شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

الحراك الطلابي في مصر.. زخم ثوري أم انقسام سياسي؟

الحراك الطلابي في مصر.. زخم ثوري أم انقسام سياسي؟
أدَّت الحركة الطلابية المصرية دورًا محوريًّا على مدى تاريخ مصر الحديث؛ سواء في مرحلة الاحتلال البريطاني أو ما بعد...

أدَّت الحركة الطلابية المصرية دورًا محوريًّا على مدى تاريخ مصر الحديث؛ سواء في مرحلة الاحتلال البريطاني أو ما بعد الاستقلال؛ حيث كان الطلبة في قلب الأحداث والقضايا الوطنية، وفي طليعة القوى الاحتجاجية الكبرى، وإذا كان الطلبة قد أدَّوْا دورًا سياسيًّا مهمًّا في بلدان مثل فرنسا حين أطلقوا الحركة الاحتجاجية عام 1968، أو في الثورة الإيرانية عام 1979، فإن المؤرخ الفرنسي والتر. ز. لاكير يرى في كتابه: "الشيوعية والقومية في الشرق الأوسط" الصادر عام 1956 أنه لا يُوجد مجتمع أدَّى فيه الطلاب دورًا وطنيًّا كما حدث في مصر؛ ففي ظلِّ الاحتلال البريطاني لمصر كان الطلاب جزءًا فاعلاً في كل الاحتجاجات والانتفاضات المطالبة بالاستقلال؛ لاسيما في ثورة 1919 وما بعدها، حتى ثورة 23 من يوليو/تموز عام 1952. وفي مرحلة ما بعد الاستقلال شهدت الحركة الطلابية حالات من المدِّ والجزر؛ فبعد ثورة يوليو/تموز بدأت مرحلة جديدة من الانحسار في النشاط الطلابي؛ وذلك بعد أن سعى النظام الجديد إلى تأميم واحتواء الفضاء العام، بما فيه العمل السياسي داخل الجامعات؛ لكن على الرغم من كل سياسات التضييق والحصار -التي مارستها الأنظمة المتعاقبة في ظلِّ جمال عبد الناصر ومرورًا بأنور بالسادات وانتهاء بحسني مبارك- لاحتواء الحركة الطلابية ومحاصرتها؛ فإنها لم تنجح في ذلك بشكل كامل، فلم يَغِبِ الطلاب عن أي استحقاق وطني كبير طوال هذه السنوات؛ بل كانوا في مقدمة الصفوف وشكَّلوا دائمًا رقمًا مهمًّا في المشهد السياسي.

 

 وعلى ضوء هذه الخبرة، لم يكن متصوَّرًا أن يغيب الطلاب عن المشهد السياسي الاحتجاجي بامتياز، لاسيما خلال ثورة 25 من يناير/كانون الثاني وبعدها؛ حيث كان طلاب الجامعات مكونا أصيلاً من مكوناتها ووقودها؛ فقد وجد الطلبةُ في هذه الثورة -مثلهم مثل باقي فئات المجتمع- فرصة لانتزاع حريتهم في التعبير والممارسة السياسية؛ التي حُرموا منها قسرًا لسنوات طويلة.

 

إلى أي حدٍّ يمكن وصف ما يجري في الجامعات المصرية حاليًّا ومنذ الإطاحة بالرئيس المعزول محمد مرسي بأنه حركة طلابية تتجاوز الانتماءات الأيديولوجية والسياسية، أم أنه مجرَّد حراك طلابي يُهيمن عليه تيار سياسي بعينه؟ وهل ثمة أجندة موحدة للطلبة المشاركين في هذا الحراك؟ وما الذي يميِّز هذا الحراك عن غيره من مظاهرات طلابية في الماضي؟ وما مستقبل العلاقة بين السلطة وبين الطلبة في مصر؟

 

حراك طلابي غير مسبوق

 

تعرف الجامعات المصرية وعلى مدى عدَّة أشهر مظاهرات ومسيرات واشتباكات غير مسبوقة؛ وذلك بالنظر إلى الفترة الزمنية التي شهدها هذا الحراك أو نطاقه الجغرافي؛ الذي اتسع إلى معظم جامعات مصر، وقد بدأت ردَّ فعل على الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، والفض العنيف لاعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وسقوط مئات القتلى خلال عملية الفض، وقد شهد الحراك الطلابي -الذي لا يمكن عزله عن مجمل تطورات المشهد السياسي المصري- ثلاث متغيرات مهمة:

 

