شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الاختطاف القسري..”الدولة القرصان”

الاختطاف القسري..”الدولة القرصان”
من المفاهيم التي شاعت في فترة من الزمان كان وصف الدولة بـ "القرصان" أو بكونها دولة "خاطفة"؛ تختطف الناس والمواطنين وتلحق بهم الضرر والأذى وكأن ذلك عملا من أعمال العصابات التي تمرست على هذا الاختطاف والتخطيط له..

من المفاهيم التي شاعت في فترة من الزمان كان وصف الدولة بـ “القرصان” أو بكونها دولة “خاطفة”؛ تختطف الناس والمواطنين وتلحق بهم الضرر والأذى وكأن ذلك عملا من أعمال العصابات التي تمرست على هذا الاختطاف والتخطيط له حتى تحقق أهدافها الدنيئة، في مقدمته الرائعة في كتابه “الإرهاب الدولي” كتب ناعوم تشومسكي عن مشهد محاكمة الاسكندر الامبراطور لأحد القراصنة، وهو يصفه بكل أوصاف الإجرام، وحينما طلب منه الامبراطور الكلام، انطلق القرصان ليتحدث عن مقارنة عجيبة؛ قال “لأنني أخطف سفينة في عرض البحر تسمونني “قرصانا”، وأنت تختطف العالم بأسره فيسمونك إمبراطورا”، إن الأمر هنا يتعلق بما يمكن تسميته إرهاب الدولة لا ذلك الإرهاب المحتمل الذي يرفع شعاره أحد أهم ممارسيه حينما انقلب على الشرعية وعلى الرئيس المدني المنتخب واختطف ذلك الرئيس واحتجزه في مكان غير قانوني، أي أنه افتتح عهده بعملية اختطاف كبرى خطط لها في محاولة غصبه لسفينة الوطن.

مارس المنقلب وأجهزة سلطته ما يمكن تسميته ب”إرهاب الدولة” وقاموا من كل طريق بكل عمليات الترويع والتطويع والتفزيع والتطبيع في محاولة منهم لصناعة وطن الخوف الذي لا يأمن فيه أحد على حياته أو كيانه، إرهاب الدولة يمارس من خلال أجهزة متنوعة بعضه بوليسي والأخر تمثله جهات أمنية تعمل كل شئ في الخفاء وخارج دائرة القانون، وأكثر الدول التي تحدث عنها الناس في هذا الزمان عن دولة تمارس “إرهاب الدولة” كانت تلك الدولة الممثلة للكيان الصهيوني، وبدت هذه الممارسات تتخذ أشكالا كثيرة كدولة احتلال وكان من أهم ما قامت به “حالات الاختطاف القسري”؛ إرهاب الدولة هو إرهاب مصطنع تحاول فيه السلطة تصفية معارضيها وخصومها بأشكال عدة وفي هذا السياق تبدو تلك الأمور الخطيرة التي تمارسه الدولة تحت عنوان مواجهة الإرهاب المحتمل لتمارس إرهابا أخر بكل قوتها وبكل أجهزتها، إلا أن الإرهاب الأول على محدوديته وربما اصطناعه يواجه بإرهاب متسع من قبل أجهزة الدولة وبعض هذا الإرهاب وبحكم عمل هذه الأجهزة وما لها من باع طويل في اصطناع الإرهاب وافتعاله ليكون ذلك غطاء لقمعها وبطشها من ناحية ومحاولة لإضفاء شرعنة على سلوكها الذي يتسم بالفساد والبطلان.

قامت التنسيقية المصرية للحقوق والحريات برصد لشهر مارس ب 165 حالة اخفاء قسري لايزال اكثر من 50 % منهم مختفي حتى الان استمر هذا المنوال في زيادة غير طبيعية في حالات الاخفاء القسري خلال شهر إبريل 2015، تمثل في 228 حالة خلال شهر ابريل بخلاف كثر من 70 حالة لم تصل لنا اي معلومات عنها خلال شهر مارس وهذا هي إجمالي ما أمكن رصده من الحالات وسط ظروف بالغة الصعوبة تكتنف عمليات الرصد و التوثيق، نظرا لما تمثله هذه الظاهرة من تهديد واضح للحريات وحياه العديد من المواطنين وحق الانسان في الحرية وفي سلامة الجسد وايضا حق الحياة، وبما تمثله من مشكلة كبري تواجه  المجتمع الدولي  فقد تم اعتبارها بشكل واضح جريمة ضد الإنسانية ، كما اعتبر المجتمع الدولي أن كل دولة مسئولة عن أي حالة اختفاء قسري ترتكب ضد أي شخص من الأشخاص المقيمين علي إقليمها، أو الخاضعين لولايتها.

