شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

في مسألة السلمية والسلاح – أحمد البنداري

في مسألة السلمية والسلاح – أحمد البنداري
  عندما تتحول الجيوش العسكرية من راع لأمن الوطن والمواطن إلى محاضن لتفريخ الرعب والرعب...
 
عندما تتحول الجيوش العسكرية من راع لأمن الوطن والمواطن إلى محاضن لتفريخ الرعب والرعب المضاد، وعندما يتحول القتل الممنهج إلي أداة لإنتاج القتل العشوائي، وعندما يُحول السحق العسكري المظاهرات السلمية إلى كفاح مسلح، وعندما تتولي الأجهزة المخابراتية الرسمية صناعة الأسطورة، والتمهيد لها بالأحداث المتتابعة، ثم نفخ الروح فيها بالجرائم المتتالية؛ لتتحول إلي واقع قد يعجزون هم فيما بعد عن احتوائه، ويكون الوطن والمواطن هما الضحية فتأكد أن هناك إنقلاب عسكري يسعي وبكل السبل لترسيخ حكمه واقعا ولو علي أنقاض الوطن نفسه .
 
 
إن "الإرهاب" الذي تكفل قادة الانقلاب بمحاربته قبل وجوده وطلب قائدهم التفويض لحصاره قبل اندلاعه في استدعاء لإستراتيجية إخضاع الجماهير بدافع الخوف، وإستعادة هتاف العسكري المفضل "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " والسحق الأمني المتواصل ضد السلميين العزل تحت ستار الإرهاب المحتمل من بعد الانقلاب العسكري كلها عوامل قادرة علي هز حالة السلمية لتفرز خلايا تخرج عن نطاقها وتتبني الكفاح المسلح .
 
 
فقد جاء الانقلاب العسكري كصدمة بكل ما تحمله الكلمة من معني قلبت الكثير من المفاهيم المتعلقة بالعمل العام والدولة القطرية والديمقراطية، وغيرت في العديد من الأولويات المتعلقة بترتيب المراحل وتقديم بعضها وتأخير البعض الأخر، وأثارت العديد من الأسئلة الملحة، والتي تبحث عن إجابات عاجلة لما ينبني عليها من فعل ضد الإنقلاب وأسلوب التعامل معه وبطبيعة الحال كان الشباب في طبيعة المتسائلين ومن ثم بدأت قيادات الحركة الإسلامية _والتي فقدت قدرا من فعاليتها وقدرتها السياسية من وجهة نظر بعض الشباب نتيجة للأخطاء الكارثية التي تسببت في صناعة المشهد الإنقلابي_حملة تحاور مع عدد من الشباب لوضع أُطر واضحة للتعامل مع المرحلة الخطيرة علي إثر الانقلاب تمثلت في تصريحات القيادات الثورية للاعتصام من مختلف التيارات والأيدلوجيات كان أوضحها الدعوة التي أطلقها الدكتور محمد بديع مرشد جماعة الإخوان المسلمين من علي المنصة في قلب الميدان "ثورتنا سلمية وستظل سلمية " حيث أوضح أن "سلميتنا أقوي من الرصاص" وبات الجميع أمام خطوات عريضة تتشكل رويدا لتعطي شبه منهجية قامت على أسس ثلاث:
 
 
1.الجيش المصري مؤسسة وطنية يرأسها مجموعة من الفسدة يريدون استئصال الحركة الإسلامية بجرها للعنف وجنود الجيش أبناء الشعب، ولن يوجهوا الرصاص إلي صدره مهما كانت صرامة الأوامر.
 
2.نجاح الموجة الأولي من ثورة يناير يرجع إلي سلميتها بالدرجة الأولي، والتي حققت التفاف شعبي حولها أجبر خصومها علي الإستسلام والقاء السلاح .
 
3.الرأي العام العالمي طرف خطير في المعادلة، واللجوء إلي السلاح يضعه كاملا في كفة الخصم؛ مما يرجح من احتمالات فوزه.
 
 
وتجلت هذه الأسس في أسلوب التعامل مع الانقلاب منذ يومه الأول، وبات واضحاً للجميع أن الثوار بمختلف قناعاتهم الفكرية عازمون على إشعال الثورة السلمية محليا عبر كسب أكبر مساحة من التأييد الشعبي، وحشدها المستمر في فعاليات سلمية مركزها الإعتصام الأضخم والأخطر في رابعة العدوية بهدف إرهاق دولة الإنقلاب، وإثبات عجز مؤسساتها إلى جانب التعاطي السياسي والحقوقي مع المحيطين الإقليمي والعالمي؛ لعزل الإنقلاب ورفع كلفة تأييده، وإثبات أن الرهان عليه خاسر ليكون الوقت هو العامل الحاسم في إسقاطه.
 