المتغير الأول: اتساع نطاق الحراك الطلابي ومداه احتجاجًا على عزل مرسى والأحداث التي رافقت وأعقبت ذلك؛ حيث عمت المظاهرات مختلف جامعات مصر، وامتدَّت إلى بعض المعاهد والمدارس الفنية والثانوية؛ فلم يكد يمر يوم منذ بدء العام الدراسي الحالي دون مظاهرات أو مسيرات أو اعتصامات؛ حيث بلغ عدد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات وخارجها في الفترة من سبتمبر/أيلول 2013 إلى يناير/كانون الثاني 2014 نحو 1677 احتجاجًا؛ وذلك بمتوسط 335 احتجاجًا شهريًّا، و11 احتجاجًا يوميًّا، وكان شهر نوفمبر/تشرين الثاني هو الأعلى من حيث نسبة الاحتجاجات، التي بلغت 351 احتجاجًا؛ بينما كان شهر يناير/كانون الثاني هو الأقل بسبب العطلة الدراسية؛ حيث شهد 104 احتجاج. وفي المقابل شهدت الفترة نفسها مظاهرات نظَّمها الطلاب المؤيدون للسلطة الحالية 72 مظاهرة لتأييد الجيش؛ فيما سَمَّوْهُ الحرب على الإرهاب؛ وذلك في حين نظَّم طلاب مستقلون 90 احتجاجًا ضد أحداث العنف التي تشهدها الجامعات(1).

 

المتغير الثاني: هو درجة العنف غير المسبوق؛ التي رافقت وتخللت الاحتجاجات الطلابية، وقد ساهم فيها عدد من العوامل؛ أهمها: تصاعد أجواء الصراع السياسي؛ فانعكست على الوضع بين الطلاب داخل الجامعات، ولجوء قوات الشرطة لاستخدام العنف المفرط ضد الطلاب المتظاهرين، وهو ما دفعهم إلى الردِّ على ذلك، وضعف كفاءة الأمن الإداري المسؤول عن تأمين الجامعات، وعدم قدرته على احتواء الكثير من الاشتباكات، وأخيرًا الاعتقالات العشوائية؛ التي طالت آلاف الطلبة، وسقوط عدد من القتلى والمصابين في صفوفهم، ما أدى إلى تصاعد حالة الغضب لديهم.

 

تُشير بعض التقارير إلى أن أعمال العنف التي صاحبت الحراك الطلابي بلغت 382 حادث عنف في اشتباكات الطلاب مع قوات الأمن، أو فيما بينهم على خلفيات سياسية؛ وقد تعدَّدت أشكال العنف الاحتجاجي التي انتهجها الطلاب خلال الفصل الدراسي الأول؛ فحتى 31 من يناير/كانون الثاني الماضي جرى قطع الطريق في 85 احتجاجًا، وأُغلقت الكليات في 20 احتجاجًا، ووقعت خمس حالات احتجاز لعمداء الكليات، وحالتي اعتراض موكب لمسؤول(2).

 

المتغير الثالث: تضرُّر العملية التعليمية في الجامعات بشكل غير مسبوق؛ حيث تعطَّلت الدراسة في الكثير من الكليات والجامعات لفترات طويلة؛ وذلك نظرًا إلى حدة الاشتباكات وأعمال العنف داخل وفي محيط الجامعات؛ وقد اضطرت الجامعات إلى تقليص العام الدراسي، وتقليص المقررات الدراسية؛ ولعلَّ هذا ما ساهم في تراجع التعاطف مع الحراك الطلابي في أوساط كثير من الطلبة غير المسيَّسِين وأسرهم؛ لأنهم يرون أن المطالب السياسية على أهميتها لا يجب أن تكون على حساب العملية التعليمية.

 

المقاربة الأمنية والاحتجاج الطلابي

 

غير أنه لا يمكن تفسير جنوح الحراك الطلابي إلى استخدام العنف دون النظر إلى الأجواء المحيطة بهذا الحراك؛ فقد شهدت لجوءًا متزايدًا من قِبَل السلطة الحالية للمعالجة الأمنية في مواجهة احتجاجات الطلاب؛ فساءت العلاقة أكثر بين الطلاب والشرطة، لاسيما بعد مقتل عدد من زملائهم؛ بينما غابت وتراجعت أي حلول سياسية للأزمة، وعكست التصريحات الصادرة عن السلطة الانتقالية توجُّهًا للتعامل الاحتجاجات الطلابية باعتبارها مشكلة أمنية وليست سياسية أو اجتماعية؛ وبدلاً من السعي إلى فتح قنوات حوار مع الطلبة، تعالت الأصوات المطالبة بإغلاق الجامعات لمدَّة عامين كحلٍّ لمواجهة المظاهرات الطلابية المستمرَّة منذ بداية العام الدراسي(3). واستندت هذه الدعوات إلى اعتبار المظاهرات التي تشهدها الجامعات مسؤولية طلاب الإخوان المسلمين؛ وذلك بهدف تخريب العملية السياسية التي أعقبت 30 من يونيو/حزيران، وتعطيل تطبيق بنود خريطة المستقبل؛ لكن هذا الرأي عكس قصورًا في استيعاب ما يجري في الجامعات؛ فالاحتجاجات الطلابية بدأت بمظاهرات لطلاب الإخوان وأنصارهم؛ تطالب بعودة مرسي؛ ولكن سرعان ما تراجع هذا المطلب وراء مطالب إطلاق سراح الطلاب المعتقلين، والقصاص للطلاب الذين قُتلوا خلال المواجهات مع قوات الشرطة، وقد شهدت الجامعات المصرية 658 احتجاجًا للمطالبة بإطلاق سراح الطلبة المحتجزين، و72 احتجاجًا على مقتل وإصابة الطلاب خلال المواجهات، وللمطالبة بالقصاص لشهداء الطلبة؛ وفي المقابل هناك مَنْ يعتقد أن عدَّة مبرِّرات موضوعية تجعل الخيار الأمني يتقدم ما عداه؛ وذلك بالنظر إلى الممارسات وأعمال العنف؛ التي لم تشهدها الجامعات المصرية في تاريخها، فلم يعد الأمر مقصورًا -حسبهم- على الحجارة كما كان في السابق؛ بل تعدَّاه ليشمل زجاجات المولوتوف والشماريخ والخرطوش؛ وذلك فضلاً عن تحطيم عدد من المنشآت والمقرات الجامعية؛ بل وصل الأمر -حسبهم- إلى حد العثور على قنابل بدائية الصنع معدَّة للتفجير بالقرب من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة(4).

