تجاه القضايا الإسلامية، وما قام به من مشروع سكة حديد الحجاز، التي كانت تربط المدينة المنورة بدمشق، وكان ينوي أن يمد هذا الخط الحديدي إلى كل من إسطنبول وبغداد.
من هو السلطان عبد الحميد الثاني؟
ولد عبد الحميد الثاني في 21 سبتمبر عام 1842 م، وهو ابن السلطان عبد المجيد الأول من زوجته الثانية، الشركسية الأصل، والتي توفيت عن 33 عاما، وابنها لم يتجاوز العاشرة من عمره، فأوكل عبد المجيد أمر تربيته إلى زوجة أبيه “بيرستو قادين” التي اعتنت بتربيته، وأولته محبتها؛ لذا منحها عند صعوده للعرش لقب “السلطانة الوالدة”.
كان عبد المجيد أول خليفة عثماني يرعى مسيرة “التغريب” في الدولة العثمانية، حيث استحدث الباب العالي “رئاسة مجلس الوزراء”، الذي أصبح يتولى مقاليد السلطة، ويقاسم السلطان نفوذه، في حكم الدولة، بينما أصبحت “مشيخة الإسلام” مجرد هيئة شورية.
وحينما توفي والده عبد المجيد خلفه عمه عبد العزيز، الذي تابع نهجه في مسيرة التغريب، تحت شعارات الإصلاح والتحديث، ولكنه رغم ذلك لم ينج من مؤامرات القصر، ومعظمهم من جماعة “تركيا الفتاة”، التي بدأت بالتشكّل منذ عام 1860 م، فتم عزله وتدبير مقتله بعد أربعة أيام؛ ليتولى الخلافة السلطان مراد الخامس، شقيق عبد الحميد وكان في السادسة والثلاثين من عمره، والذي استمر في الخلافة 15 عاما.
توليه للحكم
تولى عبد الحميد الحكم في31 أغسطس 1876م خلفًا لأخيه السلطان مراد الخامس، وتوجه في الموكب الملكي إلى ضريح أبو أيوب الأنصاري، وهناك تقلد السيف السلطاني وفق العادة المتوارثة منذ أن فتح العثمانيون القسطنطينية، ومنه سار لزيارة قبر والده السلطان عبد المجيد الأول، ثم ضريح محمد الثاني فاتح إسطنبول، ثم قبر جده محمود الثاني مبيد الانكشارية، ثم قبر عمه عبد العزيز الأول.
وتبوَّأ عرش السلطنة يومئذ على أسوأ حال، حيث كانت الدولة في منتهى السوء والاضطراب، سواء في الأوضاع الداخلية أو الخارجية.
وكانت البلاد تواجه ثورات عاتية في البلقان تقوم بها عناصر قومية تتوثبّ لتحقيق انفصالها، وتتعرض لمؤامرات سياسية بهدف اقتسام التركة التركية التي أطلق عليها “الرجل المريض”.
ومنذ اليوم الأول لارتقائه العرش، واجه السلطان عبد الحميد موقفًا دقيقًا وعصيبًا، فقد كانت الأزمات تهدد كيان الدولة، وازدادت سرعة انتشار الأفكار الانفصالية، وأصبح للوطنية معنى جديد أخذت فكرته تنمو وتترعرع في الولايات العثمانية، ووجد السلطان نفسه مشبع بالثورة والاضطراب.
إنجازاته
بدأ السلطان عبد الحميد في العمل وفق سياسة حاول من خلالها كسب بعض المناوئين له، واستمالتهم إلى صفّه بكل ما يستطيع. ودعا جميع مسلمي العالم في آسيا الوسطى وفي الهند والصين وأواسط إفريقية وغيرها إلى الوحدة الإسلامية والانضواء تحت لواء الجامعة الإسلامية، ونشر شعاره المعروف “يا مسلمي العالم اتحدوا”، وأنشأ مدرسة للدعاة المسلمين سرعان ما انتشر خريجوها في كل أطراف العالم الإسلامي، الذي لقي منه السلطان كل القبول والتعاطف والتأييد لتلك الدعوة، ولكن قوى الغرب قامت لمناهضة تلك الدعوة ومهاجمتها. كما قرَّب إليه الكثير من رجال العلم والسياسة المسلمين، واستمع إلى نصائحهم وتوجيهاتهم. وعمل على تنظيم المحاكم والعمل في “مجلة الأحكام العدلية” وفق الشريعة الإسلامية.
