شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

انقلاب اليونان.. العسكر يطيحون بزعيمهم ويعودون للثكنات

انقلاب اليونان.. العسكر يطيحون بزعيمهم ويعودون للثكنات
"الهزيمة العسكرية" قد تكون مفتاح السر أحيانا لتنال الشعوب حريتها من ربقة حكم عسكري يطبق بكلتا يديه...

"الهزيمة العسكرية" قد تكون مفتاح السر أحيانا لتنال الشعوب حريتها من ربقة حكم عسكري يطبق بكلتا يديه ويتسلط على رقابها؛ هذا ما حدث في انقلاب اليونان الذي تسلط على الحريات وأسرف في الاعتقال وسفك الدماء ومراقبة الصحف وطرد المراسلين، إلى أن مني قائد الانقلاب العسكري بالهزيمة الساحقة، فاضطر العسكريون إلى التدخل والإطاحة به واستدعاء مدني ليرأس الوزارة وتتم الدعوة لانتخابات ديمقراطية.. بينما يحاكم قائد الانقلاب بالخيانة ويتلقى حكما بالإعدام؛ لتنتهي بذلك فترة "حكم الجنرالات" في اليونان بعد 8 سنوات.

 

الكولونيل جورج بابادوبولوس.. إنه القائد العسكري الذي أحكم سلطاته على اليونان بعد انقلاب عسكري فتولى وزارة الدفاع وقيادة الجيش ورئاسة الوزراء ثم جمع إلى سلطاته أيضا رئاسة الدولة، وبعد أن قدم نفسه إلى اليونانيين كمصلح اقتصادي ومؤمن بالحريات، فوجئوا بالرجل يجر عليهم ويلات الاستبداد والحروب.

 

ففي عام 1967 حاصرت قوات من الجيش اليوناني كُلاًّ من القصر الملكي ومكاتب الحكومة ومقرات الزعماء والوزراء ومبنى الإذاعة، وحدث انقلاب عسكري على الملك الشاب قسطنطين آخر ملوك اليونان.

 

وتولى إدارة شئون البلاد بعد ذلك مجلس عسكري يقوده الكولونيل جورج بابادوبولوس الذي بدأ في محاولة استمالة الشعب بحثًا عن شرعية لانقلابه هو ومجلسه العسكري، فأفرج عن بعض المعتقلين، وقلل الرقابة على الصحافة، وألغى مديونيات بعض الفلاحين التي تراكمت في ظل النظام الإقطاعي في الفترة الملكية.

 

جميع السلطات لـ"بابادوبولوس"

 

ثم عزز المجلس العسكري شرعيته بعد ذلك عبر استفتاء شعبي شهير استفتي فيه الشعب على إنهاء الملكية وإعلان الجمهورية، فوافق نحو ثلثي اليونانيين الذين اكتشفوا بعد ذلك أن بابادوبولوس ما أجرى هذا الاستفتاء إلا لكي يحل محل الديكتاتور المخلوع بشحمه ولحمه، فأعلن دستورًا جديدا يعطي صلاحيات كبيرة لرئيس الحكومة، لكي يصير هو نفسه بعد ذلك رئيس الحكومة ووزير الدفاع، ثم أحكم قبضته الحديدية بالكامل على اليونان فصار رئيس الجمهورية أيضا!.

 

امتد حكم المجلس العسكري في اليونان قرابة الثماني سنوات من 1967 حتى 1974، ارتكب العسكر خلالها معظم الجرائم السياسية، فقاموا بتقييد الحريات، ومنع أي نشاط سياسي، وأجروا اعتقالات واسعة جدا في صفوف النشطاء والمطالبين بالديمقراطية، وفرضوا رقابة شديدة على الصحف، وألغوا مئات المنظمات المدنية الخاصة التي لم تؤيّدهم!.

 

بدا المجلس العسكري في ذلك الوقت وكأنه تمكن من كل شيء، وأنه يمكنه أن يحكم اليونان إلى ما لا نهاية إذا أراد ذلك.. غير أن حجر عثرة صغيرا كب المجلس العسكري وقائده على وجوههم، ودفع الجيش للانقلاب عليه والإطاحة به.

