“ابن عامل النظافة لن يصبح قاضياً… كتّر خير والده إنه ربّاه، وساعده للحصول على شهادة، لكن هناك وظائف أخرى تناسبه”، بهذه العبارة الطبقية الصارخة، خرج علينا وزير العدل المصري، المستشار محفوظ صابر، فى تصريحات ليست الأولى من نوعها، وإن كانت الأولى فى ضجتها الإعلامية التي تسببت في استقالة الرجل. الأغرب من تصريحات المستشار تبريراته الذي ساقها قائلاً: “القاضي له شموخه، ويجب أن يكون من وسط محترم مادياً ومعنوياً، وابن عامل النظافة لو أصبح قاضياً سيتعرض لأزمات عدة، ولن يستمر في هذه المهنة”.
هاجت الدنيا على الرجل وتصريحاته الطبقية العنصرية، فاضطر إلى تقديم استقالته، لكنه عاد ليؤكد تمسكه بتصريحاته بفضح المؤسسات الأخرى، من دون أن يقصد، قائلاً: “لو رجع بيا الزمن هاقول نفس اللي قولته… أنا بتكلم من الواقع ومبألّفش، هو ده اللي ماشي في القضاء والشرطة والجيش”. وبهذا، فقد كشف الرجل أن منطق مؤسسات الدولة الكبرى قائم على أساس طبقي بامتياز، وأن لغة هؤلاء المتصدّرين حبلى بمفردات العنصرية، وأسلوبهم يوزّع أوصاف الاحتقار والإهانة والاستخفاف.
ليست هذه المرة الأولى التي يصرح بها قاض أو مستشار في مصر بهذه التصريحات الطبقية، فقد صرح المستشار أحمد علي عبد الرحمن، النائب الأول لرئيس محكمة النقض وعضو المجلس القضاء الأعلى، بالتصريحات نفسها، في 13 سبتمبر/ أيلول 2014، في حوار تلفزيوني في برنامج “لازم نفهم” مع الإعلامي مجدي الجلاد. وقال المستشار: “طيلة فترة عملي في مجلس القضاء الأعلى، لم يكن المستوى الاجتماعي محل استبعاد لأحد المرشحين، لكننا لا نقبل ابن عامل النظافة في النيابة، بسبب حساسية منصب القاضي ووكيل النيابة”.
الأعجب من ذلك خروج بعض القضاة والمستشارين للدفاع عن تصريحات زميلهم، على الرغم من استقالته والهجوم الشديد الذي ناله، في إشارة إلى جرأة غير عادية لدى القضاة في التعبير عن العنصرية الطبقية ضد الشعب، مهما كان الهجوم، فهذا المستشار رفعت السيد، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق، حاول أن يبرر ما قاله الوزير بطريقة فقهاء الاستبداد الدستوري، فزاد الأمر سوءاً، أو زاد الطين بلّة، كما يقولون، قائلاً: “إذا كان الوالد موظفاً أو إمام مسجد، مثلاً، فأهلاً وسهلاً به. لكن، إذا تقدم ابن منادي سيارات، فهذا يعني أن والده بلطجي، لأن حقيقة عمله فرض إتاوات على الناس”. ثم أردف: “نتحدث بجزء من العقل، هل يستطيع عامل النظافه تعليم أولاده بـ300 جنيه مُرتب من دون أن يمد يده. شئنا أو لم نشأ، نعلم أن عامل النظافة يربي أولاده من الشحاتة. هل سمعنا بعامل نظافة لا يشحت؟ وهل الولد اللي متربي على الشحاتة يستطيع أن يقود مصير الناس؟ فالعِرق دسّاس”. “هل هذا المتسول يصلح أن يكون ابنه ضابط شرطة، أو ضابط جيش، أو دبلوماسياً أو قاضياً؟ قانونياً لا مانع، فالقانون لا يقول إن ابن المجرم أو العاهرة ما يتعيّنش وابن الزبال يتعيّن، الاتنين ما لهمش ذنب في وظيفة أو سلوك أو عمل والديهم. لكن، كعرف أو تقليد، لا يصح. لو مُتقدم لبنتك واحد أبوه وكيل وزارة، وواحد أبوه عامل نظافة، وواحد أبوه تاجر مخدرات.. تختار مين؟ في فرق بين إني أتشعبط في الأُتوبيس، وأروح الشغل أو أروح المكتب بتاعي بعربية، هيبة القاضي جزء من عمله”.
