في واقعة حمادة المسحول أمام قصر الاتحادية، كانت الصورة تتحدث، الشرطة تسحل مواطنا، تخلع عنه ملابسه، تصلب كرامته، المطلوب هو سقوط كل شرعية للثورة وللنظام، أن يقول الناس: وما الفارق بينهم وبين مبارك؟، سحلوا الرجل، وعدموه العافية، الظلمة، أولاد الكلب، يذهب حماده إلى المستشفى، تتبعه الكاميرات، يدلي بأقواله: الشرطة سحلتني.
تنتهي الليلة، تنتشر الإشاعات عن زيارة غامضة لرجل من رجال النظام بليل، استرضوه، دفعوا له، يريدون تطبيخ المسألة، تماما كما يقول الكتاب،هنا يستدعي المتابع آلاف المشاهد العالقة بذهنه لطغاة يشترون كرامة الناس بأموالهم، ويزداد اشتعالا وغضبا.
يكتمل المشهد: يظهر حماده .. ويغير أقواله !!!
ما الذي حدث، أبدا، حماده قال بالأمس أن الشرطة سحلته، اليوم يقول أنها لم تسحله، معدو جميع القنوات استطاعوا أن يصلوا إلى أرقام زوجة حماده، وابنته، وابنته الثانية، وعمه، وابن عمه، وجاره، وزوجة جاره، وأخيها، أخو زوجة جاره، إي والله !!!
عمرو أديب جاب البنت على الخط، وجاب أبوها، وأوقفهم قصاد بعض، الرجل يقول لا أذهب للمظاهرات إلا للفرجة، ولم يضربني أحد، والبنت تقول ضربوك يا آبه، حرام عليك يا آبه، قول الحقيقة يا آبه، ابنته الثانيةتقول مثل أبيها وأختها معا !!، لم نذهب للمظاهرة، القنوات قالوا لنا قولوا كده عشان بابا يخرج!!
عمرو أديب “يبرق” للشاشة كأنه اكتشف الخديعة، وجاب قرار الموضوع، يسأل عيال حماده: رحتوا الاتحادية؟ البنت الأولى: أيوه، البنت الثانية: لا يا عمو!!
في مرقدهم السعيد يشاهدوننا، صلاح أبو سيف غير مقتنع، توفيق صالح يخمن، حماده مع الإخوان؟ حماده مع الدولة العميقة؟! فطين عبد الوهاب يصدق، الإخوان فعلوها إذن، أما كمال الشيخ فيفكر في شكل “الفينالة” !!
أنت الآن مواطن يتابع، ما رأيك في حماده؟ غلبان يا عيني، وما رأيك في الإخوان والشرطة؟ أولاد ستين كلب، ضربوا الرجل وهددوه، أغروه بالمال، مبيض محارة غلبان، خاف منهم، خاف على نفسه، طمع في الفلوس، تاجروا بفقره، وهكذا.
نحن نتعامل مع نظام يتصرف بشكل علمي ومدروس، كما يقول كتاب الثورات المضادة، لوأد الثورة، وتحطيم نفسية الثوار، والقضاء على أي مصداقية لهم عند الناس، لو بذل العساكر في خدمة الناس نصف ما يبذلونه في تزييف وعيهم لنالوا تأييدهم، ورضاهم، وتفويضهم الأبدي!
فيلم وثائقي،المندس“، يكتشف الحقيقة، هذه هي صورة حماده واقفا في كل مظاهرات “احنا آسفين يا ريس”: حماده رجل أجهزة الأمن، منهم، أم من الغلابة الذين يستأجرونهم؟، لا فرق، هو معهم، على كل حال، هكذا يكشف الفيلم أن كل ما فات لم يكن إلا فيلم، ملعوبة، وشربناها.