وأيضًا قام ببعض الإصلاحات العظيمة مثل القضاء على معظم الإقطاعات الكبيرة المنتشرة في كثير من أجزاء الدولة، والعمل على القضاء على الرشوة وفساد الإدارة.
وعامل الأقليات والأجناس غير التركية معاملة خاصة، كي تضعف فكرة العصبية، وغض طرفه عن بعض إساءاتهم، مثل الرعب الذي نشرته عصابات الأرمن، ومثل محاولة الأرمن مع اليهود اغتياله أثناء خروجه لصلاة الجمعة، وذلك لكيلا يترك أية ثغرة تنفذ منها الدول الأجنبية للتدخل في شؤون الدولة.
وعمل على سياسة الإيقاع بين القوى العالمية آنذاك لكي تشتبك فيما بينها، وتسلم الدولة من شرورها، ولهذا حبس الأسطول العثماني في الخليج ولم يخرجه حتى للتدريب.
وخلال فترة توليه السلطنة، تم إنشاء مسرح “قصر النجمة” بأمر السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1889، وبعد الإصلاحات الضرورية تم افتتاح المتاحف كمتحف الفنون والمسرح، ويوجد قسم من المتحف خاص بالملابس التي استخدمت في المسرح نفسه.
علاقته باليهود
نشط اليهود منذ ثمانينات القرن التاسع عشر إلى تهجير اليهود المتشتتين في أنحاء العالم وطالبوا بإنشاء دولة لهم في فلسطين، وكانت أول محاولاتهم في عام 1876م إذ عرض “حاييم گوديلا” على السلطان شراء مساحات من الأراضي في فلسطين لإسكان المهاجرين اليهود فيها إلا أنه رفض عرضه، واستعان اليهود الروس بالسفير الأميركي في إسطنبول أيضًا ولم ينجح بذلك.
وقام الحاخام “موسى ليفي”و”عمانيول قره صو”، رئيس الجالية اليهودية في “سلانيك”، بزيارة السلطان عبد الحميد وبعد مقدمات مفعمة بالرياء والخداع، أفصحوا عن مطالبهم، وقدَّموا له الإغراءات المتمثلة في إقراض الخزينة العثمانية أموالًا طائلة مع تقديم هدية خاصة للسلطان مقدارها خمسة ملايين ليرة ذهبية، وتحالف سياسي يُوقفون بموجبه حملات الدعاية السيئة التي ذاعت ضده في صحف أوروبا وأميركا.
لكن السلطان رفض بشدة وطردهم من مجلسه وقال: “إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهبا فلن أقبل! إن أرض فلسطين ليست ملكي إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم لا يمكن أن يباع، وربما إذا تفتت إمبراطوريتي يومًا، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل!”، ثم أصدر أمرًا بمنع هجرة اليهود إلى فلسطين.
وهنا علموا أنه ما دام على عرش الخلافة فإنه لا يمكن للصهيونية العالمية أن تحقق أطماعها في فلسطين، ولن يمكن للدولة الأوروبية أن تحقق أطماعها أيضًا في تقسيم الدولة العثمانية والسيطرة على أملاكها، وإقامة دويلات لليهود والأرمن واليونان.
لذا قرّروا الإطاحة به وإبعاده عن الحكم، فاستعانوا بالقوى المختلفة التي نذرت نفسها لتمزيق ديار الإسلام؛ أهمها الماسونية، والـ”دونمة”، والجمعيات السرية “الاتحاد والترقي”، والدعوة للقومية التركية “الطورانية”، ولعب يهود الـ”دونمة” دورًا رئيسًا في إشعال نار الفتن ضد السلطان.
نهاية حكمه
بعد اصطدامه بالصهاينة، قاموا بتحريض حركة الاتحاد والترقي القومية بتدبير أحداث الشعب والفتن التي أدت لخلعه عام 1909م، وقد بقي رهين قصره في إسطانبول حتى مات في 29 ربيع الآخر 1336هـ الموافق 10 فبراير 1918، بعد أن رأى بعينيه ما جرى للدولة على يد خلفائه الاتحاديين في الحرب العالمية الأولى.