تشهد محافظة “قنا” بصعيد مصر، تركيبة قبلية مختلفة جدًا ففي شمال المحافظة في مراكز “أبو تشت وفرشوط ونجع حمادي ودشنا” يتركز التنافس القبلي بين قبيلتي العرب والهوارة، أما في الجنوب في مراكز “قنا وقوص وقفط” فيتمحور التنافس بين قبائل وعائلات الأشراف والعرب والفلاحين والهوارة أيضًا.
ولطالما شهدت النزاعات على مقاعد مجلس النواب صراعات دامية بين القبائل والعائلات في قنا ولدت نزيف الدم وورثت الثأر عبر الأجيال بين العائلات مثلما حدث بين قبائل الهوارة والعرب في دائرة الرئيسية شمالي قنا عام 1995 أسفرت عن سقوط قتلي في الطرفين وتكرر الحادث في مركز دشنا وكذلك في مركز قنا.
دور الوطني المنحل في تقسيم البرلمان للقبلية
وخلال العقود الأربعة الأخيرة، كان للحزب الوطني المنحل الدور البارز في تقسيم مقاعد البرلمان في المحافظة على القبائل.
ففي شمالي قنا، كان دائمًا ما يحرص على فوز مرشح من قبيلة “الهوارة” يقابله آخر من قبيلة العرب في جميع الدوائر، وفي جنوبي قنا كانت المقاعد تقسم بين قبيلة الأشراف والعرب بحيث يختار كبار رموز العائلات والقبائل ليضمن ولاء القبيلة كلها وكانت المقاعد تقسم بنفس الشكل في مجلس الشورى.
وكان الصراع يمتد أحيانًا بين عائلات مختلفة، لكن من نفس القبيلة طمعًا في الحصول على مقعد البرلمان.
وكانت سياسة الحزب الحاكم وقتها هو التوزيع بين العائلات في مقاعد الشعب والشوري وإرضاء العائلات الأصغر بمقاعد المحليات وغالبًا ما تكون مقاعد البرلمان من نصيب العائلات صاحبة النفوذ الأكبر، فمثلًا في مركز أبو تشت احتفظت عائلة أبو رشوان بمقعد مجلس الشوري ثلاث دورات متتالية متمثلة في النائب أحمد حسين رشوان.
وقد ساعد في ذلك وجود أحد أبناء العائلة وهو “أبو الوفا رشوان” في مكتب رئاسة الجمهورية في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك وكذلك في نجع حمادي تم توريث المقعد من النائب أحمد فخري قنديل والذي احتفظ بمقعد البرلمان منذ أوائل السبعينيات حتى وفاته خلال برلمان 2000 وتم تسليم المقعد لنجله النائب فتحي قنديل والذي أكمل مسيرة والده واحتفظ بالمقعد حتى برلمان 2010، وكذلك الأمر نفسه في دائرة الرئيسية بنجع حمادي؛ حيث تحتفظ عائلة الشعيني بمقعد البرلمان منذ عام 1956 وحتي برلمان 2012؛ حيث نجح النائب محمد عبدالنبي الشعيني في دخول البرلمان في 1956 حتى وفاته واستلم بعده شقيقه أحمد أبو إسماعيل الشعيني مقعد البرلمان منذ 1980 وحتى نهاية الدورة البرلمانية عام 2000 ليستلم بعده نجل شقيقه الأول عبدالنبي محمد عبدالنبي الشعيني وشهرته هشام الشعيني مقعد البرمان منذ عام 2000 وحتى 2012.
القبلية بعد ثورة يناير
وبعد ثورة يناير وفي برلمان 2012، لم يختلف الوضع كثيرًا ومع ظهور الأحزاب ممثلة التيارات الإسلامية كانت تلك الأحزاب مضطرة إلى اتباع نفس السياسة لضمان الحصول على الأصوات بوضع أحد رموز قبيلة على رأس القائمة مثلًا والقبيلة الأخرى في الفردي بحيث تكون نسبة التوزيع نسبية ومتوازنة بين القبائل.
وهو الوضع الذي ما زال إلى الآن يفرض نفسه؛ حيث إنه كل مرشح أن يستعد بحشد أصوات عائلته وقبيلته لضمان الحصول على أكبر الأصوات لتصبح القبلية هي المعيار الأول لغالبية الناخبين في الاختيار حتى ومع انتشار الوعي التعليمي والثقافي بين الناس ومع انتشار الأطباء والمهندسين وغيرهم من الفئات المتعلمة بشكل كبير في المحافظة حتى صارت المحافظة تشارك بعدد كبير كل عام في أوائل الثانوية العامة إلا أن ذلك لم يغير في موازين لعبة الانتخابات.
ونتيجة لذلك ومع تغليب صوت العصبية والعائلية والقبلية تعيش محافظة قنا وغيرها من محافظات الصعيد في مستوى متدنٍ من الخدمات والمرافق العامة فلا صوت حقيقي يمثل الناس في البرلمان ويرفع مشاكلهم الحقيقية ويطالب بحقوقهم فكل نائب ينجح يسعى فقط لتوطئة قدمه وتوزيع الوظائف بين أفراد عائلته ومناصريه ويضيع حق المواطن البسيط الكادح والذي لا يملك أي مشاركة في الصراع بين الكبار.
وقد ظهر في الآونة الأخيرة العديد من الدعوات من قبل حركات شبابية تنادي بتغليب المصلحة والكفاءة على القبلية من أجل خدمة المحافظة بشكل حقيقي إلا أن رموز العائلات والقبائل يسعون عكس ذلك في الناحية الأخرى ويستمرون في الحشد القبلي وإثارة الناس والعصبة للعائلة والعشيرة لتدخل محافظة قنا الانتخابات لعام 2015 في ظل الألفية الحديثة تحت شعار “لا صوت يعلو فوق صوت القبيلة”.