تكتب آلاء الطويل، الشقيقة الأصغر للصغيرة إسراء الطويل، المصورة الصحافية المعتقلة لدى النظام العسكري في مصر، منذ شهرين تحت عنوان “القصة من البداية” ما يلي: “صهيب سعد الحداد شاب من اللي ظهروا في فيديو أكبر خلية إرهابية في مصر”، تقصد ذلك الفيديو الساذج الذي أذاعه النظام العسكري، عشية الإعلان عن انفجار بمحيط القنصلية الإيطالية بالقاهرة، ويزعم فيه أنه تم ضبط أكبر خلية إرهابية تهدد الأمن القومي.
تقول آلاء إن صهيب كان قد أخلي سبيله على ذمة القضية المعروفة باسم “خلية الماريوت” في فبراير 2015، بعد أن أمضى 16 شهرًا محبوسًا، ظلمًا، بعدها كان موضوعًا تحت المراقبة، كل يوم يذهب للتوقيع في قسم الشرطة، وبتعبيرها البسيط “يعني كل يوم بيروحلهم بنفسه مكانوش محتاجين يخطفوه!”.
صهيب كان مع إسراء الطويل، المصابة بإعاقة ناتجة عن رصاصة أطلقتها عليها الشرطة في ذكرى الخامس والعشرين من يناير، بصحبة زميلهما الثالث عمر في الأول من يونيو الماضي، بنزهة على شاطئ النيل بالمعادي، لأن موعد جلسة محاكمة صهيب كان قد اقترب، وكانوا يتوقعون أنه سوف يسجن مرة أخرى.
بعد تناول العشاء في مطعم شهير خرج الثلاثة الصغار (في أوائل العشرينات) لتختطفهم الشرطة فورًا في سيارة “ميكروباص” إلى جهة غير معلومة، ثم بعد 15 يومًا، يظهر صهيب وعمر في سجن استقبال طرة، ليتضح أنهما أمضيا فترة اختفائهما بين المخابرات والنيابة العسكرية، مع التعذيب والتعليق والكهربة من أجل إجبارهما على اعترافات بأشياء لا يعلمان عنها شيئًا.. وبعد ذلك، ظهرت إسراء في سجن القناطر، بعد 16 يومًا، اختفت خلالها قسريًا، في مقر أمن الدولة في لاظوغلي.
تحكي آلاء بعض ملامح حياة الثلاثة الصغار الذين افترستهم ماكينات ميديا “أنصار بيت السيسي”، فحولتهم من فراشات لا تريد أكثر من التحليق بحرية في البراح الشحيح، إلى متهمين في أخطر خلية إرهابية تستهدف مصر، وتتساءل ببراءة “إسراء وعمر وصهيب معملوش حاجة، نهائيًا، كانوا بيلعبوا ويضيعوا وقت وياكلوا ويلعبوا.. يتاخدوا ليه؟ طب إسراء لسه بيتطبخلها إيه؟ والعيال دول مصيرهم إيه؟ طب نشكي لمين؟ هوا الظلم ده مالوش آخر؟”.
ستذهب أسئلة آلاء وصرخات إسراء وصهيب وعمر أدراج رياح “الحرب على الإرهاب” فالعدالة صارت انتقامية، والقاضي أشرس من الجلاد.. والإعلام أصبح يعج بكثير من الصراصير، غارق في الصرصرة والثرثرة، حول الأمن القومي.. والسلطة فقدت صوابها، وقررت أن ترمح في مضمار الجنون، حتى آخر الشوط، مطمئنة إلى أنها في مأمن من العقاب ما دامت تتمتع بالحماية الإسرائيلية، وتستبدل “الأرز الدبلوماسي الصهيوني” بالأرز المالي الخليجي..
ومن نجوم المعارضة التلفزيونية من ينافس عندليب السلطة الدموية على “كأس النحنحة”، أو يصارع فرسان معبد الفاصية على “درع المشتمة”، فمن الطبيعي جدًا ألا تجد قضية عشرات الآلاف من الـ”إسراء وصهيب وعمر” ربع الاهتمام الذي يولونه للتبشير بالبديل العسكري، ذي الخلفية المدنية، أو المدني ذي الخلفية العسكرية. فور وقوع حادث المبنى التابع للقنصلية الإيطالية، ركزت صحف ومواقع تابعة لسلطة الانقلاب على خبر طريف عن تضرر مبنى نقابة الصحافيين من شدة الانفجار الذي وقع بعد سويعات من انتهاء اجتماع للنقابة للتأكيد على الموقف من قانون الإرهاب (قانون حماية إرهاب السلطة بالأحرى)، لتنطلق جوقة العزف على أوتار الأمن القومي، وكورال التسريع بالإعدامات، مرددين نصًا واحدًا مضمونه أن الاعتراض على قانون الإرهاب خيانة للوطن، وأنه جاء وقت فرض الطوارئ والأحكام العرفية وحكومة الحرب، وبالتالي، على الصحافيين أن يخرسوا، وعلى كل مطالب بتعديلات على القانون أن يلزم بيته، أو يرحل بعيدًا، وعلى المجتمع الدولي ألا ينسى نصيب مصر من أرباح السوق السوداء لتجارة الحرب على الإرهاب.
إنهم عازمون على المضي في صناعة الهولوكوست، ويا لها من مفارقة، حين تكون المحرقة برعاية أوروبا، إيطاليا وألمانيا وفرنسا، وبدعم وتحريض من إسرائيل التي ابتزت التاريخ الإنساني كله، سياسيًا وسينمائيًا وأدبيًا، بقصص محرقة النازي. لكن، يقينًا سينتصر إسراء وصهيب وعلاء، وغيرهم من الجيل الذي يحفظ العبارة جيدًا “عمر الظلم ما قوم دولة”، ولن يفلح المشعوذ القاتل الكذوب حيث أتى.