دعوة عبدالماجد
غني عن البيان، أن “عبدالماجد”، لم يقل هذا الكلام “دفعة واحدة”، ولكنه لف ودار وأقبل وأدبر، لأنه يعلم أنه يخوض في قضية حساسة، لم تعالج بوضوح حتى داخل معسكر الإخوان نفسه، ومن حساسيتها فقد صار غير المؤمنين بها أو بالثورة نفسها يتكلمون دائمًا كما لو كانوا أمام الكاميرات حيث تجوز “التقية”، ويباح للسياسي أن يناور، حتى لا يخسر جماهيره!
ويبدو واضحًا أن عاصم عبدالماجد، صار يميز في دعوته الأخيرة، بين ما هو ديني وبين ما هو سياسي؛ حيث هو أدرى بشؤون دنياه، فليس من الذين يستدعون الاعتقاد الديني في أمر من أمور السياسة، وهناك من ينطلق موقفهم في تمسكهم بشرعية الرئيس من أن له في أعناقهم بيعة!
هناك من ينحازون لمرسي باعتباره الرئيس الشرعي، ولم تكن في أعناقهم هذه البيعة، فقد كان خياري يتجه لانتخاب الدكتور “محمد البرادعي”، وعندما لم يترشح انتخبت في الجولة الأولى “عمرو موسي”، ولم أكن من عاصري الليمون في الجولة الثانية، الذين انتخبوا الدكتور “محمد مرسي” على قاعدة أخف الضررين، عندما كانت المفاصلة بين “مرسي” والفريق “أحمد شفيق”!
وقد كنت وأنا المعارض للحكم الإخواني، لست فقط ضد الدعوة للإطاحة بالرئيس ولكن ضد الانتخابات الرئاسية المبكرة، نزولًا على قيم الديمقراطية، وكنت مع أن يكمل دورته وبعد ذلك “يحلها الحلال”، ولهذا رفضت (30) يونيو وما أنتجته، ولا حل يرضيني إلا بعودته، وفي لحظات يستبد بي اليأس بعدم قدرة “الحراك الثوري” على ذلك، فلم يكن العجز الذي هو غاية قدرتي يدفعني للتخلي عن المطلب، فلست من الذين ينحازون للحق لأنه سينتصر، فأنا معه وإن كان ضعيفًا بلا أنصار.
لكن، هل فعلًا يعد مطلب عودة الرئيس “محمد مرسي”، هو “العقدة”، التي إذا تم حلها عاد الاصطفاف الثوري من جديد، بما يمكن من قيام الثورة، التي ثبت باليقين أن الإخوان وتحالف دعم الشرعية لن يقدروا على القيام بها؟
أقدر دوافع “عاصم عبدالماجد”، فحديثه جاء بعد خيبة الأمل التي مني بها تيار الشرعية بعد تحول الذكرى الخامسة للثورة إلى فعاليات هزيلة بالمقارنة بما جرى في العام الماضي، وإذا كنا لم نسلم بأن تكون هناك ثورة في هذا اليوم، فقد كان يحدونا الأمل أن نرى موجة ثورية، وبعيدًا عن حسابات العاطفة، فإننا نخسر في كل يوم يمر، ولو كانت هذه حدود قوة الجماهير، لتم التماس العذر لها، لكننا نعلم أن الحراك يتم بتوجيه من التنظيم، والذي يبدو في قمته ليس باحثًا عن عودة مرسي بقدر بحثه عن سادات جديد، يضمد جراح مرحلة عبدالناصر!
وفي الخارج، لا تبدو جماعة الإخوان مفتوحة على حلفائها؛ ولكنها منغلقة على التنظيم، ولم تتصرف على أنها جماعة حاكمة مسؤولة عن أوضاع كثيرين كان الانقلاب سببًا في هروبهم، فقد حرص الإخوان على ألا يتحملوا تبعات ما جرى، فضلًا عن أنهم لا يشركون هؤلاء الحلفاء في التفاصيل، وإذا قبل حزب “البناء والتنمية” هذه العلاقة من قبل على قاعدة أن الإخوان هم الجماعة الكبرى “التي تفهم أكثر منا في السياسة”، فلا أعتقد أن الحال الذي يلمسه الجميع يسمح بهذا التسليم للأخ الأكبر صاحب الخبرة السياسية، فقد تبين أنه لا خبرة ولا يحزنون، ولعلهم يصدق فيهم قول القائل: حشود خلفك في الدرب سارت لينهض شيء صحيح.. فما نام إلا الصحيح!
وعندما تأكد الشقيق الأصغر في المحنة أن ثقته لم تكن في محلها، لم يجد معاملة تليق بالاكتشاف الجديد، وأنه شريك وليس تحت الوصاية لفقدانه للأهلية القانونية، ووجد نفسه أمام أسوار تنظيم منغلق على نفسه وعلى أعضائه، ولا يسمح بأن يشرك غيره في أمر من الأمور، وباعتبار أن ما جرى هو شأن إخواني وليس قضية الشعب المصري، أو قضية الذين انتخبوا الرئيس.
لو حدثت تسوية الحد الأدنى فلن يكون حزب “البناء والتنمية”، الجناح السياسي للجماعة الإسلامية طرفًا فيها، وسوف يتحول أعضاؤه إلى “ضحايا حرب” لا سيما في الخارج. ولعل هذا ما دفع “عاصم عبدالماجد”، إلى التخلي عن تشدده، والدعوة للتخلي عن عودة الرئيس مرسي، لاعتقاده أنها تحول دون الاصطفاف، الذي لا بديل عنه لعودة الثورة. فالإخوان يفتقدون للقدرة وللرغبة في القيام بها وفعاليات الذكرى الخامسة خير شاهد على ذلك، والثورة لكي تنجح يلزمها أن تنحاز لها القوى المدنية!
الذي لا يعرفه كثيرون، أن هذه الحركات وإن كانت تجد قبولًا غربيًا، فإن هذا القبول لا يمثل لها قوة الآن، وهي بحاجة للاصطفاف الثوري أكثر من غيرها؛ لأن ملفاتها فتحت ولن تتوقف عند اعتقال بضعة أشخاص، وقضايا مثل التمويل الأجنبي والعلاقة بالسفارة الأجنبية ستحال للقضاء، وستصدر فيه أحكام بالإدانة وقد بدأ التشهير بهم إعلاميًا بعد انتهاء شهر العسل مع الانقلاب!