 

وبغضِّ النظر عن المسؤول عن العنف فإن الأمر الملاحظ هو أن الأشهر الماضية شهدت تصعيدًا خطيرًا في العلاقة بين طلاب الجامعات والأجهزة الأمنية، ربما لم يحدث حتى في عهد الرئيس السابق مبارك؛ لاسيما أن التعامل الأمني لجأ إلى أساليب قديمة لا تُراعي المتغيرات الهائلة التي شهدها المجتمع المصري بعد 25 من يناير/كانون الثاني، كانتشار نزعة التمرُّد داخل فئات المجتمع، وفي القلب منهم طلاب الجامعات.

 

الصدام بين الطلبة والسلطة… محطات تاريخية

 

لا يمكن فصل ما تشهده الجامعات المصرية حاليًّا عن مسار الحركة الطلابية؛ بل هو حلقة في سلسلة تاريخ حافل بمحطات مماثلة شهدت فيها العلاقة بين الطلبة والسلطة ذروة الصدام والمواجهة، واللافت أن هذه الصدامات كانت دائمًا بعد لجوء السلطة إلى الحلِّ الأمني في مواجهة احتجاجات الطلبة، ويمكن في هذا الصدد التوقُّف عند أهم محطَّات الصدام بين الحركة الطلابية والسلطة:

 

معركة 9 من مارس/آذار أو معركة طه حسين: وقعت المواجهة بين الطلاب وبين السلطة عقب قرار حكومة إسماعيل صدقي عزل الدكتور طه حسين من عمادة كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول (القاهرة حاليًّا)، فاندلعت معركة شهيرة عام 1932؛ سُمِّيتْ معركة استقلال الجامعة؛ انتفض الطلبة دفاعًا عن استقلال جامعتهم؛ فنظَّمُوا مظاهرات حاشدة، وأضربوا عن الدراسة؛ فلجأ إسماعيل صدقي في مواجهة ذلك إلى الحل الأمني، فاقتحمت قوَّات الشرطة الحرم الجامعي لفضِّ اعتصام الطلاب، فاضطر رئيس الجامعة آنذاك إلى الاستقالة من منصبه احتجاجًا على هذه الإجراءات القمعية والاعتداء على استقلال الجامعة؛ فأصبح يوم 9 من مارس/آذار عيدًا لاستقلال الجامعة المصرية.

 

حادثة كوبري عباس: وقعت هذه الحادثة يوم 9 من فبراير/شباط 1946، حين خرجت مظاهرات كبرى من جامعة القاهرة تُطالب بالاستقلال الوطني، فمرت من ميدان الجيزة، ثم حاولت عبور كوبري (جسر) عباس؛ وذلك في طريقها إلى ميدان الإسماعيلية (التحرير حاليًّا)؛ لكن قوات الشرطة تصدَّت لها؛ حيث أمر قائد الشرطة بفتح الكوبري على الطلاب، فسقط العديد منهم في النيل؛ فقُتل وأُصيب أكثر من مائتي طالب، وقد أدَّت هذه الحادثة إلى الإطاحة بحكومة محمود فهمي النقراشي؛ لكن ذلك لم يُؤَدِّ إلى هدوء الحركة الطلابية؛ بل زادها اشتعالاً؛ لاسيما بعد تأسيس تحالف طلابي عمالي سُمِّي آنذاك باللجنة الوطنية العليا للتنسيق بين الحركة الطلابية والحركة العمالية، فلجأ الملك فاروق مجدَّدًا إلى العصا الغليظة؛ فعَهِدَ لإسماعيل صدقي بتشكيل الحكومة في محاولة لقمع مظاهرات الطلبة والعمال؛ لكن الطلبة تحدَّوْا إسماعيل صدقي وخرجوا في مظاهرات عارمة تطالب بجلاء الاحتلال وسقوط حكومة صدقي؛ وفي إحدى هذه المظاهرات نجح الطلبة في 21 من فبراير/شباط في عبور كوبري (جسر) عباس والوصول إلى ميدان الإسماعيلية؛ حيث معسكرات الجيش البريطاني؛ التي فتحت نيران أسلحتها على المتظاهرين؛ فسقط عدد من الشهداء. تسببت هذه الحادثة في حالة من الغضب في كل ربوع مصر، ولاحتواء الأزمة اتخذت الحكومة البريطانية عدَّة خطوات؛ كان أهمها استدعاء السفير البريطاني في القاهرة، وإغلاق معسكرات الجيش البريطاني في القاهرة وسحبها إلى منطقة قناة السويس؛ وذلك لتجنُّب تكرار صدامها مع الطلبة.

