يعيش المصريون خلال الوقت الراهن أسوأ عصور الاقتصاد على مر تاريخ الدولة الحديث، حيث شهدت قيمة الجنيه طعنات متتالية عقب الـ75 عاما الماضية، وأخذت بالتراجع أمام العملة الخضراء التي كانت لا شأن لها قبيل مرور هذه الأعوام، بعدما كان الجنيه المصري حينها هو سيد شأنه.
وتحدى سعر الجنيه الدولار قديما، ولكن مع مرور الوقت وتبدل العصور والأنظمة الحاكمة بالدولة وتقلب السياسات والقرارات المتخذة، منذ أيام الفاروق ومرورا بالجمهورية وحكم ضباط الجيش، حتى وقتنا الراهن، ذهبت قيمة الجنيه هباء بالتدريج، فبعد أن كان 25 قرشا مصريا = 1 دولار أميركي، أي جنيه مصري = 4 دولارات أميركية، وصل لأن تساوي قيمة 1 دولار أميركي نحو 8.5 جنيه مصري، وما زالت البقية تأتي.
بلغ سعر الدولار أيام الملك فاروق في الفترة من 1940 حتى 1950 بين 25 و36 قرشا، وفي عام 1968 خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر كان سعر الدولار أمام الجنيه 40 قرشا، أما في سنة 1979 مع أواخر عهد الرئيس الراحل أنور السادات وصل سعر الدولار أمام الجنيه إلى 60 قرشا.
وفى بداية الألفية الجديدة، قفز سعر الدولار إلى 3.75 جنيه، ثم ارتفع للضعف خلال عام 2004 ليسجل 6.90 جنيه، ليتراجع في عام 2010 إلى 5.77 جنيه.
أما الآن فحدث ولا حرج، فقد ارتفع سعر الدولار إلى 8.3 جنيه بالبنوك والسوق الرسمية، و8.5 بالسوق الموازية، ليعلن بذلك بداية وتيرة جديدة من الانخفاض خلال المرحلة المقبلة، إذ توقع اقتصاديو العالم أن يصل الجنيه لنحو حاجز 9.5 جنيه أمام الدولار الواحد.
وتنتهج الحكومات في مصر على مر السنين، سياسات غير مناسبة للوضع الاقتصادي بكل فترة تمر على الدولة، الأمر الذي يجعل الضغط على قيمة الجنيه لا مثيل له، وبتدهور الحال بعد ثورة يناير بمصر، واضطراب العديد من القطاعات التي كانت مصدرا أساسيا لدخول العملة الصعبة، وبالتالي موازنة وضع الجنيه بالداخل، أدى كل ذلك إلى زيادة السحب من العملات الأجنبية لتلبية طلبات الاستيراد للدولة، حتى تحولت إلى مكتب استيراد كبير، وفقا لتصريحات محافظ البنك المركزي السابق هشام رامز.
وقال الخبير الاقتصادي محمد فاروق لـ”رصد”، إن سعر الجنيه لن يوقف تدهوره، حال اتخذت الحكومة إجراءات صحيحة تبدأها من الجذور، فالمشاكل الاقتصادية دائرة مترابطة ببعضها، ولتحجيم سعر الجنيه، يجب أولا عودة عمل القطاعات المدرة للعملة الصعبة بشكل أكثر كفاءة عما كانت عليه بعام 2010، لتعويض كم الخسائر، فضلا عن تغيير القوانين الخاصة بالاستثمار وتسهيلها لجذب مستثمري الخارج وفتح مشروعات جديدة، وتشغيل العمالة، فضلا عن وضع سقف للاستيراد ليس على قيمة الاستيراد ولكن على نوعية الاستيراد، فهناك قائمة من السلع الرفاهية والتي تستهلك عملات صعبة بشكل ضخم، يجب تقليلها أو منعها واستبدالها بأخرى محلية لوقت محدد.