موشيه دايان لم يفعل في مصر ما فعله الإخوان وعصابة المرشد”. هذا تصريح لشخصٍ يُقال إنه يعمل وزيراً للثقافة في مصر. دعك من التصريح الزاعق للمذكور، فهو ينتمي لسلسلة طويلة من “المثقفين” المصريين الذين قدموا فروض الولاء والطاعة للعسكر، من أجل الحصول على جزء، ولو صغير، من كعكعة السلطة، لكن الكارثة أن هذا الشخص يوصف في الإعلام المصري بـ”المثقف التنويري”، وهو وصف بات يُطلق على كل من يحمل جرعات زائدة من الإخوانوفوبيا والإسلاموفوبيا والدينوفوبيا. وكلما زادت هذه الجرعة، ارتقي الشخص في سلم “المثقفين التنويريين”. وأمثلة هؤلاء كثيرة، بدءاً من جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، مروراً بقائمة طويلة لا تخلو من الأخوين “الشوباشي” (شريف وفريدة). هؤلاء جميعاً يمارسون وصاية “فكرية” على المجتمع الذي يبدو بالنسبة إليهم “قاصراً” عن الفهم، وبحاجة لمن يأخذ بيده إلى “التنوير“.
نعود إلى صاحبنا، وزير الثقافة الحالي، وتصريحه “الفاقع” حول المقارنة بين جماعة الإخوان المسلمين وموشيه دايان، والذي ليس فقط يثير الاشمئزاز والحسرة على مدى التدهور و”الخيبة” التي أصابت قطاع المثقفين في مصر، وإنما أيضاً كونه يزوّر التاريخ من دون خجل. فالرجل الذي يقدّم نفسه باعتباره مؤرخاً فذاً، يدافع عن واحد من أكبر مجرمي الحرب الإسرائيليين الذي سفك وقتل وأسر آلاف المصريين طوال الخمسينات والستينات والسبعينات، وينتمي إلى دولة استيطانية وعنصرية. من المفهوم أن الرجل يعاني من مرض الإخوانوفوبيا، وهو أمر طبيعي، بل ومشروع، على تهافته وضعف حجته، ومن المفهوم أيضاً أن يحمل ضغائن كثيرة تجاه جماعة الإخوان، إما لتجاهلها له ولعبقريته في أثناء وجودها في السلطة، أو لاختلافه الكلي مع أفكارها وإيديولوجيتها. ولكن، من غير المفهوم أن الرجل يذهب إلى هذا الحد من التدليس والكذب، كي يُخرج “الإخوان” من ملة الوطنية، ويفضل شخصاً دموياً وعنصرياً مثل موشيه دايان عليهم، وهو الذي كان رئيساً لأركان العصابات الصهيونية في حرب 1956 ووزير دفاع إسرائيل في حرب 1967.
خطاب “الوزير” جزء من خطاب عام انتشر واستفحل طوال العامين الماضيين، وهو الخطاب الذي قطع في شيطنة “الإخوان” أشواطاً لم تخطر على بال من تجري مقارنتهم معهم، وهم الإسرائيليون. فكثيرون من “مثقفي” الدولة يذهبون، في خصومتهم وعدائهم “الإخوان”، والإسلاميين بوجه عام، إلى أبعد مما قد يتخيله العقل. وقد انتقل هذا الخطاب الذي يقارن بين “الإخوان” والإسرائيليين إلى جزء من الشعب، مصحوباً بنزعة فاشية، يتداولها الإعلام ليل نهار، من أجل تبرير حالة القمع التي تجري لأعضاء الجماعة. ويجري، الآن، صنع “مخيلة شعبية” جديدة، كالتي صُنعت، قبل عقود، تجاه الفلسطينيين، وتلومهم على التفريط في أرضهم “لليهود”، حسبما تردد العامة.
قطعاً، لا يمكن تنزيه “الإخوان” عن أخطاء كثيرة ارتكبوها، ولا يزالون، وليس مفروضاً على أحد التوافق مع أفكارهم وإيديولوجيتهم. ولكن، ما يحدث، الآن، يتجاوز كل أشكال النقد واللوم، بل وتبرير قمعهم وقتلهم، إلى حد تزوير تاريخهم والطعن في انتمائهم مواطنين مصريين. استمراء قمع “الإخوان” هو ما أدى إلى “استفحال” الخطاب المعادي لهم وتضخمه. بل وبات عداؤهم دليلاً على ولاء الطرف الآخر ووطنيته. بكلمات أخرى، يعتقد بعض مثقفي الدولة المصرية أنهم، بالطعن في “الإخوان”، إنما يتقربون إلى السلطة، وينالون حظاً منها، كونهم يبرّرون ذلك تحت مظلة “التنوير” ومحاربة “الظلامية”. وبالتبعية، كلما زاد دفاعهم عن ذلك “التنوير المتخيل”، ارتكبت السلطة جرائم أخرى بحق “الإخوان” وغيرهم من الإسلاميين، فهناك من يبرّر وينظّر ويهلل ويبارك هذا القمع. يحاول “مثقف الدولة” أن يثبت ولاءه للحكم العسكري، وللجنرال الذي يحكم، والذي بات من أقرب حلفاء تل أبيب، فيذهب إلى الحد الأقصي الذي يمكن، من خلاله، تزييف التاريخ، والإجهاز عليه، من أجل سردية “دولتية”، غارقة في الخصومة والعداء.
وعندما يتحدث وزير بهذه اللغة، وهذا المنطق، فإن الأمر يتجاوز مجرد التعبير عن الرأي الشخصي، كي يعكس موقف الدولة ومؤسساتها من “الإخوان المسلمين”، أفراداً وليس جماعة أو حزباً سياسياً فحسب. صحيح أن هذا الموقف معلن ومعروف، منذ تم خلع “الإخوان” من السلطة قبل عامين، لكن أن يتحدث موظف كبير في الدولة بهذه اللغة فهو يرتكب جريمتين، إحداهما بحق الوطن الذي بات يحتكر تعريفه وتصنيف الناس على أساسه، والثانية بحق التاريخ الذي سوف يروى للأجيال القادمة