لو كان المشهد الذي تمر به مصر الآن خاتمة لأمر ما فقد كانت بدايته ولا ريب 19 مارس 2011 الذي شهد أول استفتاء على إعلان دستوري في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، التي أطاحت بالمخلوع حسني مبارك وقامت بحل الحزب الوطني والبرلمان المزور وتعليق العمل بدستور البلاد.
ففي هذا اليوم خرج نحو 18 مليون ناخب 41٪ من أصل 45 مليون ناخب مسجل، أدلوا بأصواتهم في الاستفتاء، حيث صوت أكثر من 14 مليون ناخب (77٪) لصالح التعديلات الدستورية، في حين أن نحو 4 ملايين ناخب (23٪) قد صوتوا ضد هذه التعديلات.
ويقول مؤرخون وسياسيون في شهادتهم على هذا اليوم إنه أمام هذا المشهد الديمقراطي البديع والطوابير التي لم تعتد مصر عليها طوال تاريخها، استغل المجلس العسكري القائم على أمور البلاد حداثة عهد الشعب بالديمقراطية، ولعب السيسي كرئيس للمخابرات الحربية دورا بالغ الأهمية في الوقيعة بين الصف الثوري وبداية الشرخ في جدار الثورة.
وفي خضم التنازع بين الرأيين، ظهرت أصوات نشاز لم تألفها الثورة، وأعلاها إعلام مقرب في مجمله من المجلس العسكري وضخم منها بأن نعم تأييد للدين والتصويت بـ "لا" يخرجك من الإسلام، وأخري تدعي بأن "لا" تأييد للوطن وأن التصويت بـ "نعم" خيانة وطنية، وعلى أي من الرأيين؛ فقد كانت لهجة الإقصاء التي ظهرت بين الطرفين البداية، بداية النهاية.
فرق تسد
التعديلات الدستورية التي تم إقرارها حينها تضمنت وضع قيد على مدد الرئاسة بحد أقصى مدتين لفترة أربع سنوات، وبنود تضمن الإشراف القضائي على الانتخابات، وشرط للرئيس أن يعين نائبا واحدا على الأقل، وتشكيل لجنة لصياغة دستور جديد بعد الانتخابات البرلمانية، وسهولة أكثر في شروط الترشح للانتخابات الرئاسية، وهو ما بدا مقنعاً للقوي الإسلامية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين الفصيل الأكبر والأكثر تأثيراً في الشارع المصري، والتي أعلنت تأييدها للوثيقة المستفتى عليها لتقصير أمد المرحلة الانتقالية والبدء في بناء مؤسسات منتخبة، والأفضل لقطع الطريق على ظهور "فرعون جديد" بصلاحيات مطلقة، كما صرح حينها الدكتور عصام العريان عضو مكتب الإرشاد بالجماعة حينها، وهو ما اعتذرت عنه الجماعة لاحقًا.
في حين اعتبرت بعض القوى الشبابية أن بناء مؤسسات دون التطهير الكامل هو حرث في الماء، وأن كتابة دستور جديد للبلاد هو ما يجب أن يكون، وأن الاستقرار لن يتحقق بالتصويت بـ"نعم"، كما وضح مؤسس حركة 6 أبريل في تدوينة له في ذكري الاستفتاء: "زي النهاردة الإسلاميين قالوا غزوة الصناديق والعسكر قالوا استفتاء على شرعية المجلس العسكري والاثنين لعبوا على نغمة الاستقرار، حلو الاستقرار؟".
لكن حينها عدم اقتراح آلية محددة لاختيار لجنة كتابة هذا الدستور الجديد، التي طالبت به بعض التيارات لم يبد مطمئنًا للتيار الإسلامي.
العسكر.. ما أريكم إلا ما أرى
أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في يوم 20 مارس 2011 أن عدد المشاركين في الاستفتاء على التعديلات الدستورية كان 18,537,954 بنسبة 41.2% ممن تنطبق عليهم شروط التصويت، وأن عدد من قالوا نعم 14,192,577 بنسبة 77.2% وعدد من قالوا لا 4,174,187 بنسبة 22.8%.
وبعيداً عن الأرقام المعلنة فقد أصدر المجلس العسكري العسكري إعلاناً جديداً استولى على النتائج التي أعلنت في 30 مارس 2011، مما دفع محللين لاتهام العسكر بأن "الهدف الرئيس من هذا الاستفتاء هو أن يكون يوما للزينة وأن يحشر المجلس العسكري الثوار للطوابير ليتنازعوا وتذهب ثورتهم، وأن نهج العسكر الثابت ما أريكم إلا ما أرى!".
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أطراف النزاع المحتدم حينها، هم في الخندق نفسه الآن طوعاً أو كرها، في مواجهة آلة القمع التي يقودها الانقلاب العسكري.
من جانبها نفت جماعة الإخوان المسلمين صدور أي تصريح أو بيان عنها يقول إن في نعم الجنة وفي لا النار قادتها، وأعضائها الآن بين شهيد ومصاب ومعتقل ومطارد متهم بالإرهاب، في حين أن قيادات حزب النور وبعض أعضاء الدعوة السلفية ومن كانت تنطلق منهم سهام التطرف ضد من قالوا لا ينعمون بحماية العسكر لمؤتمراتهم وندواتهم.
وأن شباب الثورة من قالوا إن نعم ليست الخطوة الأمثل، وأن كتابة الدستور أولا هو الطريق دون تخوين لأحد يعذبون في المعتقلات، وتفتح عليهم النيران ليل نهار من وسائل الإعلام التي لطالما فتحت لهم الشاشات وتمنت عليهم أن يختلفوا ليل نهار لتفترق الثورة.
بداية النهاية.. أم بداية جديدة؟
في الذكري الجديدة لاستفتاء الوقيعة تساءل ضياء الصاوي المتحدث الرسمي باسم حركة شباب ضد الانقلاب، عن مدى إمكانية أن يتحد الجميع مرة أخرى في 19 مارس 2014، لمواجهة الحكم العسكري، وأن يصبح ذلك اليوم هو بداية لموجة ثورية جديدة ضد الحكم العسكري، قائلاً: "بعد كل ما حدث هل يكون 19 مارس 2014 بداية جديدة لوحدة الصف الثوري، خصوصًاً بعد أن أدرك الجميع خطأهم؟!".
كما أعلن التحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب في بيان له "أنه في 19 مارس 2011، كانت الدعوة الأولى للاستفتاء الشعبي التي خطفها المجلس العسكري السابق وأفسد بها مسار الثورة المجيدة، ومزق صفها، واستولى على نتائجها التي اعلنت في 30 مارس 2011.
ويسعى التحالف الوطني في عام 2014 لجعل هذه الفترة إحدى المحطات الايجابية البارزة في صناعة وتهيئة مناخ الحسم والتمهيد لاستكمال الثورة بوحدة صف ثوري وتجرد وطني".
وأكدت حركات محامون ضد الانقلاب، ونساء ضد الانقلاب، ومهندسون ضد الانقلاب، وجبهة استقلال القضاء، وصحفيون من أجل الإصلاح، وعدد من الحركات الشبابية والطلابية والأحزاب الاستجابة لدعوة شباب ضد الانقلاب بجعل يوم 19 مارس القادم موجة ثورية جديدة تصلح ما كان بين ثوار فرقهم العسكر ثم وحدهم في السجن بضع شهور، فعسي أن يكون 19 مارس 2014 بداية النهاية لـ 19 مارس 2011 ولانقلاب يحصد دون أن يفرق بين كل من ينادي "بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".