منذ عصر جمال عبدالناصر، مرورًا بعصريْ مبارك والسيسي، أعلنت الحكومات المصرية عن اكتشافات بترولية ومناجم ذهب؛ لتؤكد أن مصر ستشهد تقدمًا وازدهارًا اقتصاديًا كبيرًا نتيجة هذه الاكتشافات، وظل المصريون على مدار السنوات يستمعون إلى تصريحات المسؤولين عن ارتفاع الاحتياطيات من النفط والغاز، وفي الوقت نفسه تكتوي جيوبهم بارتفاع أسعار الطاقة، والتي تنعكس بدورها على ارتفاع الأسعار بشكل عام.
اكتشافات عصر عبدالناصر
أعلنت وسائل الإعلام المصرية في عصر جمال عبدالناصر، عن اكتشافات بترولية وهمية كثيرة؛ حيث خرج الكثير من مانشيتات الصحف تؤكد أن مصر تعوم على بحار من البترول، ففي عام 1970 عندما كانت مصر على حافة الإفلاس بعد نكسة 1967، نشرت الصحف آنذاك، أن هناك اكتشافات بترولية في الصحراء المصرية ستجعلنا أغنى من ليبيا ودول الخليج، وصدَّق المصريون الكذبة آنذاك، وظلت مصر خلال الأربعين سنة الماضية من الدول التي لا يكاد تكفي مواردها البترولية سد حاجتها الاستهلاكية.
اكتشافات عصر مبارك
وفي عصر المخلوع حسني مبارك، أعلن وزير البترول، سامح فهمي، عن العديد من الاكتشافات البترولية الوهمية لتلميع صورته في الشارع، كما أعلن عن احتياطي كبير من الغاز المصري لتبرير تصدير الغاز إلى إسرائيل بأقل من سعرة العالمي.
المبالغة في احتياطيات البترول والغاز في مصر قبل الثورة، كانت تتم من أجل الترويج لتصدير الغاز وحصول سماسرة بعينهم على عمولات التصدير.
المجلس العسكري
وبعد الثورة وفي عصر المجلس العسكري، واصلت الحكومة المصرية في تضخيم حجم الاحتياطي المصري من الغاز؛ حيث قامت بالإعلان عن بيانات غير حقيقية للاحتياطيات البترولية والغاز في مصر.
وأعلنت الشركة القابضة للغازات الطبيعية وقتها عن ارتفاع الاحتياطيات من النفط والغاز إلى نحو 18.3 مليار برميل مكافئ، ومن المتوقع -حسب تقديرات الشركة- أن يصل هذا الاحتياطي إلى 20 مليار برميل.
سماسرة جدد
وقال الخبير البترولي، إبراهيم زهران: الحكومة استبدلت سماسرة ما قبل الثورة بسماسرة جدد ليقوموا باستنزاف ثروات مصر.
وأضاف “زهران”، أن مصر تقوم باستيراد 50% من احتياجاتها من البترول الخام بالإضافة إلى المشتقات، وكذلك تستورد نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي عن طريق شراء حصة الشريك الأجنبي.
وبيَّن “زهران” أن الدليل الوحيد لكي تظهر الحكومة صدق بياناتها، أن تترجم ما تعلنه إلى واقع إنتاجي، وأن تكون بياناتها عن احتياطيات مؤكدة قابلة للإنتاج بطريقة اقتصادية، وبخلاف ذلك فإن أداء الحكومة بعد ثورة يناير لم يختلف عن أدائها قبل الثورة فيما يتعلق بالسياسة البترولية.
ويتابع زهران: لو كانت الأرقام المعلنة من قبل الشركة القابضة صحيحة لكان إنتاجها اليومي من البترول 1.5 مليون برميل يوميًّا، ونحو 13 مليار قدم مكعب من الغاز، ولكن الواقع الحقيقي للإنتاج في مصر يظهر وجود 530 ألف برميل بترول يوميًّا، ونحو 6 أو 7 مليارات قدم مكعب من الغاز، وهو ما يعني عدم صحة الأرقام المعلنة من قبل الشركة القابضة للغازات الطبيعية.
المبالغة في الاكتشافات
وفي أواخر حكم الرئيس محمد مرسي، أعلنت وزارة البترول عن اكتشاف أكبر بئر للبترول في العالم بمصر، وأكدت الهيئة العامة للبترول، اكتشاف شركة “ترانس جلوبال” الكندية، أكبر بئر بترول فى العالم، بمنخفض القطارة بالصحراء الغربية قرب مرسى مطروح.
