كزملائهم من الصحفيين في سوريا والذين جمعتهم مهنة واحدة؛ نال الصحفيون المصريون من بطش المؤسسة العسكرية، وآلة دولة الانقلاب، فمنهم من فقد روحه وواراه الثرى من أجل نقل الحقيقة للعالم، ومن منهم من دفع ثمنها اعتقال في غيابات السجون بتهمة حيازة كاميرا، بالإضافة إلى من دفع الثمن من جسده؛ متلقيا الرصاص والخرطوش من قبل قوات أمن الانقلاب.
مصر الأكثر عنفا
بدا العمل الصحفي مؤرقا للانقلاب وقواته، فلم تعد طلقات الرصاص تفرق بين معارض ومؤيد له. وبحسب التقرير السنوي للجنة الدولية لحماية الصحفيين لعام 2013 فقد عادت مصر بين مصاف الدول الأكثر عنفا مع الصحفيين، وجاءت مصر ضمن أكثر عشر دول تشهد عمليات قتل واعتقال الصحفيين.
وأكد التقرير أن مصر تشهد أكبر تدهور في سجلها الخاص بالصحافة للمرة الأولى منذ زمن طويل، حيث تصدرت مصر مصاف الدول التي تعتقل الصحفيين؛ فالمحاكم المصرية تعج بالقضايا التي يحاكم فيها الصحفيين لأنهم ينتمون لمؤسسات إعلامية لا تروق لنظام الحكم المنقلب على الحكم المنتخب.
تراجع ملحوظ بنسبة 80%
ومن جانبه، كشف التقرير الصادر عن الاتحاد العام للصحفيين العرب أن حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام في مصر شهدت تراجعا ملحوظا في الربع الثالث من عام 2013م عن نظيرها في عام 2012م بنسبة 80%، حيث ارتفع معدل إجمالي الانتهاكات من 12 انتهاكا إلى 107 انتهاكات، وهو تدني خطير فيما يخص حرية الرأي والتعبير وحرية الإعلام.
وكان لعمليات فض اعتصامي رابعة العدوية وميدان نهضة مصر دور بارز في ارتفاع معدلات الانتهاكات والتعديات، حيث توفى 4 صحفيين أثناء تغطية تلك الأحداث.
اغتيال الحقيقة
كان الهدف هو "اغتيال الحقيقة" وليس "اغتيال الشخص"، رغم أن(الصدر، الرأس، الرقبة) كانت هي دائمًا مواضع استقرار رصاصات "كلاب الانقلاب" في أجسام الصحفيين.. لتعلن للعالم كله وتؤكد أن القتل ليس عشوائيًّا، ولكنه مع سبق الإصرار والترصد، وأن هذا المستهدف يراد قتل الحقيقة التي يحاول توثيقها معه.
ثمانية صحفيين قتلوا برصاص قوات الأمن منذ الانقلاب، إضافةً إلى عشرات المعتقلين، والذين احتجزوا بينما كانوا يؤدون عملهم الصحفي في نقل الأحداث.
بينما رصدت حركة "صحفيون ضد الانقلاب" أكثر من خمسمائة حالة تجاوز ضد الصحفيين في مصر منذ الانقلاب.
(أحمد عاصم، حبيبة عبد العزيز، أحمد عبد الجواد، ميادة أشرف……) وغيرهم من الشهداء الذين راحوا ضحية نقل الحقيقة، في سلسلة قد لا تنتهي طالما تواجد الانقلاب العسكري.
فمن لم تقتله قوات الانقلاب اعتقلته، مثل (سماح إبراهيم، عبد الله الفخراني، محمد العادلي، عمرو القزاز، سامحي مصطفى، أحمد سبيع، محسن راضي، بيتر جريستي، باهر محمد، محمد فهمي، عبد الله الشامي..) صحفيون وإعلاميون مصريون في السجون، لا لشيء سوى من أجل مصادرة الحقيقة.
كان لشبكة رصد نصيب من الانتهاكات؛ فقد فقدت مصورها عبد الله الشامي في مجزرة رابعة العدوية، بينما تمت محاكمة 4 من مدرائها محاكمة عسكرية تراوحت أحكامها بين سنة وثلاث سنوات، وفي حين تواجد أكثر من 17 مراسلا لها خلف قضبان سجون الانقلاب
لا أسمع .. لا أرى
لم يعد الاستهداف مقتصرا على معارضي الانقلاب العسكري فقط بل انطلق ليشمل المؤيدين أيضا؛ فميادة أشرف التي قتلت برصاص قوات داخلية الانقلاب بشهادة صديقتها لم تكن مناوئة للانقلاب، وكذلك تامر عبد الرؤوف الصحفي الذي قتل في البحيرة أثناء مروره على كمين للجيش.