ويعتبر الإعلان المتعلق بحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 47/133 المعتمد في 18 ديسمبر 1992 من أهم الخطوات التي وضعها المجتمع الدولي للتصدي لظاهرة  الاختفاء القسري  ( غير الطوعي ). وطبقا للتعريف الإجرائى للاختفاء القسري  فهو:(احتجاز شخص محدد الهوية رغما عنه من جانب موظفي أي فرع من فروع الحكومة أو مستوياتها أو من جانب مجموعات منظمة أو أفراد عاديين بزعم أنهم يعملون باسم الحكومة أو بدعم منها أو بإذنها أو بموافقتها فتقوم هذه القوي بإخفاء مكان ذلك الشخص أو ترفض الكشف عن مصيره أو الاعتراف باحتجازه مما يجرد هذا الشخص من حماية القانون )، ونظرا لان هذه الظاهرة بدأت تظهر بشكل كبير خلال هذه المرحلة نتيجة وعي المجتمع بخطورة هذه الظاهرة وتوابعها على الدولة والمجتمع فقد وردت الينا في التنسيقية الكثير من  الشكاوى والتي تفيد وجود أماكن أخفاء قسري في بعض مديريات الامن والاقسام  مثل مديرية أمن الأسكندرية وقسم اول المنصورة بالدقهلية وقسم شرطة ابوالنمرس بالجيزة وبعض معسكرات قوات الأمن.

لذا فقد قامت التنسيقية المصرية برصد حالات الاخفاء القسري خلال الفترة من 1 إبريل 2015 الى 30 إبريل 2015 حيث تم رصد عدد  228 حالة اخفاء قسري و هذا ما أمكنا رصده، و قد استطعنا توثيق 142 حالة منها خلال هذا الشهر فقط، ظهر عدد منهم بعد عرضه على النيابات المختلفة والباقي لازال رهن الأخفاء.و قد كانت محافظات وسط البلاد أكثر المحافظات نصيبا من حالات الإخفاء القسري، حيث بلغت الحالات بمحافظة الغربية 42 حالة، تلتها محافظة كفر الشيخ بـ 20 حالة، ثم محافظتي البحيرة و دمياط  بـ 14 حالة لكل منهما، ثم 13 حالة مدينة السادس من أكتوبر و 12 حالة لمحافظة الفيوم،و 11 حالة لمحافظة الدقهلية  ثم 10 حالات لمحافظة بورسعيد ثم  9 حالات لكل من محافظات الشرقية و  المنوفية، ثم 8 حالات لكل من  محافظتي السويس و القاهرة، فـ 4 حالات لكل من محافظتي المنيا و بني سويف، ثم 3 حالات لكل من سوهاج و شمال سيناء – و ذلك في ضوء ما أمكن لصعوبة ورود المعلومات عن سيناء -، ثم حالتين بكل من محافظتي قنا وأسوان بينها حالة من مدينة النوبة، ثم حالة لكل محافظة من أسيوط و الإسكندرية و الإسماعيلية. كما أن هناك 37 حالة لم نتمكن من تحديد المحافظات التابعين لها.