 

مظاهرات 1968 وعودة الروح للحركة الطلابية: شكَّلت هزيمة يونيو/حزيران عام 1967، والصدمة المروعة التي أصابت المصريين ومنهم الطلبة جراء الهزيمة نقطةً فاصلة في تاريخ الحركة الطلابية، ويُعتبر عام 1968 في نظر الكثيرين بمنزلة عودة الروح إلى الحركة الطلابية؛ وذلك بعد حالة موات استمرَّت سنوات طويلة؛ ففي هذا العام خرجت مظاهرات حاشدة في جامعتي القاهرة وعين شمس ضدَّ الأحكام الهزيلة التي صدرت بحقِّ قادة الجيش المسؤولين عن الهزيمة، والمطالبة بإصلاحات سياسية؛ ونتيجة هذه المظاهرات اضطر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في 21 من فبراير/شباط عام 1968 إلى عقد اجتماع في منتصف الليل لمجلس الوزراء، وإصدار قرار بإلغاء هذه الأحكام، وإحالة القضية إلى محكمة عسكرية، كما أقر عبد الناصر بمطالب الطلبة، وتفهُّمه لأسباب غضبهم، واستجاب لمطالبهم، وأقرَّ استقلال الجامعات، وصدر قرار رئيس الجمهورية بشأن تنظيم الاتحادات الطلابية، ما مهد الطريق أمام عودة الروح إلى الجامعات.

 

مظاهرات 1972: شهد عام 1972 وظاهرات غاضبة؛ وقد سُمِّيَ عام الضباب؛ وذلك عقب خطاب السادات الشهير في يناير/كانون الثاني من العام نفسه، الذي سعى فيه إلى تبرير عدم اتخاذ أي خطوة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي عقب إعلانه أن عام 1971 سيكون عام الحسم، وأرجع السادات -في خطاب ألقاه في 13 من يناير/كانون الثاني 1972- ذلك إلى ما وصفه بالضباب الذي خلفته الحرب الباكستانية الهندية؛ وعقب ذلك شهدت مختَلَف الجامعات المصرية مظاهرات غاضبة؛ وذلك احتجاجًا على استمرار حالة اللا سلم واللا حرب مع إسرائيل(5). وانتهت المظاهرات باعتصام كبير في قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة، دعا خلاله الطلبة إلى سرعة تحرير التراب الوطني، وكان من نتائج الاعتصام تأسيس اللجنة العليا لطلاب مصر؛ لكن ردَّ فعل السادات كان عنيفًا ضد مظاهرات الطلبة؛ حيث اقتحمت قوات الأمن الحرم الجامعي لفضِّ الاعتصام؛ لكن ذلك لم يُوقف زخم الاحتجاجات الطلابية، التي خرجت إلى الشوارع مطالبة بإزالة آثار العدوان الإسرائيلي.

 

مظاهرات 17 و18 من يناير/كانون الثاني 1977 أو ما سُمِّيَ بمظاهرات الخبز، التي سمَّاها السادات: "انتفاضة الحرامية"؛ وهي المظاهرات التي اندلعت احتجاجًا على رفع الأسعار الخبز وقرارات السادات الاقتصادية، وقد شارك الطلاب في هذه المظاهرات بكثافة مع عمال المصانع وغيرهم ضد قرارات رفع الدعم وغلاء الأسعار، وسقط منهم عدد من القتلى، وجرى اعتقال المئات منهم، وقد أَجْبَرَتْ هذه المظاهرات السادات على التراجع عن قراراته؛ لكن هذا الأمر بمنزلة جرس إنذار له؛ فقرَّر وقتها تفعيل خطته لضرب التيار القومي واليساري؛ الذي اتهمه بالوقوف وراء هذه المظاهرات؛ وذلك من خلال تشجيع طلاب التيارات الإسلامية، فقدَّم التسهيلات لهم داخل الجامعات للتصدِّي لطلاب الحركة اليسارية والناصرية؛ وكان ذلك بداية الانقسام والشقاق داخل صفوف الحركة الطلابية المصرية؛ حيث نجح السادات في إلهاء الحركة الطلابية بخلافاتها الداخلية؛ وهي السمة التي ميَّزَت المشهد الطلابي بعد ذلك؛ حيث تمكَّن الإسلاميون من فرض هيمنهم على الجامعات، وكان ذلك في رأي بعضهم سببًا أساسيًّا في إفقاد الحركة الطلابية طبيعتها الوطنية الجامعة(6).

