شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

مجلس حكماء المسلمين والولادة المبتسرة – حسن فوزي الصعيدي

مجلس حكماء المسلمين والولادة المبتسرة – حسن فوزي الصعيدي
  وُلد على عجل.. لم يرَ الناس فيه معاناة حمل أو ألم مخاض.. ولكن هكذا وُلد فجأة!!    لم...

 

وُلد على عجل.. لم يرَ الناس فيه معاناة حمل أو ألم مخاض.. ولكن هكذا وُلد فجأة!!

 

 لم يُحمل وهنا على وهن، ولم يستقر كُرها وُيوضع كُرها، وإنما حُمل يسيرا، ووُضع أيسر، ولكنه ولد مبتسرا!!

 

أراد صانعوه أن يبدو للناس فتيا لا ينكسر، عصيا لا يلين، قويا لا يخور، وكأنه ولد شابا: له أسنان تقطع، وأيدٍ تدفع، وقوة تعطي وتمنع، ولكنه  جاء خداجا!

 

أرادوا أن يشعروا العالم أنه لم يولد سفاحا في كنف أمراء الجور، وشهداء الزور، وحملة البخور، وأنه ليس لقيطا بلا أب شرعي أو نسب علمي، فجَمَعت دراهمُهم أصحابَ العمائم من كل حدب وصوب، وأغدقوا جوائزهم على من لا يستحيي أن يطأطئ رأسه، أو يحني ظهره، ويمد يده، وتذكرت قول الشيخ سعيد الحلبي لإبراهيم باشا: إن الذي يمد رجله لا يمد يده!

 

ورأيت جلهم ممن يصدق فيهم قول الشاعر:

 

وبقيت في خلف يزين بعضهم    ***  بعضا، ليسكت معور عن معور

 

نسي هؤلاء أن هذا الوليد سيظل مبتسرا، لأنه لا يحمل مقومات الحياة، لقد وُلِد ليوضع على أجهزة الإعاشة، التي لا تعمل إلا بالدراهم والريالات!

 

نعم .. لقد ولد خداجا لم تكتمل أجهزته؛ لأنه استدعي إلى الوجود دون إعداد، أو تأنٍ، لم يفكر في صياغته العلماء، ولم يتحرك لتكوينه الحكماء، وإنما دُفعوا إلى ذلك دفعا، وأزهم إليه شياطين الإنس أزًّا!

 

لقد وُلد فأرا، يحمل في خصائصه الوراثية: صفات الضعف، وخصال  التواري والفرار من المواجهة، ولد وجيناته تحمل الرغبة والرهبة، يسيل لعابه إلى أموال المغدقين، وترتعد فرائصه من سياط الجلادين، فأعضاء هذا الكيان الدعي لم يعتادوا خشونة عيش، أو شدة بأس!

 

ما أكثر الهيئات الإسلامية الرسمية في دول العالم! وما أقل تفاعل الشعوب معها! أو التعامل مع بياناتها وفتاواها!

 

لقد نضجت الشعوب بالقدر الذي تستطيع أن تتعرف على المحق من المبطل، على أسود المنابر من حملة المباخر! على من يبذل وقته وجهده وماله وحريته ودمه في سبيل هذا الدين، ومن يستخدم الدين مطية لمآرب وضيعة، ولعاعة حقيرة، في دنيا زائلة، سرعان ما تزول عن صاحبها، أو يزول هو عنها!

 

البون شاسع بين مؤسسة شعبية يمسك العلماء بزمامها وخطامها، ويوجهون دفتها بأنفسهم، دون أن تخضع بياناتهم لإرادة سياسية، أو يتم الضغط عليهم من جهة سيادية، وبين مؤسسة ولدت من رحم أنظمة أرادت لهذا الوليد أن يسير في ركابها، ويسبِّح بحمدها، على أن يقتات من موائدها!

