تساءل الباحث الفلسطيني، بسام طويل، في معهد “جايتسون”، عن دوافع قيام شاب فلسطيني في مقتبل العمر، مستقبله ما زال أمامه، بأخذ سكين في يده، ويخرج إلى الشارع لكي يغرزها في أول إسرائيلي يقابله؟، في إشارة إلى عمليات الطعن في الضفة والقدس التي نفذها الفلسطينيون خلال انتفاضة القدس المتواصلة منذ أكثر من شهر.
وقال الباحث، في تقرير نشره موقع “المرصد” المتخصص في الشأن الإسرائيلي، إنه ليس من السهل الإشارة إلى دافع واضح، ورغم أن هنالك قناعة بأن الدافع هو الفقر والنقص اللذان يعيشهما في ظل أجواء السيطرة الإسرائيلية على القدس والمناطق الفلسطينية، يكشف البحث في “بروفايلات” منفذي العمليات حقيقة معقدة أكثر، تتضارب مع الفرضية الأساسية القائلة إن الفقر والنقص هما السبب.
ولم يكتف الباحث بالقصة الشائعة حول دوافع هؤلاء الشباب، إنما زار العائلات ونظر إلى البيئة التي عاشوا فيها، واكتشف أن الدافع لأعمالهم بعيد عن الفقر والنقص أو التضييق “فكيف يمكن للفقر أو النقص أن يفسرا ما قام به شاب فلسطيني يعيش برخاء ويتنقل بحرية ويتعلم الحقوق، وحياته بعيدة عن الفقر، بطعن إسرائيلي؟.
وتبين للباحث، أن الشبان والشابات الذين قرروا سلك درب المقاومة بعيدون عن الصورة التي يروجها كثيرون عنهم، أي أنهم يعيشون في بؤس وفقر، وليس بإمكانهم الوصول إلى التعليم أو العمل، على العكس، كان هؤلاء، حسبما يكتب الباحث بسام، يعيشون حياة رخاء أكثر من غيرهم؛ إذ كانت ظروف حياتهم مريحة، ولم يكن هنالك ما يمنعهم من الدراسة والتطور.
فمثلًا لو تطرقنا إلى منفذ عملية الطعن مهند حلبي، فنرى أنه ينتمي لعائلة حالتها الاقتصادية جيدة، ووالده رجل أعمال في مجال المكيفات، وكان يعيش في بيت يشبه القصور في قرية سردا على مشارف رام الله. وقد وصفوه أقاربه، حسبما كتب “بسام”، أنه كان طفلًا مدللًا، يحصل على كل ما يريد. وقد درس الحقوق في جامعة القدس، وكان يتنقل من بيته إلى الجامعة دون أي عائق.
لكن هذه الحياة المريحة من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، لم تمنع مهند الإقدام على طعن الإسرائيليين.
لا تختلف قصة الفتاة، شروق دويات، من صور باهر في القدس، عن قصة مهند؛ فهي أيضًا كانت تدرس التاريخ والجغرافيا في جامعة بيت لحم. وتكشف الصور الموجودة في صفحة “فيس بوك” الخاصة بها، فتاة، ابتسامتها دائمًا على وجهها. وهي أيضًا كانت تنعم بحالة اقتصادية جيدة، وتعيش حياة مريحة، وأقدمت يومًا على طعن الإسرائيليين رغم كل هذا.
كان فادي علون، ابن الـ19 عامًا، من أجمل شباب القدس كما يتحدث عنه أقرباؤه وأقرانه، وكما تشهد بيئته، فكان علون يحب التسوق في المجمعات التجارية الكثيرة في القدس الشرقية والغربية، وكان يتردد كثيرًا على الشبكات الكبرى مثل: زارا وكاسترو ورنوار؛ حيث اقتنى الملابس الجميلة، وبدا بها كعارض أزياء إيطالي.
ويقول “بسام” إن حياة فادي كانت أفضل من حياة فلسطينيين كثيرين في الضفة وغزة، وأن الحالة الاقتصادية لعائلته كانت جيدة جدًا. لكن الظروف الجيدة التي عاشها فادي لم تمنعه من الإقدام على طعن الإسرائيليين.
وبين عشية وضحاها، تحول المقدسي علاء أبو جمل (33 عامًا)، من عامل في شركة الاتصالات الإسرائيلية، بيزك، التي يتمنى إسرائيليون كثيرون أن يعملوا بها، أمنت له رزقًا جيدًا، إلى منفذ عملية طعن، مستخدمًا سيارة العمل التي كان يتنقل بها بحرية، ليدعس بها حاخام إسرائيلي حتى الموت. وكما في القصص السابقة، لم يكن الفقر أو النقص محفزًا حقيقيًا لكي يجعل علاء يطعن ويدعس الإسرائيليين.
ويشدد الباحث “بسام” على أن الشبان المقدسيين الذين نفذوا عمليات الطعن معهم هوية إسرائيلية تمنحهم التنقل كيفما يشاؤون، ودون عوائق، وهم يحصلون على ميزات اجتماعية كأي إسرائيلي آخر، وكذلك عندهم تأمين صحي مجاني مثلهم مثل الإسرائيليين، ودوافعهم ليس لها علاقة الفقر أو النقص أو حرية التحرك.
ويعتقد الباحث أن “التحريض التي تمارسه السلطة ووسائل الإعلام هو الدافع وراء إقدام هؤلاء على طعن المستوطنين، مشيرًا إلى أن معظم الفلسطينيين موصولون بالإنترنت، وبإمكانهم أن يشاركوا آراءهم مع أقرانهم على “فيس بوك” أو “تويتر”، التي زعم أنها حافلة “بالتحريض” ضد الإسرائيليين، ومليئة بالقصص التي تزعم أن الأقصى في خطر وأن إسرائيل تخطط لهدمه، ولا أحد يتحمل مسؤولية هذه الادعاءات غير المدروسة والتي تدفع الشبان إلى التضحية بحياتهم وهم ما زالوا في مقتبل العمر”.
لكن الفلسطينيين يرون أن تمادي المستوطنين في اعتداءاتهم ضد الفلسطينيين وممتلكاتهم ومقدساتهم، فضلًا عن اعتقال وضرب المرابطات في الأقصى، هو أمر لا يمكن السكوت عنها وأن انتهاكات المستوطنين والاعتداءات المتواصلة لا تتوقف إلا بالمقاومة بكل أشكالها في ظل انسداد الأفق السياسي وانعدام حلم الدولة الفلسطينية.