في مظاهرة سيدات نادي الجزيرة تضامناً مع كلب شارع الهرم الذي ارتكبت بحقه جريمة ذبح بشعة نفذها مجرمون من دون جدال، وقفت إحداهن تحمل لافتة مكتوب عليها: "أنا بنت الكلب اللي مات!".
صادم، لكنه مفهوم، مع وحشية المشاهد التي رأيناها على مواقع التواصل، تحركت سيدات الطبقة "الإيليت" رفقاً بالحيوان، شعور نبيل، بعدها بأيام اقتحمت الشرطة بيت مواطن مصري في محافظة الجيزة وقتلته، وأطلقت الرصاص على كلبه، وقتلته هو الآخر، من دون أن يتحرك أحد، لا من أجل الكلب، ولا من أجل صاحبه!
لا تحاول هذه السطور أن تتساءل عن أولاد الكلب الذي استحق الرثاء لأن قتلته بلطجية، فيما لم يستحق الالتفات حين قتلته السلطة، إنما تحاول أن تشير إلى نوع آخر أكثر خطورة، ذلك الذي تسلّل عبر صفوف الثوار، وحُسِب عليهم، إما لغرض، أو لأن ظروفه الاجتماعية، والوظيفية لم تترك له مجالاً أن يكون مع الطرف الآخر.
هؤلاء رأيناهم في عام حكم الإخوان، معارضين أشاوس، حتى كان المرء يتساءل، أين كانوا أيام مبارك، لله در الثورة، ظنناهم كانوا يائسين حتى جاءت رياح يناير بما تشتهيه السفن، فتزحزحوا.
قبل أن نكتشف حقيقة "حمادة" المسحول في أحداث الاتحادية، وكونه من "المواطنين الشرفاء" الذين تستأجرهم الداخلية، كان الخطاب المصاحب لمشهد سحل المواطن "حمادة" يكشف عن حساسية حقوقية وثورية شديدة الرهافة، اليوم تغتصب "فاطمة"، 18 عاماً، يغتصبها ضابط وأمين شرطة، داخل قسم المرج، ويعذبها آخر في قسم المطرية، بعد أن يخبرها بأن عليها أن تحمد الله لأنها لم تخرج "حاملاً"، فأين ذهب أولاد الـ"حمادة"؟
في عام الإخوان، وقبل أن يتبين أن كل ما قرأناه، وسمعناه، حول بيع مصر، وآثارها، وأهراماتها لقطر محض كذب، تنافس المتنافسون في إظهار العرق المصري الساخر حتى الموت، من مرسي وجماعته، أغانٍ، كاريكاتورات، كوميكس، كلها تتحدث عن بيع البلد، وتضع حاجزاً من الممانعة أمام مجرد تخيل أي تعاون بين القاهرة والدوحة، ولو في إطار المصالح المتبادلة، والمشروعة!
الآن، يرفع الدعم، ترتفع أسعار الوقود، السلع الأساسية نار، أراضينا إلى "عيال زايد"، مؤتمر اقتصادي يقنّن بيع البلاد للمستثمرين الأجانب، مصر في أسواق النخاسة، الأغاني مستمرة، وما يصاحبها، كل شيء كما هو، لكن في مواجهة من يرتفع صوته بالمعارضة!
لا شك في أن كثيراً من ممارسات الخطاب الإخواني كانت تجنح إلى تديين السياسة بشكل غير مقبول، فالصكوك: إسلامية بالضرورة، ومظاهرات تأييد النظام: هي دعم للشريعة، وشرعية الرئيس: ليست ديمقراطية فحسب، وإنما قرآنية أيضاً، بحسب الداعية السلفي الذي منح الشرعية نفسها للسيسي في ما بعد.
واجه هذا الخطاب أكبر حملة للتوعية بالفارق بين الدعوي والسياسي، وتجرد الجميع للدفاع عن حقيقة الدين التي يزورها الإسلاميون، هذا دين لا نعرفه، وفق قول باسم يوسف، لله المشتكى من الإخوان، بحسب الشيخ كريمة، ليسوا إخواناً وليسوا مسلمين، انتزعوها من زمان البنا، وسياقة لكل شاردة أو واردة تتعلق بالإخوان الآن، وكأنها شهادة مرشدهم عليهم، طحنوهم طحناً.
الآن انتقلنا من تديين السياسية إلى أحط درجات تسييس الدين، فمن تواتر الرؤى عن النبي بتأييد السيسي، مروراً بكونهما، السيسي ووزير داخليته، رسولين ابتعثهما الله كما ابتعث موسى وهارون، وحتى حق السيسي الشرعي بأن يفقأ أعين معارضيه، فأين من كانوا بالأمس القريب حماة الوجود الإنساني من شر الوسواس الإخواني؟
الأمثلة تطول، ولا يتسع المقام، حتى الخيال السياسي في صك مصطلحات، وترويج ألقاب، من شأنها النيل من مرسي وحزبه، مثل "سيئ الذكر"، و"العياط"، و"هاتولي راجل"، غابت، نضب الخيال، وتوقف تماماً مع الجنرال، ولم نعد نسمع إلا همساً!
أقول: إذا كان بعضهم يعتقد أنه لا يحق لطرف أن يطالب آخر بإبداء الرأي، وتوضيح الموقف، في كل ما يحدث، فليس أقل من أن نسائل من سبق وتورطوا في ذلك بالفعل، وباختيارهم، أين هم الآن، أين ذهب أولاد الكلب؟!
نقلا عن العربي الجديد