 

نقاط الضعف

 

من خلال رصد تاريخ الحركة الطلابية في مصر ودورها الوطني على المراحل التاريخية المختلفة، يتبيَّن أن كلمة السر في قوَّة هذه الحركة وتأثيرها في مسارات الأحداث تكمن في وحدة هذه الحركة، والتفافها حول قضايا وطنية جامعة؛ مثل: قضايا الاستقلال الوطني والتحرر من الاستعمار، أو قضايا تخصُّ استرداد الكرامة الوطنية وتحرير التراب الوطني، أو تتعلق بالحريات العامة والتصدِّي لهيمنة وبطش أجهزة الأمن، أو بشأن قضايا قومية كقضية فلسطين أو العراق.. وغيرها، فكانت الحركة الطلابية دائمًا تعبيرًا عن درجة من التماهي بين هذه الحركة والقضايا الوطنية، فكانت دائمًا تلتقي في الكثير من مفرداتها مع الأجندة المجتمعية(7). وفضلاً عن التحامها مع الأجندة الوطنية، فقد حافظت الحركة الطلابية على سلميتها؛ على الرغم مما واجهته من قمع وعنف من السلطة، وعلى الرغم من مطالبها الخاصة بها فإنها حرصت دائمًا على تبنِّي خطابٍ يُعَبِّر عن نبض الشارع، وهذا ما أدى إلى عدم الصدام مع الجماهير؛ بل كانت ملتحمة معها؛ وفي ضوء ذلك يُصبح السؤال الآن: هل ثمة قضية جامعة وأجندة موحَّدة تجمع الحراك الطلابي الحالي في الجامعات المصرية؟

 

حقيقة الأمر أن هذه القضية تبدو غائبة، وهو ما يُشَكِّل نقطة ضعف في فاعلية هذا الحراك وتأثيره، فعلى الرغم من حالة الغضب التي تجتاح الجامعات منذ ما بعد 3 من يوليو/تموز، فإنها تعاني حالة من فقدان السيطرة، وحالة من الاستقطاب السياسي والانقسام الحاد في صفوفها؛ وذلك ما بين الطلاب المؤيدين لجماعة الإخوان المسلمين والرئيس المعزول محمد مرسي، أو ما يُسَمَّى: "طلاب ضد الانقلاب" الرافضين لخريطة المستقبل، وكل الإجراءات التي تلتها، وبين الطلاب المؤيدين لخريطة الطريق والمؤسسة العسكرية، وبينهما تقف القوى الثورية الأخرى الرافضة للإخوان وللحكم العسكري ولترشُّح المشير عبد الفتاح السياسي في انتخابات الرئاسية، وتُطالب بوقف قانون التظاهر، ورفض التدخُّل الأمني في الجامعات(8).

 

وإلى جانب هذه المكونات هناك كتلة كبيرة من الطلاب المستقلِّين وغير المصنَّفين سياسيًّا، وهؤلاء يُشاركون في المظاهرات ليس لمطالب سياسية محدَّدة؛ وإنما ضدَّ ممارسات الأمن، واستخدامه للقوَّة المفرطة ضدَّ الطلبة، والاقتحام المتكرِّر للجامعات والمطالبة بالقصاص لزملائهم؛ الذين سقطوا خلال المواجهات مع الأمن، وبإطلاق سراح الطلاب المعتقلين حاليًّا، وعودة مَنْ فُصل منهم إلى كلياتهم. وقد امتدَّت هذه الانقسامات لتصل إلى اتحاد طلاب مصر؛ الذي أعلن في شهر أغسطس/آب من العام الماضي عن إسقاط عضوية خمسة من أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين؛ وذلك بعد أن أصدروا بيانًا باسم الاتحاد أعلنوا فيه تأييدهم لشرعية الرئيس المعزول محمد مرسي دون الرجوع إلى الاتحاد؛ بل إن أحد أهم تجليات الانقسام في الجسد الطلابي هو أنه بينما يرفض قطاع كبير من الطلبة -ولاسيما اليساريين- ترشُّح المشير السيسي في الانتخابات فإن محمد بدران رئيس اتحاد طلاب مصر هو أحد أعضاء الحملة الانتخابية للسيسي، ويُدافع بحماس عن تأييده له؛ ويرى أنه "المرشح الوحيد الذي يمكن أن يقود الوطن في هذه المرحلة الصعبة"(9).

 