 
وكانت هناك محاولات حثيثة من بعض الشباب المتحمس للمقاومة المسلحة والقادم من خلفيات جهادية بالأساس لإثبات فشل هذه الإستراتيجية المستقبلي في تحقيق نتائجها عبر إعلاء منهج مضاد أساسه أن الإنقلاب صناعة أمريكية مدعومة دولياً دعما مفتوحاً، وأن الجيش بانقلابه عازم على القضاء على الحركة الإسلامية؛ لترسيخ مزيد من علمانية في الدولة تُزيح كافة القوي والأنوية الصلبة المقاومة ليتمكن من الهيمنة بشكل أكبر علي مقدرات الوطن الإقتصادية والسياسية مما يقتضي حمل السلاح علي الأقل للحماية وعدم انتظار الرصاص بالصدور العارية وبدأت المجازر ك: (مجزرتي النهضة والحرس الجمهوري) تعزز من رؤية هذه الشريحة، وتزيد من مساحتها وترفع صوتها في مواجهة تبريرات القادة التي تؤكد على فردية الوحدات المنفذة للمجازر، ونفي هذا السلوك عن الصف العسكري المصري، واستمر الجدل كنقاش دائر لم يتحول إلى فعل إلا على نطاق ضيق للغاية لا يسمح بتوصيفه كظاهرة، ولكنه يعطي مؤشر على وجود منهج أخر يوشك أن يجد له أنصار يتبنونه حركياً، وبات واضحا أن الشباب جميعاً قد كفروا بالصندوق لكن الغالبية العظمي منهم لم تكفر بالسلمية بعد .
 
 
وجاء فض اعتصام رابعة بارتقاء قرابة ألفي شهيد، وعشرات الألاف من المصابين برصاص القوات المسلحة والشرطية المصرية، وباستخدام المدرعات والمجنزرات، ودهس الجثث وحرقها في فظاعة ووحشية بدت متعمدة إما بغرض التخويف أو الدفع في حرف الثورة عن مسارها المرسوم؛ ليضع نقطة الافتراق الأكثر وضوحاً بين المنهجين، ويميل بالشباب نحو محاولة الردع والانتقام مدفوعين بمبررات عاطفية ودينية وجدت لها صدي عقلي، ولم تعد قضية كسر الانقلاب وحدها هي المحرك للفعل الميداني، وبدأت تظهر المجموعات التي كفرت بالسلمية والديمقراطية معاً، وبدأت في تنفيد بعض العمليات المحدودة التي يكسب الزمن أفرادها خبرة وتزيد جرائم الانقلابيين صفهم عددا .
 
 
وفي شبه جزيرة سيناء حيث عاثت القوات المصرية في الأرض فسادا، وأحرقت منازل المدنين بدعوي محاربة الإرهاب أيضا مدعومة ببروجندا إعلامية واسعة النطاق؛ لتدفع وللمرة الأولي منذ زمن بعيد برصاص الجماعات الجهادية إلي صدور أفراد الجيش المصري الذين_من وجهة نظر الجماعات الجهادية_ شكلوا من أنفسهم حائط الصد الأول لحماية الصهاينة؛ مما دفع هذه الحركات إلي تعديل منهجها الفكري واستراتيجيتها العسكرية، واعتبار الجيش المصري صائل باغي يجب حمل السلاح لردعه ورده.
 
 
ومع تصاعد الضربات التي تتلقاها المؤسسة العسكرية في شبه جزيرة سيناء وظهور بوادر حقيقية للضربات المسلحة في قلب القاهرة بدى الصوت الذي طلب بحسم التفويض لمحاربة الوهم مرتعشاً؛ عندما لاحت بوادر العجز عن السيطرة في الأفق لأقرب متأمل، وتحول الدم من صناعة دعائية لخطر حقيقي بدأ يصل إلى أفراد المؤسسات الأمنية بنسب تختلف باختلاف قناعات الفرق العاملة على الأرض .
 