“يخشون الثورة، وهي قادمة لا محالة، وستعيد لكل ذي حقٍّ حقه، وعلى رأسهم ابن عامل النظافة الذي درجوا على تسميته، تسفيهاً وتحقيراً “ابن الزبال””
بعد أن انتهى المستشار من سوق حججه المتهافتة، راح يحكي حكاية، للتدليل على وجهة نظره، حكاية “دقدق وكيل النيابة”، وقال: “كان في حرامي محل إقامته في مدينة بنها، وارتكب جرائم سرقة، وقت أن كان طالباً في الإسكندرية، وصدرت ضده عقوبات بالحبس 13 سنة، هذا الولد المعروف بـ”دقدق” كمّل تعليمه، وكان نابغة زمانه، ودخل كلية الحقوق، وحصل على الترتيب الثالث على دفعته، بتقدير جيد جداً بمرتبة الشرف، وتقدم للعمل بالنيابة، وكتب محل إقامته بنها. وهناك لا يوجد أي بيانات عنه، والشرطة لم تعترض عليه، وتم تعيينه وكيلاً للنيابة في أسيوط، ومكث 3 سنوات، ثم بعد ذلك، من حقه أن يختار المحافظة التي يعمل فيها، فاختار الاسكندرية، ولأنه نابغة، أصبح مرموقاً هناك، ومن السرقة أصبح ثرياً. وذات يوم، ذهب إلى التفتيش في سجن اللبان، ودخل على مكتب المأمور، طالباً دفاتر المساجين والسماع إلى شكواهم. في هذه اللحظة، دخل مخبر قديم، فرأى وكيل النيابة يجلس على مكتب المأمور، ويشرب قهوة، فذهب إلى رئيس المباحث، قائلاً: إزاي دقدق يقعد على مكتب المأمور؟ فطلب رئيس المباحث سجل التنفيذ الخاص بالمتهم دقدق، فوجدوا صورته مطلوباً لتنفيذ الأحكام، واتضح أنه وكيل النيابة المذكور، وتم القبض عليه ورفده”. انتهت حكاية دقدق.
كان هناك من هو أكثر صراحة من المستشار السابق، وهو الإعلامي عمر أديب، فقد صرح قائلاً: “في حالة نفاق اجتماعي. المجتمع لا يحترم عامل النظافة، والحقيقة في مصر أن لا أحد يوافق على زواج ابنته من ابن عامل النظافة. الوزير كان بيقول الواقع والحقيقة. ومن الآخر كده، غالبية العاملين في القضاء أولاد قضاة، وابن عامل النظافة لن يدخل القضاء، حتى بعد إقالة وزير العدل”. وأضاف: “هدخل في المحظور، وأقول إنه في جهة في مصر هي اللي بتختار القاضي، وهذه الجهة لا يسيطر عليها أحد، لا رئيس ولا وزير ولا أي حد”.
هكذا تنظر دولة الأسياد والعبيد إلى الشعب، فتصنفه إما زبالين أو فلاحين أو بلطجية أو شحاتين أو تجار مخدرات أو عاهرين وعاهرات. هذه تصنيفات الشعب في قاموس دولة الأسياد. لهذا، دعني أبوح لكم بسر خطير؟ لهذا يخشون الثورة، وهي قادمة لا محالة، وستعيد لكل ذي حقٍّ حقه، وعلى رأسهم ابن عامل النظافة الذي درجوا على تسميته، تسفيهاً وتحقيراً “ابن الزبال”، وما هو في الحقيقة بذلك، بل ابن عامل يجمع نظافة أو زبالة بيوتنا جميعاً، بما فيها القضاة، ولو تأخر عدة أيام، لفاحت رائحة القمامة في منازل من يحتقرونه ويسفّهون من شأنه. لا تحزن يا ابن عامل النظافة، فالثورة آتية، وستقر عينك وأعين والديك بما تستحقه، وسيعلم هؤلاء أن شعب مصر “مش زبالة”.