شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

عن أسطورة الدعم العربي للفلسطينيين – خليل العناني

عن أسطورة الدعم العربي للفلسطينيين – خليل العناني
كشفت الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة كثيراً مما كان مستتراً في العلاقة بين العرب والفلسطينيين، طوال العقود...

كشفت الحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة كثيراً مما كان مستتراً في العلاقة بين العرب والفلسطينيين، طوال العقود الثلاثة الماضية. وقد فككت هذه الحرب، ولا تزال، أساطير عديدة صنعتها ماكينة الدعاية الإعلامية الرسمية، ورسختها مناهج الدراسة والتعليم في عقول العرب عقوداً. ولعل أهم هذه الأساطير الدعم العربي للفلسطينيين. وهي أسطورة نشأت وترعرعت عليها أجيال عربية منذ خمسينيات القرن الماضي، بيد أنها سقطت الآن رمزياً وعملياً.

 

فمنذ حرب عام 1948، والتي دخلتها ست دول عربية، هي مصر والأردن والعراق والسعودية وسورية ولبنان، رداً على إعلان قيام دولة إسرائيل في 14 مايو/أيار 1948، لم تخض أية دولة عربية حرباً نيابة عن الفلسطينيين، أو رغبةً في تخليصهم من الاحتلال الإسرائيلي. فالحروب الثلاث الكبرى التي وقعت، طوال النصف الثاني من القرن العشرين أعوام 1956 و1967 و1973، كانت حروباً قُطرية، وذات أهداف داخلية ومحلية بامتياز. فحرب 1956، والتي تعرف بالعدوان الثلاثي على مصر الذي شنته فرنسا وبريطانيا وإسرائيل كان بسبب إعلان الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، تأميم قناة السويس، وقد خسرت مصر الحرب عسكرياً، لكن عبد الناصر كسب سياسياً، وأصبح بطلاً قومياً، ما ساهم في دعم شعبيته ووزنه داخلياً وخارجياً.

 

في حين كانت حرب 1967 التي دخلتها مصر والأردن وسورية بمثابة رد فعل على العمليات العسكرية العدوانية الإسرائيلية داخل الأراضي الأردنية (معركة السموع في نوفمبر/تشرين ثاني 1966) والسورية (التوغل الإسرائيلي في الجولان أوائل عام 1967)، ناهيك عن محاولة عبد الناصر تأكيد زعامته العربية، خصوصاً في ظل صراعه مع ملك السعودية، فيصل بن عبد العزيز. أما حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 التي شاركت فيها مصر وسورية، فقد كانت بهدف تحرير أراضيهما (سيناء والجولان) التي تم احتلالها في حرب 1967، وليس بهدف تحرير الأراضي الفلسطينية. وعلى الرغم من أن هذه الحروب موثقة تاريخياً، من حيث الأسباب والملابسات، إلا أن الإعلام الرسمي العربي الذي كان تديره الأجهزة السيادية، كالمخابرات وأجهزة الأمن، عمل على تكريس أسطورة الدعم العربي للفلسطينيين، من أجل أهداف خاصة ببقاء الأنظمة العربية، ولا علاقة لها بالحقوق الفلسطينية.

 

ولعل من أهم جوانب "أسطورة الدعم العربي للفلسطينيين" ما يتعلق بالدور المصري، وحقيقة الدعم الذي قدمته الأنظمة المصرية للقضية الفلسطينية، طوال العقود الأربعة الماضية. وهو دور تحول في الوعي الجمعي المصري إلى نوع من "المنّة" و"التفضُّل" على الفلسطينيين، على نحو ما أشار إليه الرئيس الجديد، عبد الفتاح السيسي، قبل أسبوعين، حين قال في أحد خطاباته إن مصر "قدمت 100 ألف شهيد لفلسطين".

 

وهي مقولة، فضلاً عن فجاجتها ووقاحتها، فإنها أيضاً كاذبة، ولا تعبر عن الحقيقة، لسببين رئيسيين، أولهما أن كل الحروب التي خاضتها مصر مع إسرائيل كانت، كما أشرنا آنفاً، لأهداف مصرية خالصة، وليست بهدف تحرير فلسطين من أيدي الإسرائيليين.

 

وثانيهما أن أعداد القتلى في جميع الحروب الأربعة التي خاضتها مصر مع إسرائيل، بدءاً من حرب 1948وحتى حرب 1973، لا يتجاوز، بأي حال، نصف ما ذكره السيسي. فعلى سبيل المثال، شاركت مصر في حرب 1948 بحوالي 10 آلاف جندي من بين نحو 20 ألف جندي عربي، وكان حجم خسائر الطرف العربي كله، وليس المصري فقط، ما بين 8 آلاف إلى 15 ألف جندي. وفي حرب 1956 خسرت مصر حوالى 3 آلاف جندي، وفي حرب 1967 كانت الخسائر البشرية ما بين 10 آلاف إلى 15 ألف جندي، أما في حرب 1973 فقد كان عدد من استشهدوا حوالى 8 آلاف جندي وضابط.

 

وقد بدأ فك الارتباط الحقيقي بين الأنظمة العربية والقضية الفلسطينية منذ وقع الرئيس الراحل أنور السادات سلاماً منفرداً مع إسرائيل، أواخر السبعينات، وقدم فيها تنازلاتٍ غير مسبوقة لتل أبيب، فيما يخص القضية الفلسطينية، بتوقيع معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979. وقد لعب السادات بورقة الفلسطينيين في مفاوضاته مع الإسرائيليين في "كامب ديفيد"، وجاءت معاهدة السلام خالية من أية التزامات إسرائيلية بالانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي المعاهدة التي رآها بعضهم بمثابة "استسلام" مجاني لإسرائيل، في حين سماها وزير الخارجية المصري، آنذاك، محمد إبراهيم كامل، "مذبحة التنازلات"، وهو ما دفعه لمعارضتها والاستقالة على إثرها.

 

في حين استغل حسني مبارك، لثلاثين عاماً، القضية الفلسطينية، من أجل دعم بقاء نظامه، وشراء رضى أميركا وإسرائيل التي كانت تعتبره "كنزاً استراتيجياً".

 

وحقيقة الأمر، أن ما حدث هو العكس، فقد كانت القضية الفلسطينية، ولا تزال، بمثابة إحدى الأدوات الأساسية لبقاء بعض الأنظمة العربية ودعمها. فهي بالنسبة للبعض بمثابة "دجاجة تبيض ذهباً"، وتفتح عليها باب المساعدات الإقليمية والدولية، في حين كانت بالنسبة للبعض الآخر بمثابة ورقة سياسية مهمة، لدعم شرعيتها داخلياً وخارجياً.

 

الحرب الإسرائيلية الحالية على غزة لم تسقط فقط أسطورة الدعم العربي لفلسطين، بل كشفت، أيضاً، حجم التواطؤ والتآمر الذي تمارسه أنظمةٌ عربية ضد القضية الفلسطينية والفلسطينيين، والذي يفاخر به، الآن، علناً، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو. وهو أمر، بحد ذاته، ينسف كل الدعاية الرسمية الكاذبة بشأن دعم الفلسطينيين وقضيتهم.

 

بيد أنه إذا كانت الأنظمة العربية قد وظفت القضية الفلسطينية، من أجل تحقيق مصالحها الخاصة، فإن الشعوب العربية كانت، ولا تزال، بمثابة الداعم الحقيقي والصادق للفلسطينيين، وهو ما يجعل جذوة الأمل قائمة في إمكانية تحريرهم من ربقة الاحتلال الإسرائيلي.

 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023