 

"قبرص" والهزيمة المدوية

 

كلمة السر في هذا الفصل كانت: "قبرص"، الجزيرة المتوسطية الغنية بمواردها التي تقطنها العرقيتان التركية واليونانية، مما يجعل منها مطمعًا من جانب كلا الدولتين، الشعور الطاغي بالغطرسة لدى جنرالات المجلس العسكري اليوناني نمّا لديهم الإحساس الخادع بالقوة، فارتكبوا أشد الحماقات بؤسًا في قبرص التي كانت ساحة نزاع قديمةً أصلا بين اليونان وتركيا.

 

تعاون جنرالات اليونان سرا مع الساعين إلى انقلاب عسكري في جزيرة قبرص وخاصة منظمة (إيوكا) التي كانت تتبع قيادتهم في أثينا مباشرة، ودفعوا برجالهم وجنودهم إلى تلك الجزيرة التي تعد مطمعا لهم خلافا للاتفاقات المبرمة بينهم وبين تركيا وبريطانيا، وفي 1974 أعلن الحرس الوطني تحت قيادة جنود يونانيين الاستيلاء على الحكم واحتل مبنى الإذاعة والتليفزيون وأغلق مطار نيقوسيا وعين نيكوس سامبسون المعروف بعدائه الشديد للأتراك رئيسا جديدا.

 

وخلال أيام، ارتكب الانقلاب العسكري مذابح غير مسبوقة في نيقوسيا، معظمها كانت بين اليونانيين أنفسهم الذين عارضوا الانقلاب العسكري، حتى قال مؤرخون إن شوارع نيقوسيا وباقي المدن القبرصية امتلأت بالجثث، وفاجأ الانقلاب بشراسته الجميع.

 

وبعد أن أرسلت تركيا تحذيراتها مرارا واجتمعت بمسئولين بريطانيين، أدركت أن الوقت لن يكون إلا في صالح الانقلاب العسكري هناك الذي سيكتسب شرعية ويصير أمرا واقعا، فقامت بعمليات إنزال لجنودها على السواحل القبرصية، ما دفع الانقلاب في اليونان إلى إرسال تعزيزات من الجنود اليونانيين بدوره إلى هناك، غير أن التجهيزات والاستعدادات التركية حسمت الأمر ومني قادة اليونان بهزيمة عسكرية مدوية، إلى قرر مجلس الأمن وقف إطلاق النار.

 

الخيانة العظمى.. والإعدام

 

في الوقت نفسه وبالتزامن مع الهزيمة العسكرية كان الغضب قد وصل إلى مداه داخل الجيش اليوناني.. الذي كان حانقًا بشدة على الرئيس الجنرال الفاشل بابادوبولوس، فقامت مجموعة عسكرية بانقلاب ناجح على جنرالات مجلس بابادوبولوس العسكري وعينوا مكانه الفريق فيدون جيزكس رئيسًا مؤقتًا، ثم استدعى العسكريون بعد ذلك السياسي المحترف "قسطنطين كارمانليس" ليدير الحكومة بدلا منهم ويعودوا هم إلى ثكناتهم بعد انهيار تجربة الحكم العسكري، وفيما بعد صار كارمانليس أول رئيس منتخب ديمقراطيا لليونان.

 

وفي عام 1975 حُكِمَ على بابادوبولوس بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى، ثم خُفِّف الحُكم إلى السجن المؤبد، حتى مات جورج بابادوبولس مسجونًا في سنة 1999.

 

وفي أواخر أيامه عانى بابادوبولوس من مرض السرطان منذ صيف 1996، ما استدعى نقله إلى المستشفى من سجن كوريدالوس في العاصمة اليونانية، حيث كان يمضي منذ أواسط السبعينات عقوبة السجن المؤبد بتهمة الخيانة العظمى، وظل يمضي عقوبته في السجن على الرغم من الجهود التي بذلها اليمين واليمين المتطرف لإطلاق سراحه.



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023