منذ الإعلان عن تأسيس “تنظيم الدولة” في يونيو 2014، وحتى الآن، استطاع السيطرة على 40 بالمائة من مساحة العراق، و30 بالمائة من مساحة سوريا.. هذه المساحات يقطنها نحو 6 ملايين نسمة (أكبر من تعداد بعض الدول)، والآن يجتمع العالم محاولًا إسقاطه، لكن الأوضاع على الأرض وكما يقول المراقبون: “إن التخلص من تنظيم الدولة يحتاج لسنوات”.
ترى.. من أين تأتي قوة التنظيم؟.. من الممول ومن الداعم؟ وكيف يجذب شباب العالم للانضمام إليه.. ولماذا يوصف تنظيم “القاعدة” بأنه أكثر رحمة من “تنظيم الدولة”.. أين يقيم البغدادي زعيم التنظيم؟ وما هو مستقبل التنظيم في ظل الأوضاع الراهنة؟ ولماذا لم يطلق رصاصة واحدة على دولة الاحتلال؟.. هل قدرات التنظيم العسكرية تمكنه من إسقاط الطائرة الروسية؟.. وما علاقة الأنظمة الاستبدادية بنمو “تنظيم الدولة”؟
شبكة “رصد” التقت حسن أبو هنية، الخبير في شؤون الجماعات المسلحة، ليكشف المزيد من الحقائق حول “تنظيم الدولة” وأهدافه وكيانه التنظيمي..
في البداية.. ما هي الأسباب التي تعمل على تغذية الأفكار المتطرفة وظهور تنظيمات تدعم ذلك؟
على الرغم من طبيعة تنظيم الدولة الدينية السلفية، إلا أن الأفكار المتطرفة لدى التنظيم لا ترتكز أساسًا إلى التراث التاريخي الإسلامي السلفي، ولكنها تستند إلى أسباب موضوعية تتعلق بالسياسات الخاطئة للأنظمة العربية الاستبدادية التي حولت المنطقة إلى ثكنة عسكرية وفشلت في تحقيق الاستقلال والتنمية والحرية والعدالة والكرامة، بالإضافة إلى التوسعات الإقليمية وفي مقدمتها إيران التي كشفت عن نزعة براجماتية طائفية توسعية، وهناك النظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية ونهجها الإمبريالي المتحالف مع الدكتاتوريات المحلية، والتي اتخذت من موضوع مكافحة الإرهاب ذريعة لديمومة الإخضاع والتحكم والسيطرة؛ فالولايات المتحدة تتحرك في المنطقة على أساس ضمان مصالحها الحيوية ممثلة بالنفط وحماية أمن وتفوق المستعمرة الاستيطانية “إسرائيل”، ولم تحفل بثورات الربيع العربي ومبادئها المؤسسة على الحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية، بل كانت الركن الأساس في الثورة المضادة وعملت مع حلفائها من الدكتاتوريين في المنطقة على وأدها والتخلص منها، وبهذا فإن جاذبية تنظيم الدولة سوف تتضاعف مع بؤس الواقع المحلي والإقليمي والدولي.
ما هي الفكرة المحورية التي أنشئ على أساسها “تنظيم الدولة”؟
يقوم “تنظيم الدولة” على أيديولوجية دينية إسلامية سلفية تتعلق بتمثيل الإسلام السني وحرصه على بناء دولة تقوم على مفهوم الخلافة وتطبيق الشريعة، وتقديم نفسه كمدافع عن الهوية السنية في مواجهة التمدد الإيراني والنفوذ الشيعي، وكقوة مقاومة لمواجهة الهيمنة الغربية باعتبارها تقود حملة صليبية.
كيف يجذب التنظيم الشباب من مختلف دول العالم للانضمام إليه؟
يستثمر تنظيم الدولة الإسلامية شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ومنظومته الإعلامية الاحترافية، وهو يمتلك خبرات فنية رفيعة في بث دعايته الأيديولوجية الجهادية، وقد أسهم في تنامي جاذبية التنظيم وتدفق المقاتلين جملة من العوامل الموضوعية؛ ومنها: سهولة السفر عن طريق تركيا؛ كونها وجهة سياحية مفضلة، ووجود شبكات دعم وإسناد محلية لديها خبرات واسعة، وسهولة التجنيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد استثمر التنظيم الصدع والانقسام السني الشيعي والتعاطف والتلاحم الهوياتي الديني، وجاذبية الجهاد الشامي بحكم الجغرافية الخلابة والمدهشة، وعامل الجذب الديني- التاريخي وارتباط الشام بالملاحم والفتن آخر الزمان، وهاجس فكرة الخلافة الإسلامية ومقرها التاريخي في دمشق.
ما هي الفروقات الفكرية بين “تنظيم الدولة” و”القاعدة”؟
الخلاف بين الفرع العراقي للقاعدة والتنظيم المركزي ليس جديدًا على الاطلاق، لكنه تدرج منذ بيعة الزرقاوي لابن لادن وصولًا إلى “إعلان الدولة”، فأجندة القاعدة تهدف منذ الإعلان عن تأسيس “الجبهة الإسلامية العالمية لقتال اليهود والصليبيين” عام 1998 إلى قتال الغرب عمومًا والولايات المتحدة خصوصًا؛ باعتبارها حامية للأنظمة العربية الاستبدادية، وراعية لحليفتها الإستراتيجية “إسرائيل” المغتصبة لفلسطين من جهة، والسعي لتطبيق الشريعة وإقامة الخلافة من جهة أخرى، فمواجهة الغرب ورفع الهيمنة الخارجية، والتصدي للاستبداد وتمكين الشريعة داخليًا هما ركنا القاعدة الأساسيان.