وقد اتضح للتنسيقية بتوثيق الحالات التي ظهرت بعد الاخفاء أن المختفين قسريا يتعرضون للتعذيب الممنهج للأعتراف بأرتكاب جرائم لم يرتكبوها. و مما تجدر الإشارة إليه أن أحد أهم المحددات التي تعيق عمليات الرصد و الصعوبات الشديدة الناتجة عن الضغط الأمني و خوف نسبة كبيرة من أهالي الضحايا من عواقب التعاون مع الجهات الحقوقية بصورة مباشرة عليهم أو على ذويهم ممن يعتبرونهم في قبضة الجهات الأمنية.وايضا بعض المختفين يٌقتل تحت وطأة التعذيب ويتم أخفاء جثته أو أظهارها علي أنها حالة إنتحار أو تفجير وبعضهم يظهر أمام النيابة العامة وبه إصابات خطيرة قد تشكل عاهة جسدية , وترفض النيابة العامة التحقيق في اي من وقائع  الأخفاء القسرى أو التعذيب.

كذلك تقدمت منظمة هيومن رايتس مونيتور بشكوى عاجلة مجمعة إلى الفريق العامل المعني بالاختفاء القسري في الأمم المتحدة، وكذلك للمقرر الخاص بالاعتقال التعسفي تضمنت 44 حالة من الاختفاء القسري الذي تعرض له 44 من المواطنين المصريين.وأوضحت المنظمة- في تقرير لها- قلقها البالغ حول تزايد الظاهرة بشكل كبير في مصر، مشيرة إلى تزايد ظاهرة اختطاف مواطنين وإخفائهم قسريًا من قبل رجال الشرطة المصرية، في عدة محافظات مصرية دون التعرف على مصيرهم، الأمر الذي يصنفه القانون الدولي على أنه جريمة ضد الإنسانية.وأعربت المنظمة  عن أسفها كون قوات الشرطة المصرية والأجهزة الأمنية هم من يمارسون تلك الجريمة،فضلا عن تواطؤ مرفق العدالة، رغم أنه منوطٌ بهم حماية المواطنين من التعرض للاختفاء تحت أي ظرف استثنائي كان بدلًا من المشاركة أو التذرع بالأساس في تلك الجريمة، وتتراكم حالات الاختطاف القسرى فى الأيام العشرة الأولى من شهر يونيو.

ماذا يعني أن تلجأ أجهزة الدولة والسلطة إلى عمليات اختطاف قسري ممنهجة ومنظمة أشبه بعمل العصابات الكبرى حينما تدبر وتخطط لهذه الأفعال، ماذا يمكن أن يكون شعور المواطن في ظل هذه الأوضاع المريبة الذي مع اتساع دائرة الاختطاف القسري يكون كل مواطن في هذه الدائرة خاصة مع إصدار قرارات من مؤسسات أمنية مرة فيما يتعلق بحقوق الضبط، ومرة أخرى في إطار اتساع دائرة الاشتباه، وفي كل الأحوال فإن المواطن يقع تحت سيف مسلط من التخويف والترويع ويجعله تحت طائلة الاختطاف حتى يتحول كل مواطن إلى شخص يتلفت حوله، وهي أقسى درجات يمكن أن تمارسها سلطة في التعامل مع مواطنيها خاصة إذا ما اقترن ذلك بأعمال تصفية جسدية خارج إطار القانون، إن هذه الحالة التي تحدث ليست إلا وضع الناس جميعا ليس فقط في سجن كبير ولكن أيضا في تعرضهم لاختطاف ممنهج قد تعقبه تصفية جسدية، ولا شك أن تلك جريمة مركبة آن الآوان أن نشير إلى خطورتها سواء على شكل علاقة المواطن بالسلطة وعلى طور خطير تقوم الدولة واللسطة فيه بعمل خطير يهدم كيان الأمن والمجتمع على حد سواء.

ألا أيها القرصان ارتدع، ياهذا الذي تسمي نفسك إمبراطورًا أو زعيمًا وتوجه إلى اختطاف الناس من بيوتهم أو من أعمالهم  أو من الشوارع، إن ما تقوم به لا يختلف كثيرا عن تصور الدولة كغابة، وتصور السلطة كعصابة، أما المواطن فهو الضحية والمجتمع يشرف على انهيار لأسسه التي يقوم عليها وعلاقاته الآمنة التي تحفظه ويحفظها، ألا سحقا للمستبد حينما يتخطى كل الخطوط الحمراء فيتحول وبطانته إلى “عصابة في غابة“.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023