الآن .. هل كنا أغبياء؟ ربما، لكننا لم نخطيء في التعاطف مع حماده، كاتب السطور كتب قصيدة وهو يبكي على كرامة المصري المسحولة، قصيدة عن حماده، شفت الحلاوة، الحق أنها حلاوة فعلا، لا يدعو الأمر إلى السخرية، إنما إلى التأمل، دولة قذرة، وثوار أخلاقيون، اللوم ليس على الدولة، لأننا نعرف قذارتها، ولا على ثائر رأي أمامه مسحولا فتعاطف، اللوم على من تصدر ليمثل الثوار في صراعهم أمام هذه الدولة دون أن يذاكر كتاب الوساخة!!
والآن فاطمة الأمنجية، يبالغ البعض، ويحمل الحقوقي والإعلامي هيثم أبو خليل مسئولية ما حدث، على العكس، لو كنت مكان أبو خليل لتصرفت مثله، لو كان أي واحد محترم مكانه لما فعل إلا ذلك، فتاة تستغيث على الهواء وتتهم الشرطة باغتصابها، الرجل تأكد من كونها شخصية حقيقية، تتهم أحدهم بصفته وشخصه، ضابط بوليس واسمه محمود الحسيني، أعطاها الفرصة، وقال إنه على استعداد لاستقبال مكالمة من الضابط ليوضح موقفه، ما المطلوب أكثر من ذلك؟
والله العظيم لا أعرف هيثم أبو خليل، ولا عمري شفته، إلا على الشاشة والفيس بوك طبعا، إلا أن المسألة تحتاج إلى بعض التفكير، هم يريدون الطعن في شرعية الثورة عند الناس، وأخلاقية أصحابها، لدينا أكثر من 50 حالة اغتصاب، هم يعرفون جيدا أن الاغتصاب يحدث، وأن الجرائم الأخلاقية أكثر تأثيرا في الناس من سواها، يأتون ببنت أمنجية ويلفقون حدوتة جديدة يظهر معها أن الثوار كذابون، ويصدق الناس وينتهي الأمر، كلما سمعت عن واحدة تغتصب في السجون لا تهتم، أكيد إخوانية وتكذب!!!
ما الذي يجعل هذه الرواية صحيحة؟ لماذا لا يكون الثوار فعلا كذابين أولاد كلب، كلام فاطمة نفسه، فاطمة ظهرت على الشاشة مع هيثم أبو خليل تصرخ أن الضابط اغتصبها، والرجل بوصفه حقوقي ساعدها، جاءته آلاف الرسائل إنها أمنجية وسلمت ناس، وشوهدت مع ضباط، لم يعبأ بها، قال لمن يراسله، افرض إنها أمنجية واغتصبها الضابط لأنها لم ترشد كما ينبغي أو ليكسرها وتظل مضطرة للتعامل معه أو لأي سبب، ماذا علينا أن نفعل، تجاهل كل النداءات المتهمة للبنت والتفت لاستغاثتها، هي الآن تقول أن أحدا لم يغتصبها وأنها تلقت مكالمة من مجهول، وهو إخواني من لندن، مجهول وإخواني، (الصبح بالليل)يطلب منها أن تقول إنهم اغتصبوها، ففعلت ذلك على الفور لأنها كانت عايزه الشهرة!!
طيب، ما الذي حدث؟، أبدا، ضميرها استيقظ، مصر تستيقظ، أحست بالندم، وماذنب الضابط؟ تابت!
إذن البنت التي اعترفت على نفسها بأنها اغتصبت، وجاء أخوها ليؤكد أنها اغتصبت، والبلد انقلبت، تحملت كل هذا، وتحمل أهلها، في مجتمع شرف البنت فيه أهم من أنبوبة البوتوجاز، فجأة ضميرها استيقظ لأن الضابط الغلبان صعب عليها!!