 

الفرق واضح بين جُلِّ رموز هذه المؤسسة، الذين لا يعرف أنهم قدموا لأمتهم ولدينهم علما مقروءا أو مسموعا، ما صدعوا بالحق مرة، ولا قاوموا الباطل لحظة! لم يرفعوا قدر مناصبهم، وإنما ارتفعوا هم بهذه المناصب! {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ  } [فاطر:19-22 ]

 

ستظل الكيانات الشعبية التي يدفع أعضاؤها اشتراكاتهم من أموالهم الخاصة، وينضمون إلى لجانها المختلفة، عاملين جاهدين، جادين مجاهدين، صابرين محتسبين، لا ينتظرون ثناء إلا من خالقهم، ولا مكافأة إلا من ربهم.. لم يجدوا حاضنة تحتضن مؤسستهم دهرا طويلا، لأنه كيان لا يجيد التملق والمداهنة، ولا يقبل المراوغة والانحناء، ولا يسير في ركاب الملوك والأمراء، وما إن تكونت هذه المؤسسة الشعبية واشتد عودها، حتى هرع إليها علماء الأمة من كل أنحاء العالم، للانضواء تحت رايتها، والعمل بمواثيقها ومبادئها، لأنهم شعروا أنهم قد أصبحوا أحرارا بعد رق، طلقاء الفكر بعد حجر. هؤلاء أصدق الناس قيلا، وأبعدهم تأثيرا، وأعمقهم صلة، وأشدهم التصاقا، وأرحبهم فكرا، وأكثرهم قبولا، وأغزرهم فهما، وأعظمهم فائدة لدينهم وأمتهم. { وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا } [ الأعراف:58].

 

نسي أصحاب هذا الدعي المبتسر أن جنينهم لن يبقى طويلا، كمسجد الضرار الذي ظاهره  طاعة لله ورسوله، وباطنه حرب على الله ورسوله وكتابه والمؤمنين! ففضح الله تعالى مكرهم، وأبطل كيدهم، وأظهر للمؤمنين حقيقتهم، فقال: { وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ * أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ  } [التوبة:107-109 ].

 

نسي أصحاب الدراهم أننا في عالم جديد، وأن الشعوب بدأت تتعدد معارفها، وتتغير مواقفها، فنحن في زمن الإنترنت، والـ (فيس بوك)، والـ (يوتيوب)، والصحافة الإلكترونية، وأن طلبا بسيطا للعم جوجل يستطيع المرء أن يتعرف أكثر وأعمق وأدق على مكونات هذا الكيان اللقيط، لتُعرف مواقفهم المخزية، وتظهر صفحاتهم السوداء، التي لم يسطر فيها إلا صمت عن حق، أو تهليل لباطل! وصدق الله إذ يقول: {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلًا } [ الإسراء:84].

 

ولا يخفى أن هذه المحاولة ليست الأولى من هذا النوع، فقد سبقتها محاولات عدة لتكوين مثل هذه الكيانات، مثل رابطة علماء المسلمين، والتي يظن البعض أنها قادرة على تفتيت المؤسسات الشعبية- التي قامت لإحقاق الحق وإبطال الباطل- أو النيل منها، ودون ذلك خرط القتاد، فما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل! { فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ } [الرعد:17 ].

 

إن كلمة الحق عندما تخرج من فم العلماء الربانيين: تهتز لها العروش، وتتزلزل من هولها الأنظمة، وتستمع لها جماهير المسلمين: من طنجة إلى جاكرتا؛ بل إلى أبعد من ذلك، وإن لم يملك هؤلاء العلماء شبكة من القنوات الإعلامية، ولم يُجَند لهم الصحفيون والإعلاميون؛ بل جل الإعلاميين يقفون منتظرين منهم كلمة أو تصريحا، مترقبين شرف موعد لحديث صحفي أو تلفزيوني؛ بينما لا تقوى شاشات مُسَخَّرة، وأقلام مرتزقة، وبرامج مأجورة أن تصل إلى قلوب الجماهير المسلمة؛ لأن كلماتها لم تخرج من القلب، وإنما جاءت استجابة لما وُضع في الجيب!!

 

 

 

 

 

 

 



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023