يوم فوز محمد مرسي على أحمد شفيق في انتخابات الرئاسة في مصر، بكى حسام على الهواء، لا فرحا بفوز مرسي على خصمه (المباركي) بامتياز، بل على شهداء شارع محمد محمود الذين كان من بينهم بطلا وصديقا.
كان حسام معارضا شريفًا للإخوان المسلمين، وهم في صهللة نشوتهم بانتصارٍ انتظروه، بعد شقاء ثمانين سنة. كان يمكن له أن يبحث عن مكان في لجنة وضع الدستور أو غيره، لكنه فضّل ألا يترك “محمد محمود”، والأغرب، بل الأقرب إلى سجيّة الفرسان، وليس سجية لاعقي الصحون على كل الموائد، حينما أُزيح “الإخوان” عن الحكم، وقف معهم في ميدان رابعة العدوية معلنا عن جوهره النبيل، وحينما سأله أحد المقربين: الغريب أن أراك هنا، رد عليه حسام بحسم ويقين: بل الأكثر غرابة ألا أكون هنا.
ودفع الرجل الثمن كاملاً إلى هذه اللحظة، ذلك هو الحسم بيقين من يرى، ويصبر احتسابا وبطولة، حينما قال: (نحن يا سادة، إما أن نعيش كالفرسان أو نموت كالأسود). هذا هو حسام أبو البخاري، بلا زيادة ولا نقصان.
أما حسام الباحث عن المعرفة، فحافظ ودارس كل الأناجيل، يكفي أن تعرف أنه سافر إلى أميركا خصيصا كي يتطلع على النسخ الإنجيلية التي لا توجد إلا هناك، لا ليجلس في فنادق خمس نجوم على حساب الإدارة المصرية من أموال الفقراء للدعاية لشيكولاته السيسي وعيونه الغزلاني وأسنانه السلطاني، كما تفعل يسرا وحسين فهمي، وللأسف، الثائر السابق الذكر، كمال أبو عيطة. في “رابعة” أصيب برصاصة في فكّه، فتُرك في دمه ظناً أنه مات. ولكن، حينما وصل إلى مستشفى التأمين في اليوم نفسه، أبلغ عنه طبيب خسيس، فتم اعتقاله من المستشفى، ولفّ السجون من (أبو زعبل 1) إلى (أبو زعبل 2) إلى (استقبال طره) وأخيرا استقر في سجن العقرب. وفي السجن يقرأ ويتأمل ويكتب، كأي مثقف حر، لا لعق صحن (إخوان) ولا هادن سلطة، بل وقف مع الحق من “محمد محمود” إلى “رابعة”.
وفي تأملاته يقول: حين يمر في ذهني كل هذا، أتذكّر جدلية الفيلسوف البريطاني روتشيه التي تقول: لو أمكن لجسدك أن يتحمل البقاء ألف عام، فإن هذا الجسد، في واقع الأمر، تسكنه سلسلة من الأشخاص على مدار الزمن، وليس شخصاً واحداً مستمرا. فلو أنك وضعت شخصاً في السجن، لارتكابه جريمة ما وهو في الأربعين، فقد يصبح فعليا شخصا آخر، مختلفا كل الاختلاف عندما يبلغ التسعمائة والأربعين، ما يعني، عملياً، أنك تعاقب شخصاً على جريمة ارتكبها شخص آخر غيره، أغلبنا سيرى هذا ظلما. تسأل نفسي جسدي، ويتجادل عقلي مع روحي. هل يا ترى أنا هو هو؟ أم أنا هو آخر؟ هل ما زلت أنا ذلك الشخص الذي قُبض عليه من “رابعة” أم أصبحت إنسانا آخر كما يجادل روتشيه).
إنه نموذج من شباب متأمل في سجون عبد الفتاح السيسي الذي حلم أن سيفا أتاه ليلا، وقد كُتب عليه: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) بالخط الأحمر. نموذج من عقول طاهرة، سجنها نظام اتخذ من توفيق عكاشة ومرتضى منصور حائطي صدّه في قناةٍ تموّل من الشؤون المعنوية للقوات المسلحة. إذن، من المنطقي جداً أن يكون هناك اللواء عبد العاطي وباقي إخوته في الكفتة، ابتداء من الثائر كمال أبو عيطة حتى حمادة المصري، ومن المنطقي جدا أن يظهر له السيف الأحمر ليلا.
هل نحن في زمن خسيس ونادر أيضًا؟ أو كما أنهى حسام أبو البخاري تأملاته في توصيف ما آلت إليه الأمور، بعد الأسف له: نحن قدر الله في هذا العالم.