كم يا تُرى من قرائي قد شاركني الشعور ذاته حين وعى لتلك الركلةِ المباغتة، التى ضربت خِصر النظام بقوة، ودَوّى لصدمتها نشنشة”الآيش” (حزام العسكري) حتى ارتعدت لها فرائسه فحنى ظهره للاعبيها خاطبًا ودّهم وطالبًا لقاءهم.
لم يكن التجمهر وحده، أو الاتشاح بالسواد (تأبينًا لذكرى مذبحة بورسعيد)، ولا حتى لافتات الوعيد للجنرال وخلفائه، بل كان دويّ هتاف الألتراس القوي “الشعب يريد إعدام المشير” هو من أخاف هذه المرة حراس النظام الذي لا يزال يبحث عن صاحب هديته الوحيدة “الكوندم” (الواقي الذكري) فى عيده القومي.
“الألتراس”، الحصان الأسود في أحلك المواقف، ذلك الاسم الذي يشتق من كلمة لاتينية تعني “المتطرفين”، والذي اشتهر عالميًا بصورة مشجعي الفرق الرياضية المعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، جعل من مدرجات النادي الأهلي منصات حرة يصطف عليها كل أبناء الوطن سواسيةً متوعدين أصحاب مجزرة بورسعيد فى ذكراها الرابعة بالقصاص.
برز دور روابط “الألتراس” فى مواقف وطنية مشرفة خلافًا للمعروف عنها فى بلدان العالم، علت راياتهم فى أكبر شوارع القاهرة خلال ثورة 25 يناير، مشاركين في الحشد والتظاهر ضد نظام المخلوع “مبارك” تاركين لعبة الدوري التي كان يفترض أن تلهيهم عن حمام الدماء الذي كان يجري بالتحرير وميادين الثورة، اعتصموا بالميدان وساهموا في حماية المعتصمين فى كثير من المواجهات لخبرتهم في عمليات الكرّ والفرّ مع قوات الأمن المركزي في عهد مبارك.
بعد نجاح الثورة، ظهر الألتراس كقوة شعبية لا يستهان بها ووقف من موقعه بمدرجات كرة القدم مواقف وطنية كما اتخذ من جدران الشوارع مكانًا للتعبير عن غضبه واحتجاجه ضد القمع الذى مارسه المجلس العسكري خلال حكمه بالفترة الإنتقالية، لتصل هذه المواجهة إلى زروتها فى الثاني من فبراير 2012 بمجرزة مدبرة وقعت عقب انتهاء المباراة التى جمعت بين فريقي الأهلي والمصري، راح ضحيتها اثنان وسبعون شهيدًا من شباب ألتراس النادي الأهلي، وثبت خلالها تورط قيادات شرطية كبرى بداية من مدير أمن بورسعيد الأسبق عصام سمك وحتى أفراد الأمن المركزي المكلفون بتأمين المباراة.
كما ظهر الألتراس على فترات متقطعة سواءًا خلال فترة حكم الرئيس محمد مرسي أو ما بعد الانقلاب عليه، لتعود المواجهات أشد سخونة كلما زاد القمع، ولتصل إلى زروتها أيضًا فى الثامن من فبراير 2015 بحادثة مأساوية مدبرة راح ضحيتها نحو أربعين شهيدًا من شباب ألتراس نادي الزمالك بستاد الدفاع الجوي خلال مواجهات مع قوات الشرطة التى منعت جماهير الزمالك من الدخول لمتابعة مباراة فريقها أمام فريقي انبى.
هؤلاء المتطرفون فى اشتقاق اللاتينية القديمة،صانعوا الحماس لفرقهم بدوريات الكرة الحديثة، والمتهمون أخيرًا بالإرهاب من قبل أبواق النظام, يرسمون في مصر الآن أجمل ما كان فيها منذ اندلاع ثورة الكرامة، ثورة 25 يناير، في وقتٍ أصبح فيه كل أحرارها إما أسيرٌ أو مطارد، يعزفون الآن وبكل ثقةٍ لحن الوفاء ليس لفرقهم وحدها ولا لشهدائهم، وإنما لكل الناس .. للمحكومين بالخوف إن هتفوا أو حتى تكلموا فى حضرة نظامٍ لا يستطيع العيش فى بلد لا تزال فيه قوىً شعبية تجابه قواته.