الذين اتهموا الشيخ القرضاوي (87 سنة) أنه شارك في تهريب المساجين من وادي النطرون يوم 28 يناير في نفس الوقت الذي كان الرجل يخطب فيه الجمعة على المنبر في الدوحة، واستمروا في القضية ولم يعبأوا بأنها لا منطقية، ذلك لأن من يريد أن يصدق سيصدق أي شيء، هم أنفسهم من جاءوا بـ فاطمة ورتبوا الحكاية، دون أن يهتموا بالحبكة، أي كلام يا عبد السلام،قلت لك سيصدق من أراد أن يصدق، اعترافات البنت جاءت كوميدية في أسبابها وفي تفاصيلها، الضباط لم يغتصبوها، لكنهم ضربوها، ليس لأنهم مفترون، ولكن لأنها تستحق الضرب لأنها استفزتهم وقالت لهم إنهم ضباط بـ 50 بالمئة فضربوها، غصب عنهم، في الجملة ذاتها وقبل أن ينتهي السطر فاطمة قالت إن الضباط كانوا يعاملونها باحترام، وجابوا لها أكل وشربوها!!
حماده المسحول: ضربوني، لم يضربوني، ضربوني، فاطمة: اغتصبوني، لم يغتصبوني، ضربوني، احترموني!!
لا يحتاج الأمر إلى فيلم آخر مثل المندس لكشف حقيقة فاطمة، قبل هاشتاج اغتصاب فاطمة، وبعد أن فجر الحقوقي هيثم أبو خليل قضيتها مباشرة، كان مئات الشباب يصرخ على مواقع التواصل: فاطمة أمنجية وكذابة، نحن نعرفها، رأيناها بأعيننا تتعامل مع الأمن وتسلم زملائنا، ومع ذلك هيثم أبو خليل قاد حملة لمساعدتها، وقال لمن أخبروه أنها أمنجية: “عايزين نغير من نفسنا ونتعامل بسلامة صدر و انسانية مع الناس خاصة من يستثغيث بنا وسوء نيته وفساده عليه وليس علينا”
بعض الأسئلة:
فاطمة قالت إنها اغتصبت، ورجعت لتقول إنها لم تغتصب، ما الذي يضمن صدقها، في الحالتين؟، اعرضوها على الطبيب الشرعي، وأخبرونا !
فاطمة اتهمت الضباط باغتصابها، ثم برأتهم، ثم قالت إنهم ضربوها، ثم قالت غصب عنهم لأن أنا مستفزة بصراحة، في مجتمع مثل مجتمعنا لا يغفر الناس للبنت أبدا، حتى لو اغتصبت،يحملونها هي المسئولية، ويمتنعون عنها، تنفضحأضف إلى ذلك عداء أجهزة الدولة، خاصة الشرطة، راحت البنت في داهية، الحل الأمثل أن يكسب الجميع، البنت وأهلها والشرطة، لماذا لا تكون الشرطة قد عرضت على فاطمة وأهلها كل شيء، أمام تراجعها، لم يغتصبني أحد، 3 كلمات، وتحمي نفسها، من الناس، ومن الشرطة، ومن وجع القلب، أليس ذلك أكثر منطقية؟
هل من حق الضباط الاعتداء بالضرب على بنت لأنها تخبرهم أنهم نجحوا بخمسين بالمئة؟ أتحدث عن الله يرحمه القانون!!!
بص يا صديقي، لو وجدت شخصا مغمى عليه في الشارع، قف وخذه في سيارتك إلى المستشفى، ستجد من يخبرك بأنه قد يكون لصا، سيعتدي عليك، سيسرق سيارتك، كل هذا وارد، إلا أن غير الوارد على الإطلاق هو أن تظن أن تمسكك بأخلاقك ليس له ثمن!!
أخيرا: تحياتي للفارس هيثم أبو خليل الذي أدعوه في حالة تكرار ما حدث أن يكرر ما فعل ألف مرة ولا يبالي، فقد تصرف بمنتهى النبل والشرف، وهذا ما يليق به، وبنا، وبكل من نزل يوما ليأتي بحق فاطمة، ولو كانت أمنجية!
المصدر :شبكة مباشر مصر