أعادت المشاهد الصادمة لتنظيم الدولة الاسلامية “داعش” خلال تحطيمه التماثيل الأثرية في العراق وتدمير تراث مدينة الموصل الثقافي، مشاهد الغزو المغولي حين جعل من كتب بغداد جسرا لخيوله لتمر على نهر دجلة.
ومنذ غزو المغول، تحول التراث الثقافي للعراق جسدا منهكا ومستباحا لقوى الظلام والاحتلال، فمع قدوم جيش الاحتلال الأمريكي لغزو العراق عام 2001، تعرضت آثار العراق للسلب والنهب، والتي أعيد منها فقط 1200 قطعة مع نهاية عام 2010، من بين الاف القطع اللآثرية التي استباحها الغزاة.
كما وثقت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” في تقرير يقيم الأضرار في موقع بابل الأثري “أحد عجائب الدنيا السبع”، استخدامه كقاعدة عسكرية لقوات التحالف من عام 2003 وحتى عام 2004، وهو ما يمثل تجاوزات اعتبرها تقرير المتحف البريطاني “أشبه بإنشاء معسكر يحيط بالهرم الأكبر في مصر أو بموقع ستونهينغ في بريطانيا العظمى”.
وبدا في مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، تدمير تنظيم داعش لآثار الموصل، وأظهر الشريط قيام عناصر التنظيم بتدمير آثار يعود تاريخها إلى آلاف السنين في متحف مدينة الموصل، ورمي التماثيل وتحطيمها، واستخدام المطرقات لتكسير بعضها وآلة ثقب كهربائية لتشويه تمثال آشوري ضخم لثور مجنح، يقع عند بوابة نركال في الموصل.
ومن جانبها دعت “يونسكو” إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي إثر نشر تنظيم الدولة الإسلامية داعش شريط فيديو يظهر فيه عناصر من هذا التنظيم وهم يدمرون آثارا في مدينة الموصل شمالي العراق.
وقالت مديرة المنظمة إيرينا بوكوفا إن هذا الاعتداء هو أكثر بكثير من مأساة ثقافية، بل إنه شأن أمني أيضا يغذي الطائفية والتشدد العنيف والنزاع في العراق.
الدكتور محمد رأفت عباس، الباحث في علم المصريات والخبير في الاثار، قال إنه من المؤكد أن ما قام به عناصر تنظيم داعش من تدمير مجموعات هامة من الاثار الاشورية والاكادية فى الموصل يعد جريمة حضارية كبرى بكل المقاييس، لا فى تاريخ العراق القديم فحسب بل فى تاريخ وتراث الانسانية جمعاء.
وأضاف في تصريح لـ”رصد” أن هذه الجريمة قد أعادت إلى الأذهان ما فعله مخربو المغول فى العصور الوسطى من تدمير لمكتبة بغداد، التى جعلوا من كتبها جسورا تعبر به خيولهم أنهار العراق بعد ذبح الاف المسلمين إبان غزوهم.
وتابع أن الإسلام عبر تاريخه الطويل والمديد عمل على احترام الحضارات والثقافات المختلفة فى كل البلدان التى فتحها ونشر فيها رسالة العلم والايمان والحضارة والتقدم، فإن الأمة التى حملت أولى كلمات كتباها كلمة اقرأ، لاتتخذ من تدمير كفاح الانسان والحضارات والشعوب سبيلا، وإن هؤلاء الجهلة والمتطرفين الذين يحاولون الترويج لهذه الأفعال البربرية والهمجية تحت مسميات كاذبة يدعون أنها وردت فى سيرة النبى صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام ، هم كاذبون مدلسون يسيئون للإسلام ولحضارته وتاريخه بأكثر مما يفعل أعداء الأمة.
واستنكر “عباس” هذه الأفعال الهمجية التى مست تراث وتاريخ العراق القديم، مؤكدا أن هذا التراث الانسانى ملك للعالم بأثره، ويجب أن تتضافر كل الجهود حتى لا تتكرر مثل هذه المآسى مرة أخرى