نقطة الضعف الثانية هي أعمال العنف؛ التي رافقت الحراك الطلابي، فبغضِّ النظر عن وجود أسباب موضوعية لهذا العنف، وبعيدًا عن ملابساته والمتسبب فيه؛ فإنه ساهم في إضعاف التعاطف الشعبي مع الحراك الطلابي، وأفقده جزءًا من الحاضنة المجتمعية؛ خصوصًا مع خروج المظاهرات إلى الشوارع، وما يُصاحبها من تحطيم وتخريب بعض الممتلكات الخاصة للموطنين، يُضاف إلى ذلك بالتأكيد شيطنة وسائل الإعلام المختلفة لهذا الحراك الطلابي، والتعامل معه ككتله واحدة، وتقديمه باعتباره جزءًا من مؤامرة الإخوان المسلمين لإسقاط الدولة المصرية؛ كما أن العنف الذي تخلَّل المظاهرات منح مبررًا للأصوات المنحازة للمعالجة الأمنية لمحاولة الانقضاض على ما تحقَّق من مكتسبات فيما يخص استقلال الجامعات، فتحرَّكت دعاوي قضائية تُطالب بعودة قوات الشرطة إلى الجامعات. كما برزت مؤخَّرًا دعوات تُطالب بإلغاء مبدأ انتخاب عمداء ورؤساء الجامعات؛ وذلك بدعوى أن ذلك يُفرز أشخاص أقل قدرة على التصدِّي للانفلات والعنف في الجامعات؛ ما قد يُشَكِّل انتكاسة كبيرة للحركة الطلابية، والمكتسبات التي حققَّتها خلال السنوات الماضية؛ ولابُدَّ من الإشارة هنا إلى أن المكتسبات التي تحققت بعد ثورة يناير/كانون الثاني للحركة الطلابية ولاستقلال الجامعات ظلَّت عرفية وبحكم الأمر الواقع، ولم تَسْعَ أيٍّ من الحكومات التي تولَّت السلطة منذ رحيل مبارك إلى إضفاء الطابع المؤسسي لهذه المكتسبات، فتعثَّرت خطط إصدار قانون جديد للجامعات ولوائح طلابية جديدة تحلُّ محلَّ اللوائح القديمة المقيدة للنشاط السياسي وللحريات؛ وذلك نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي والصراع بين أطراف المشهد(10).

 

على الرغم من أن أخطاء السلطة واعتمادها على المقاربة الأمنية تسببت في اتساع نطاق الاحتجاجات داخل الجامعات؛ بحيث لم تَعُدْ مقتصرة على فصيل بعينه؛ فإن ذلك لم يُساهم في بلورة حركة طلابية موحدة، قادرة على توحيد مواقفها وتجاوز خلافاتها، والاتفاق على أجندة موحدة تجاه القضايا الوطنية الكبرى؛ وعلى رأسها مستقبل المشهد السياسي، صحيح أن هناك توافقًا على مطالب وأهداف مشتركة؛ مثل: رفض التدخل الأمني، وإطلاق الحريات، وإطلاق سراح الطلاب المعتقلين، والكشف عن ملابسات مقتل بعض الطلاب خلال المواجهات؛ لكن ذلك لا يبدو كافيًا لتجاوز الخلافات الأيديولوجية والجوهرية بين مكونات الجسد الطلابي؛ التي امتدَّت -أيضًا- إلى أساتذة الجامعات؛ الذين انقسموا بدورهم حيال ما يجري بما في ذلك قضية استقلال الجامعات ذاتها، التي كانت موضع إجماع في السابق؛ هكذا سيكون على الحركة الطلابية أن تدفع نصيبها من ثمن استمرار حالة الاستقطاب المجتمعي الحادِّ، وأزمة الثقة العنيفة بين مكونات المشهد السياسي، فضلاً عن تعامل طرفي الأزمة؛ وهما: السلطة الحالية، وجماعة الإخوان المسلمين وأنصارها بمنطق الإقصاء والمباراة الصفرية.

 

قراءات متعدِّدة

 

نتيجة ما سبق فقد برزت أكثر من قراءة للمشهد الاحتجاجي؛ الذي تعيشه الجامعات المصرية حاليًّا:

 

    القراءة الأولى: يُقَدِّمها أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك بعض القوى الليبرالية والثورية؛ التي لا تُخفي قلقها على مستقبل التحوُّل الديمقراطي في مصر بعد 3 من يوليو/تموز؛ وترى هذه القراءة أن ما جرى هو انقلاب عسكري أطاح خلاله الجيش برئيس منتخب؛ ليُجهض أول تجربة انتخابية حقيقية تشهدها مصر منذ الاستقلال، ووفقًا لهذه الرؤية فإن الحراك الطلابي الراهن -وما تشهده الجامعات من مظاهرات متواصلة على مدى ما يقرب من ثمانية أشهر- هو تعبير عن غضب الوطن وضمير الشعب المصري، وهو مؤشِّر على عودة الحركة الطلابية من جديد "في مواجهة حدث مفصلي لا يقلُّ عن نكسة 67 خطورة في آثاره السياسية والمجتمعية"(11). ويرفض أصحاب هذه الرؤية القول: إن مظاهرات الغضب التي تشهدها الجامعات حاليًّا تقتصر فقط على طلاب الإخوان المسلمين والمتعاطفين معهم؛ بل هي تعبير عن حالة رفض عامٍّ وسط الطلاب والشباب لما جرى، والسعي إلى استعادة ثورة 25 من يناير/كانون الثاني؛ التي جرى الانقضاض عليها؛ وذلك من خلال تشكيل كيانات سياسية جامعة؛ مثل: جبهة طريق الثورة؛ التي تضمُّ شبابًا من مختَلَف التوجُّهات السياسية لمواجهة ما يصفونه بالثورة المضادَّة، فضلاً عن وجود كيانات أخرى قد لا تكون مؤيِّدة للإخوان؛ ولكنها رافضة للانقلاب على الرئيس المنتخب؛ مثل: حركة أحرار، والميدان الثالث.. وغيرهما من الحركات التي تشكَّلت ردًّا على حالة الاستقطاب السياسي الحادِّ الذي تعيشه مصر منذ ثورة يناير/كانون الثاني. ويقول أحمد البقري نائب رئيس اتحاد طلاب جامعة الأزهر (ينتمي للإخوان المسلمين): إن مظاهرات الطلبة تمثِّل كلَّ فئات المجتمع المصري، وتعكس طموحات الشعب، وهناك تنسيقية للطلاب تضمُّ حاليًّا عشرين ائتلافًا طلابيًّا؛ تمثِّل مختلف الأطياف السياسية، تتفق جمعيها على أن جامعة حرة تعني وطنًا حرًّا(12).