المشروع الصفوي
ويضيف “أبو هنية”، “أما أجندة تنظيم الدولة، فتقوم على أولوية مواجهة النفوذ والتوسع الإيراني في المنطقة ومحاربة “المشروع الصفوي” كما تصفه، وخصوصًا بعد رحيل القوات الأميركية عن العراق؛ فالأساس الهوياتي هو المحرك الرئيس لسلوك الفرع العراقي، بينما الأساس المصلحي الجيوسياسي هو المحرك الرئيس للقيادة المركزية للقاعدة، أما تمكين الشريعة فهو الهدف المشترك للطرفين، إلا أن توقيت الإعلان عن قيام تنظيم الدولة في العراق فجّر خلافات تم تجاوزها آنذاك؛ نظرًا للظروف الموضوعية والأسباب العملية، وأسهم وجود بن لادن على رأس التنظيم، بما يمتلكه من كاريزما، في تدبير الاختلاف والتعايش الحذر، على الرغم من الانتقادات التي لم تنقطع لنهج وممارسة الفرع العراقي المتعلق بتكتيكاته القتالية من خلال التوسع في استخدام العمليات الانتحارية وتحديد دائرة الاستهداف.
ما هي مصادر تمويل التنظيم؟
يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية على مصادر تمويلية عديدة ومتنوعة؛ ومن أهم المصادر: التبرعات والهبات، وأموال الصداقات، والزكاة، وعوائد تحرير الأجانب المختطفين، والاستيلاء على الموارد والسلع من الأماكن التي يسيطر عليها، وعوائد الثروات الطبيعية والمعادن، من النفط والغاز، التي استولى عليها التنظيم في العراق وسوريا، وفرض الضرائب والرسوم، وعائدات الزراعة والغلال والحبوب.
متى يتم القضاء على تنظيم الدولة؟
يعتمد الأمر على جدية التحالف الدولي والتوصل إلى حلول سياسية، وأتوقع أنه في ظل الظروف الراهنة سوف يصبح التنظيم جزءًا من المنطقة لسنوات طويلة.
أين يتواجد أبو بكر البغدادي، زعيم التنظيم؟
أعتقد أن البغدادي يتواجد في مدينة الموصل، وهو يتحرك أحيانًا بين سائر مناطق سيطرة التنظيم في العراق وسوريا.
هل تم اختراق التنظيم من قبل مخابرات دول غربية أو عربية؟
لا أعتقد أن ثمة اختراقات على مستوى القيادات العليا والوسطى، ولكن بالتأكيد هناك جهود دولية وإقليمية لاختراق التنظيم، لكنها محدودة في القيادات الدنيا.
هناك من يقول بأن القاعدة أكثر رحمة من تنظيم الدولة.. تعليق؟
لا يمكن مقارنة تنظيم القاعدة بتنظيم الدولة؛ فالقاعدة تنظيم شبكي بدائي، مؤسس على هيكلية بيروقراطية متماسكة، قياسًا بتنظيم الدولة العسكري، لذلك يعتبر تنظيم القاعدة معتدلًا بالنسبة لتنظيم الدولة على صعيد الأيديولوجية أو التكتيكات القتالية.
هل ترى أن الإعلام ضخم كثيرًا من قدرات “تنظيم الدولة”؟
لا شك بأن الوسائط الإعلامية بالغت في إظهار قدرات تنظيم الدولة، لكن التنظيم يتمتع فعلًا بقدرات عسكرية وإعلامية كبيرة بفضلها تمكن من السيطرة على مساحات واسعة في العراق وسوريا، وانهارت أمامه فرق عسكرية عراقية، كما برهن التنظيم على قدرته على الصمود في وجه تحالف كوني غبر مسبوق.
تنظيم الدولة أعلن عن تفجير الطائرة الروسية، ما صحة هذه المعلومات وفق إمكانيات التنظيم؟
لا شك بأن تنظيم الدولة أسقط الطائرة الروسية، وقد برهن مرارًا على قدراته الاستخبارية والعسكرية.
تنظيم الدولة في سيناء.. ما هي قوته؟.. من الممول؟.. هل يتوقع انتشاره في محافظات مصرية أخرى؟
“ولاية سيناء” التابع لتنظيم الدولة، تتمتع بدعم وإسناد كبير من قبل البغدادي على مستوى التمويل والإمداد البشري والخبراء، والتنظيم يتنامى ببطء؛ فأولويات تنظيم الدولة محددة بالصمود ثم التمدد، ومع حالة الانسداد السياسي في مصر والانقسام المجتمعي سوف يعمل التنظيم على خلق حالة من الاستقطاب، ولا يبدو أن التنظيم متعجل على الانتشار في مصر.
لماذا لم يتبن التنظيم أي عملية ضد “إسرائيل” حتى الآن؟
تقع “إسرائيل” ضمن أهداف التنظيم بعيدة المدى، لكن أولوياته تقع ضمن العالم العربي، وتنفيذ هجمات ضد “إسرائيل” يتطلب قدرة تشغيلية لا تتوافر لدى التنظيم، لكنه يعمل على تأسيس بنية تشغيلية تحتية داخل فلسطين.
كيف ترى مستقبل التنظيم؟
تنظيم الدولة الإسلامية أصبح جزءًا من الجغرافيا السياسية في المنطقة، وسوف يحافظ على مناطق عديدة تحت سيطرته، قد يتراجع تكتيكيًا ولكن لن يختفي عن المشهد لسنوات عديدة.