لذلك يتحدث البعض عن الاستهداف المتعمد ولعل الأحداث الأخيرة للصحفيين خالد حسين، وعمرو سلامة العاملين بجريدة اليوم السابع وصدى البلد أكبر دليل على ذلك بعد إطلاق الشرطة الرصاص عليهم لمجرد أنهم يصورن الأحداث أمام جامعة القاهرة وينقلونها عبر وسائل إعلام معروف توجهها وموقفها المؤيد من الانقلاب.
وعن ردود أفعال المؤسسة المسئولة عن حماية الصحفيين في مصر وتوفير كافة الاحتياجات الكاملة لحمايتهم ألا وهي " نقابة الصحفيين " فقد اتسمت مواقفها بالتنديد مرة وبالصمت مرات وتحولت ردود أفعالها حسب الصحفي المعتدى عليه.
حيث اتخذت اعتبارات سياسية في كل موقف وحادثة؛ فعند مقتل الحسيني أبو ضيف الصحفي الذي كان يغطى أحداث الاتحادية ندد النقيب بالحادثة، بينما عند مقتل حبيبة أحمد، وأحمد عبد الجواد وغيرهم اكتفى بالصمت؛ فلم يكونوا من نفس التيار المهيمن على إدارة النقابة.
السيسي هو القاتل
فمن جانبها حملت حركة "صحفيون من أجل الإصلاح" قائد الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي وداخلية الانقلاب مسئولية قتل الزميلة ميادة أشرف أثناء قيامها بمهام عملها في تغطية فعاليات الثورة بعين شمس، ليرتفع بذلك أعداد شهداء أبناء المهنة إلي 10 صحفيين وإعلاميين.
وطالبت الحركة مجلس نقابة الصحفيين بتجميد أعماله فورًا وتقديم النقيب لاستقالته، بعد فشلهم في وقف إراقة دماء الصحفيين على يد سلطات الانقلاب، مؤكدةً أن دماء الصحفيين والصحفيات ستظل لعنةً تلحق القتلة وأعداء الصحافة.وتعهَّدت "صحفيون من أجل الاصلاح" بتفعيل قضيتها والقصاص لكل شهداء الوطن وفي مقدمتهم شهداء المهنة.
حملات دولية
وعلى صعيد دولي تبنت منظمات دولية تعمل في مجال حماية الصحفيين حملات للإفراج عن الصحفيين المعتقلين في مصر من بينهم لجنة حماية الصحفيين بنيويورك كما تضامنت وسائل إعلامية عالمية كهيئة الإذاعة البريطانية BBcومجموعة قنوات السي إن إن الأمريكية أصدروا عريضة تطالب بإطلاق سراح جميع الصحفيين المحتجزين في مصر منذ أكثر من 5 أشهر.
وأطلق صحفيون، حملة على موقع تويتر تضامنية تحت هاشتاج بعنوان #صحافة حرة، وشاركوا بصورهم، وأغلقوا أفواههم بملصقات سوداء، في محاولة للفت الانتباه إلى زيادة المخاطر التي تواجه المراسلينوالصحفيين.
طمس الحقيقة
وبدوره يؤكد الدكتور مجدي قرقر الأمين العام لحزب الاستقلال وعضو التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب – في تصريحات صحفية – أن سلطات الانقلاب تستهدف كل مَن هو ضد الانقلاب أو يحاول إظهار الحقائق أو نقلها أو تصويرها، بغض النظر عن انتمائه السياسي سواءً كان معارضًا للانقلاب العسكري أو من مؤيديه الذين خرجوا من أجل دعمه.
وأضاف أن الصحفيين والإعلاميين والمدونين ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي الذين يعملون على كشف ممارسات السلطات الانقلابية وانتهاكاتها مستهدفون بالقتل والاعتقال؛ لأن الانقلابيين يريدون طمس الحقائق وتغييبها وتغييب الرأي العام عن ممارساتهم.
وحول موقف نقابة الصحفيين من استهداف الصحفيين وقتلهم، يؤكد قرقر أن مجلس النقابة الحالي متواطئ مع الانقلابيين، وسيستمر نزيف الصحفيين حتى يعلموا الحقيقة ويتم تعرية مجلس النقابة المتواطئ، مشددًا على ضرورة السعي من قبل أعضاء النقابة إلى تغيير المجلس الحالي بالطرق القانونية سوءًا من خلال الانتخابات المقبلة أو الدعوة لعقد جمعيات عمومية تقيم الموقف وتعيد الأمور إلى نصابها.
وشدد قرقر على ضرورة التصعيد الدولي لقضايا الصحفيين في ظلِّ صمت مجلس النقابة، ورصد الانتهاكات المتكررة بها، وبممارسات مجلس النقابة أيضًا ورفعها إلى المنظمات الدولية التي تناصر حرية الرأي والتعبير، وحرية الصحافة.
سؤال بات يطرح نفسه باستمرار .. هل أصبحت الصحافة في مصر مهنة البحث عن الموت لأن الحقيقة مطاردة بالاعتقال؟