 

    في المقابل هناك قراءة أخرى؛ ترى أن المظاهرات الحالية هي مظاهرات تخصُّ فصيلاً سياسيًّا بعينه؛ هو جماعة الإخوان المسلمين وحدهم، وأن غالبية الطلاب من التيارات الأخرى ومن غير المنتمين سياسيًّا لا تُشارك في هذه المظاهرات، وأنه على الرغم من استمرار المظاهرات فإنها تبقى محدودة غير قادرة على جذب قطاعات أخرى من الطلبة؛ ويعتبر أصحاب هذا الرأي أن المطلب الذي يرفعه الإخوان هو مطلب حزبي؛ وليس مطلبًا وطنيًّا جامعًا كما كان سابقًا، وهو ما يعني اقتصار الحراك على الإخوان وحدهم دون غيرهم. ومن هؤلاء الكاتب الناصري جمال فهمي أحد قيادات الحركة الطلابية في السبعينات؛ الذي يرى أن ما تشهده الجامعات هو مظاهرات لفصيل سياسي ليس حركة طلابية؛ لأنها تفتقد الشروط المجتمعية التي تجعلها كذلك، وأول هذه الشروط أن تكون متوافقة مع مطالب اجتماعية لشرائح أخرى من المجتمع، وأن تلتحم مع تيارات اجتماعية أخرى تجمعها بها أهداف مشتركة(13). كما يُشير أصحاب هذه القراءة إلى أن ثمة اختلافات موضوعية وأساسية بين الحراك الطلابي الحالي وبين ما سبقه من حراك طلابي؛ سواء في أواخر عهد عبد الناصر أو السادات أو حتى مبارك؛ "الاختلاف الأول يتمثَّل في آلية النضال السياسي؛ ففي السابق كان نضالهم سلميًّا، ولم يلجأ أحدهم إلى العنف"، فحين قرَّر أحمد عبد الله رزة(14) وعدد من القيادات الطلابية الاعتصام داخل جامعة القاهرة للضغط على السادات للثأر من إسرائيل لهزيمة 67؛ لم يُفَكِّر أيٌّ منهم في اقتحام المدرجات وإرغام الطلاب على الاعتصام، أو مقاطعة الدراسة، ولم يُضبط رزة متلبِّسًا بالتحريض على العنف؛ على الرغم من اقتحام قوات الأمن لمقرِّ الاعتصام، واعتقال الطلاب ومن بينهم رزة نفسه(15).

 

الحراك الطلابي والعنف

 

بالتأكيد لا يمكن تبرير اللجوء إلى العنف من قِبَل الطلاب المشاركين في الحركات الاحتجاجية تحت أي ذريعة؛ لاسيما إن كان هذا العنف يُضعف موقفهم، ويُفقدهم الكثير من التعاطف الشعبي؛ لكن الموضوعية تقتضي الإقرار بوجود دوافع موضوعية ساهمت مجتمعةً في ارتباط الحراك الطلابي بأعمال عنف؛ وعلى رأس هذه الدوافع حالة الاحتراب السياسي في المجتمع؛ ومن ثَمَّ فإن ما شهدته وتشهده الجامعات المصرية ليس سوى انعكاس لحالة الصراع السياسي؛ التي تتحوَّل إلى مواجهات بين الطلاب المنتمين إلى تيارات سياسية متنافسة؛ وذلك في إطار سياسة الحشد والحشد المضادِّ(16). كما أن العنف المفرط من قِبَل قوات الشرطة ضد مظاهرات الطلبة أدَّى إلى مقتل عدد منهم، وإصابة العشرات، واعتقال المئات، وتقديم بعضهم لمحاكمات عاجلة، وصدرت بحقهم قرارات إدانة وأحكام بالسجن، فضلاً عن قرارات الفصل التي طالت العشرات من الطلاب؛ لاتهامهم بالتورُّط في أعمال العنف والشغب(17). ويُضاف إلى ذلك تحريك جماعة الإخوان المسلمين لقواعدها الطلابية داخل الجامعات؛ وذلك في الحشد والتعبئة ضد النظام الحالي في مسعًى للتأكيد على قدرتها على الحشد؛ على الرغم من الضربات الأمنية المتلاحقة التي تتعرَّض لها.

