قبل الانقلاب العسكري في مصر بشهرين، كنا في تركيا، مجموعة من الصحافيين العرب: جهاد الخازن، جمال خاشقجي، حلمي الأسمر، جابر الحرمي، توفيق بوعشرين، سعد محيو، محمد السعيد إدريس، توفيق غانم، ورئيس تحرير “الاتحاد” الإماراتية، وكاتب هذه السطور.
كانت جولة بين أنقرة واسطنبول، اشتملت على لقاءات مع نائبي رئيس الحكومة، رجب طيب أردوغان في ذلك الوقت، وحضور جلسات للبرلمان، وشهدت حوارات موسعة عن التغيير في دول الربيع العربي.
كان وجود جهاد الخازن ملفتاً، بالنسبة لي على الأقل، إذ كان الرجل على رأس الحملة الإعلامية لمرشح الثورة المضادة، والدولة العميقة في مصر، الجنرال أحمد شفيق، حيث أمضى وقتاً طويلاً يعمل في حملته في أثناء الانتخابات الرئاسية.
خفة دم الصحافي المخضرم، وولعه باستعراض عضلات الذاكرة، بحكاياته عن اللقاءات التي جمعته في الغرف المغلقة بالملوك والرؤساء والوزراء، أضفت على الرحلة جوّاً فكاهيّاً، إذ كان يروي الحكاية في ذلك المساء، ثم يعيدها في المساء التالي، وكأنه يقصًّ شيئاً جديدا، أو يفترض في من يسمعون أنهم مجموعة من الأسماك المخرّفة، سوف يستمتعون بالمكرر والملل على أنه مكتمل السخونة والطزاجة.
من بين ما استعرض به الخازن، أمام عدد محدود من رفاق الرحلة، قصته مع حملة أحمد شفيق في القاهرة، حيث كان أكثر ما أحزنه في سقوط جنرال حسني مبارك، أنه أضاع عليه فرصة كتابة مقال بعنوان “الرئيس الذي نام على كتفي”.
وأصل القصة، كما حكاها الخازن، أنه كان عائداً مع شفيق من سهرة انتخابية طويلة إلى الفندق الشهير في القاهرة الجديدة، وفيما كانا يجلسان في المقاعد الخلفية للسيارة، وسكرتيرة شفيق الحسناء بجوار السائق، تدلّى رأس المرشح الرئاسي، حتى استقر على كتف الصحافي.. ونام. يعرّف الخازن نفسه، في مقال لمناسبة ذكرى مذبحة رابعة، بأنه “لبناني الهوية ومصري الهواية”، ويشن هجوماً عنيفا على صحيفتنا (العربي الجديد)، لأنها أفردت ملفا عن الذكرى الثانية لأبشع مجزرةٍ، ترتكبها سلطة ضد شعبها في تاريخ المصريين. يصفنا الخازن هكذا: “جريدة قطرية تصدر في لندن جعلت ذكرى رابعة صدر الأولى مع صفحات في الداخل”. ثم يبدأ في سرد تعريفه الخاص للذكرى، ليخلص إلى أنها ذكرى مذبحةٍ ارتكبها فصيل من الشعب المصري ضد الجيش والشرطة، ويعطي دروساً، مجانية أو بالأجر، لا فرق، لمنظمة العفو الدولية، وسائر المنظمات الحقوقية الدولية التي دانت المذبحة، وحمّلت النظام المسؤولية عنها.
والمقال، في عمومه، لا يختلف عن تلك النشرات الدعائية التي كانت تنتجها الآلة الإعلامية لنظام حسني مبارك، تبريراً للقمع وانتهاك الحريات، أو تصدرها حملة المرشح، أحمد شفيق، تزويراً لأحداث “موقعة الجمل” التي دارت ضد الثوار، حين كان شفيق رئيساً لحكومة مبارك الأخيرة، قبل السقوط، أو ما تصنعها، من دون مهارة أو كفاءة، ورش الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي، تسويغا للفاشية والمكارثية. نعرف أن الخازن، ومن بعد أن استرد السيسي الدولة من الشعب، وأعادها إلى “عسكر مبارك” انتفخت أوداجه، وانتعش، وقرر أن ينافس على كأس العنصرية، وكأن مصر عدمت فاشييها ومكارثييها المحليين.
ولعلك تذكر، أو نسيت، أن أول من أطلق الدعوة لممارسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية ضد المصريين في سيناء، كان جهاد الخازن، حين غرّد إلى عبد الفتاح السيسي في إبريل/ نيسان الماضي، يقول “عندي اقتراح للرئيس السيسي: لماذا لا يأمر بتفريغ شمال سيناء (شبه الخالي) من السكان؟”، وأضاف: “كل مَنْ يبقى في سيناء بعد موعد محدد معلن يُقتَل من دون أن يُسأل عن هويته، أو ماذا يفعل في منطقة محظورة”. أستاذ جهاد: مصر السيسية لا تعاني شحاً في العنصرية والسادية، لديها فائض من الفاشيين والمكارثيين، يمكنك الاستثمار في مساحة أخرى.