ووفقًا للتصريحات الرسمية، تتوقع الدراسات “السيزمية ثلاثية الأبعاد” لحجم الاحتياطي، استخراج 20 مليار برميل (مكافئ) سنويًا من البترول والمتكثفات والغاز، ما يجعل مصر أكبر دولة منتجة للبترول في إفريقيا والعالم، خلال أشهر قليلة.
وأوضح المصدر، أن هيئة البترول أرسلت فريقًا من غرفة العمليات لمتابعة حفر الحقل الجديد، لوضعه على خارطة الإنتاج، واعتبر أن هذا الاكتشاف سيحل أزمات السولار والبنزين والكهرباء.
وبعد الانقلاب العسكري، لم يعد هناك حديث عن هذه البئر مرة أخري، في حين أكد خبراء أنه رغم المبالغة في أن هذه البئر أكبر بئر بترول في العالم، لكن قامت وزارة البترول والسماسرة بعد الانقلاب بالمشاركة مع الشركة الأجنبية في نهب آبار البترول.
أكبر بئر غاز في العالم
كان آخر الاكتشافات الوهمية التي لم ترق لما أعلنته الحكومة، هو اكتشاف أكبر بئر غاز طبيعي في العالم.
وأكد خبراء، أن هناك مبالغة كبيرة في توقع حجم ما ستنتجه هذه البئر من غاز طبيعي وحجمه الاحتياطي.
17 اكتشافًا بتروليًا بعد الانقلاب
وأعلنت الحكومة بعد الانقلاب العسكري، عن 17 كشفًا بتروليًا وغازيًا جديدًا في 3 أشهر.
وأكد المهندس شريف هدارة، رئيس هيئة البترول، أن إجمالي الاحتياطي الكلي لهذه الاكتشافات نحو 12 مليون برميل زيت خام ومتكثفات، و125 مليار قدم مكعب من الغاز، وذلك بخلاف 29 كشفًا بتروليًا وغازيًا تحققت في الفترة من شهر يوليو إلى شهر ديسمبر الماضيين.
الشعب يدفع ثمن كذب الحكومات
يقول الخبير البترولي، المهندس حسن إبراهيم، إننا نتحمل وندفع ثمن فشل وكذب الوزراء، وأن معظم وزراء عهد المخلوع مبارك والنظام الحالي كانوا يعملون فقط لإرضاء النظام على حساب الشعب.
وأشار إبراهيم -في تصريح خاص لـ”رصد”- إلى أن مصر عاشت أحلامًا وردية من اكتشافات وهمية بترولية وغاز طبيعي تفوق الاحتياجات، واحتياطي وهمي يمتد عشرات السنين.
وتساءل إبراهيم: “من يتصور أن مصر أول بلد اكتشف فيه البترول في المنطقة، ثم ظهر بها الغاز الطبيعي، تكاد تكون بدونهما، وأين راحت تصريحات الوزير الأسبق عن الإنتاج والاحتياطي المهول من البترول والغاز الطبيعي؟، مضيفًا “لا أحد يجرؤ على المناقشة أو المراجعة أو الحساب، والسبب المصالح والتزاوج بين السلطة ورأس المال وانسياب قطاع البترول في شرايين وأعصاب السلطات التنفيذية والتشريعية والإعلام”.
نظام المشاريع والاكتشافات الوهمية
ومن جانبه، قال الكاتب الصحفي والخبير الاقتصادي، ممدوح الولي: “اعتاد المسؤولون في مصر قبل الثورة على نشر إنجازات وهمية عن الاقتصاد المصري، وهو نفس المنهج المتبع بعد الانقلاب العسكري”.
وأضاف -في تصريح خاص لـ”رصد”- أن هذا المنهج ليس ببعيد عن قطاع البترول، فوزارة البترول قبل الثورة كانت تستغل قدرتها الإعلانية في الضغط على كل وسائل الإعلام لعدم نشر أية بيانات تخالف الأرقام المنشورة من قبلها واتبعت هذا الأسلوب بعد الانقلاب العسكري.
وأضاف، أن النظام الحالي كل فترة يعلن عن مشاريع وهمية واكتشافات مبالغ فيها كنوع من المسكن للشعب المصري الذي لم يجد بعد الانقلاب سوى غلاء الأسعار والانهيار الاقتصادي.