 

الطلبة والسلطة الجديدة

 

فرض ملف الحراك الطلابي والشبابي عمومًا نفسه بقوَّة على الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر؛ ليس فقط لأن حمدين صباحي -الذي خاض المعركة الانتخابية- هو أحد قادة الحركة الطلابية في السبعينات؛ ولكن لأن منافسه في هذه الانتخابات المشير عبد الفتاح يتبنى موقفًا متشدِّدًا تجاه الشباب والطلبة؛ وذلك من خلال دفاعه عن قانون تنظيم التظاهر المثير للجدل، الذي يصفه الطلبة والنشطاء من الشباب بأنه قانون لمنع التظاهر، ويعتبرون إسقاطه أحد مطالبهم؛ لاسيما أنه بموجب هذا القانون جرى الزجُّ بالمئات إن لم يكن الآلاف من الشباب في السجون بتهمة مخالفته وانتهاك قواعده؛ وقد أثارت تصريحات السيسي -بشأن منع المظاهرات ووصفها بأنها تهدف إلى تخريب البلد- مخاوف قطاعات الشباب والمعنيين بملف الحريات في مصر؛ فمثل هذه التصريحات مثلت رسالة سلبية للطلبة الذين شكَّلُوا وقود المظاهرات على مدى الشهور الماضية، ومنذ الإطاحة بمحمد مرسي(18).

 

وتُثير المواقف المعلنة للمشير السيسي -الذي بات الرئيس الجديد لمصر- مخاوف الكثيرين من استمرار وربما تصاعد الصدام والمواجهة بين السلطة وبين قطاعات الشباب، وفي القلب منها طلبة الجامعات مع تولِّيه السلطة؛ فالرجل بدا في تصريحاته منحازًا إلى فكرة استعادة هيبة الدولة، وفرض القانون والأمن، ودعا إلى دعم جهاز الشرطة، وهذا ما يعني أن الأولوية عنده هي تحقيق الاستقرار، وتحسين الأحوال المعيشية؛ التي تدهورت بشكل مخيف في السنوات الثلاث الماضية، وقد يكون ذلك على حساب ملف الحريات السياسية؛ التي يرى السيسي أنها ليست أولوية عند المصريين، وفي هذا الإطار لا يبدو موقف السيسي من مسألة المظاهرات والاحتجاجات مُنْبَتَّ الصلة بمَنْ سبقه من رؤساء؛ بل امتدادًا لسياسة السلطة في مصر؛ التي سعت دائمًا إلى تنظيم ورسم حدود العمل السياسي للحركة الطلابية وتحديد الحيز المتاح لها(19).

 

وقد برزت هذه السياسة في عهد الرئيسين السابقين السادات ومبارك؛ لكن هذه السياسة كانت دائمًا ما تقود إلى الصدام مع الحركة الطلابية؛ التي لا يمكن التعامل معها بمعزل عن التحوُّلات والمتغيرات التي يشهدها المجتمع المصري؛ فدائمًا كان الحراك الطلابي انعكاسًا لمتغيرات الواقع السياسي؛ وقد شكَّلت ثورة يناير/كانون الثاني متغيرًا إضافيًّا بالغ الأهمية في هذا الإطار، كما أن السيسي -الذي يسعى إلى تقديم نفسه زعيمًا شعبياً أكثر منه قائدًا سياسيًّا- لا يبدو مكترثًا بالحصول على دعم وتأييد الشباب بقدر اعتماده على الطبقات الشعبية والمهمَّشة وغير المسيَّسة، فضلاً عن الفئات العليا في الطبقة الوسطى، وطبقة الأغنياء التي تعتبره الأكثر قدرة على حماية مصالحها ومكتسباتها.

 

لكن هناك مَنْ يرى أن السلطة والرئيس الجديد يتوقَّعان أن الخيار الأمني سيُكَبِّد البلاد خسائر كبيرة نتيجة استمرار حالة المواجهة والتصعيد والتضييق على الشباب والطلبة، وبالتالي فإن السلطة ستكون مضطرة إلى إعادة النظر في السياسة الحالية، والبحث عن حلول أخرى بعيدًا عن الحل الأمني؛ الذي ثبت أنه لا يكفى وحده مهما كانت درجة بطشه في تحقيق الاستقرار؛ ويدعم ذلك حقيقة أن الشباب يُمَثِّلون نحو 60% من المجتمع المصري، ويقع طلاب الجامعات ضمن الفئة العمرية من الشباب ما بين 18 و29 عامًا؛ التي تُقَدَّر -وفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء- بنحو 24% من سكان مصر؛ أي نحو 21 مليون شخص. وتتعرَّض هذه الفئة لحملات واضحة من التضييق دفعتها إلى العزلة والإحباط، والشعور بأن الأهداف التي خرجت من أجلها في ثورة يناير/كانون الثاني قد سُرقت. ويتوقَّع بعضهم أن استمرار السلطة في سياستها تجاه هذا الشباب قد يُؤَدِّي إلى انفجار الغضب في أي لحظة، وتصاعد الصراع بين الشباب والسلطة(20)، كما يُتَوَقَّع أن تزداد حالة العزوف والعزلة لدى الشباب، والابتعاد عن المشاركة في الحياة السياسية، ويتزايد الشعور لديهم بعدم جدوى هذه المشاركة؛ وهذا ما ظهر بوضوح في الاستفتاء الأخير على دستور 2014؛ الذي أظهر مقاطعة نسبة كبيرة من الشباب وكذلك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

 

المصدر: مركز الجزيرة للدراسات



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023