لا يمكن لأي حركة من حركات المقاومة أن تنجح دون ظهير شعبي قوي يحمي ظهرها ويقوي عزمها ويعينها على كفاحها وجهادها ضد أعدائها، وهذا ما نجحت فيه حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركات المقاومة العاملة معها في قطاع غزة، فالقطاع المحاصر منذ ثماني سنوات بدا وكأنه على قلب رجل واحد في مواجهته غير المتكافئة مع الكيان الصهيوني ولعل ذلك هو سر صمود القطاع حتى الآن طيلة ما يقرب من ثلاثة أسابيع من القتال مع واحدة من أكبر دول العالم تقدما في السلاح والتكنولوجيا لكن ذلك كله انهار أمام صمود الشعب الفلسطيني وتماسكه في قطاع غزة .
لم يجد الصهاينة ما يقومون به أمام تماسك الشعب وقوة المقاومة ومفاجأتها وتدريبها واستعدادها العالي والمنقطع النظير سوى كثافة النيران وتدمير أحياء كاملة على رؤوس أهلها في حرب وحشية عبثية اعتقادا منهم أن هذا يمكن أن يؤلب الشعب على المقاومة ويؤدي إلى انقسام يجبر المقاومة على الرضوخ لمطالب إسرائيل بوقف القتال دون ثمن، لكن الشعب الذي علم العالم معنى الصمود والصبر طوال ثماني سنوات من الحصار يعلم العالم درسا جديدا في معنى التضحية والصبر وثمن الحرية.
عشرات أو مئات ظهروا على شاشات التلفزة من رجال ونساء وأطفال وكبار وصغار وقد فقد كل منهم جزءاً من عائلته أو عائلته بأكملها وهو يحمد الله ويشكره على كل حال، حالة من الصبر والثبات والرضا والاحتساب عند الله في وقت الشدة وفقدان الأحبة وفلذات الأكباد لا تجدها إلا عند الذين صبروا على أذى الأعداء وعلى تواطؤ الإخوة والجيران.
لم يقف كثير من الناس عند حالات الرضا والصبر هذه كثيرا لأنهم شاهدوها في مجمل الأحداث لكن لو قام أي من الزملاء وجمع هذه اللقطات إلى جوار بعضها البعض لأمهات فقدن فلذات أكبادهن أو رجال فقدوا كامل عائلاتهم أو تلك العجوز التي تحمد الله أن وجدت زوجها شهيدا تحت الأنقاض أو تلك الأم التي تحتضن رضيعها وتودعه بدموعها وهي صابرة محتسبة أو الذي يقول إن أبي في التسعين وقد قضى شهيدا وخالي جاوز المائة وقد قضى شهيدا، أو التي فقدت ولدها الوحيد أو التي تقول لا نريد منكم شيئا أيها العرب يا من خذلتمونا نحن لا نريد سوى من إخواننا في الضفة وأراضي فلسطين 48 أن يقفوا معنا، أو الجرحى الذين يرفضون الذهاب للعلاج في مصر بعدما ثبت أن أجهزة الاستخبارات المصرية التي تعمل مع العدو الصهيوني تعتقل بعض الجرحى أو تعذبهم بغية الحصول على معلومات عن الأنفاق وصواريخ المقاومة وأماكن انطلاقها، وأن الذين خرجوا هم بعض العجائز والمصابين المدنيين العاديين، أما بقية الجرحى فإنهم يرفضون الذهاب للعلاج مع نظام يدعم الصهاينة ويشدد عليهم الحصار.
لم يظهر فلسطيني واحد ناقم حتى الآن على الأقل فيما شاهدنا على شاشات التلفزة، حالة الرضا والدعم للمقاومة والكراهية والدعاء على إسرائيل والخونة العرب هي السائدة، كما أن جرعة الإيمان والصبر والرضا عند الناس غير مسبوقة، لاسيما من الأمهات اللائي ينجبن هؤلاء الأبطال من شباب ورجال المقاومة الذين يهزون عروش الكيان الإسرائيلي وأنصاره من الغربيين والعرب.
أرجو أن تتابعوا حالة هذا الشعب وأن تقفوا عند المعاني الإنسانية الجميلة التي هي السند الرئيسي للمقاومة والتي هي درس للشعوب التي تريد أن تتحرر من حصار الأنظمة الفاسدة وأن تخلص بلادها من هؤلاء المختطفين الذين ينهبون خيراتها ويسرقون حاضرها ومستقبلها، إن الظهير الشعبي هو السند الرئيسي للتحرر وحينما تصبح الشعوب العربية مثل شعب غزة فإن العرب سوف يعودون لقيادة العالم من جديد.
المصدر : الوطن القطرية