 
وأصبح الخطر الوشيك يتمثل في إمكانية إقامة جسر جهادي يربط بين المجموعات الوليدة في قلب القاهرة والأقاليم والحركات الجهادية صاحبة الخبرة والتسليح في شبه جزيرة سيناء، وارتباط الشباب بهم ارتباطا عضويا وتنظيميا أو حتى خططياً واستراتيجياً، ولعل حرية الحركة المتاحة للعدد الغالب من هؤلاء الشباب باعتبارهم ليسوا من الإخوان المسلمين المرصودين أمنياً وغير معروفين إعلاميا وميدانياً، ولا يبدو عليهم السمت الإسلامي يوفر لهم مساحة من الحركة تمكنهم من تنفيد الضربات دون ملاحقات أو ضغوط يتعرض لها الأفراد العاديين للتنظيمات المسلحة.
 
 
وبدى واضحاً أن القيادات الأمنية وقعت في ارتباك حقيقي يجعل كل خطواتها في مختلف الإتجاهات عالية التكلفة فزيادة مساحة القمع تولد عدد إضافياً من حملة السلاح، ومحاولة إثبات الفعالية الأمنية بتوجيه إتهامات تنفيذ العمليات إلي مجموعات من الطلاب المعروفين في دوائرهم بالسلمية والمنهج الوسطي؛ يؤكد علي عدم قدرتهم علي الوصول للدوائر الحقيقية المنفذة، وبالتالي مزيد من الثقة والأمان والحرية في تنفيذ العمليات لهم .
 
 
وصحيح أن استخدام السلاح على نطاق واسع يضر ضرر حقيقي بالثورة ويدفع إلى الاقتتال الداخلي، وبالتالي فرصة لترسيخ حكم شمولي عسكري متكامل الأركان فوق جثث مئات الألاف علي غرار تجربة الجزائر. إلا أن وجود التهديد الدائم بالعمليات النوعية المركزة مع عدم تبنيها رسميا قد يشكل رادع يمنع التوسع المضاد أيضاً في استخدام القمع والسلاح مما يسمح بتكرار نموذج الثورة الإيرانية بشكل معدل عن طريق تحييد أغلب القوة العسكرية، وتحقيق نوع خفي من التوازن يفتح الميادين واسعة أمام الجموع السلمية لترفع أصواتها بالمطالب التي توجهها أيضا لمختلف الجموع الشعبية الأخري، وليس للسلطة باعتبارها خصم حقيقي يعتبرها عدو.
 
 
أكاد أثق أن جماعة الإخوان _أبرز القوي الميدانية المنظمة الرافضة للانقلاب_وباقي القوي الإسلامية التي تبنت مؤخرا النهج الثوري للتغيير العام بجانب النهج الإصلاحي في نظرتها للفرد لن تلجأ بسهولة أبدا إلي السلاح، ولكنني لست واثق من قدرتها على السيطرة على المجموعات التي صعقتها جرائم الإنقلاب، والتي ينطلق عدد من أفرادها من منطلقات تدين منهج الإخوان نفسه، وتكيل الملاحظات عليه علناً وتتهمه بالتخلي عن المنهج الإسلامي الصحيح في دفع الباغي .
 
 
وأعتقد أن الفتاوى الدينية المحفوطة والدوافع العاطفية المصدومة لا تصلح وحدها لإحداث هذا التحول الاستراتيجي بشكل جمعي في مسيرة الحركة الإسلامية والثورية، وإنما يحتاج الأمر إلي الجمع بين فقهي الأولويات والتوازنات وتوافر قدر من المعلومات يسمح بتقييم حقيقي للموقف، وبالتالي تغيير القناعات لأن الرصاصة الأولي ستتلقي حتما ردا بالأباتشي بما يجعل المعركة وشيكة الحدوث على أوسع نطاق ممكن لأول بادرة رسمية.
 
 
وفي المستقبل أتوقع أن تبدأ الحركات الجهادية في بناء الجسر الرابط بين شبه جزيرة سيناء وقلب القاهرة_إن لم يكن قد حدث فعلاً_ وإعلانها عن تنفيذ عملياتها بشكل أكثر توسعاً وخطورة تحت مضامين عاطفية؛ كالثأر للمسلمين وإقامة الخلافة أملاً في إيجاد حاضنة شعبية تساعد على نقل المعركة المسلحة في قلب القاهرة نفسها، والتي لن يستطيع الجيش المصري حينها مواجهتها بقدر كبير من الفعالية لاعتمادها على حرب العصابات والخلايا صغيرة العدد، والقدرة على الوصول للأماكن الحيوية، والقيادات الأمنية بسهولة أكبر من المتوفرة في سيناء، وأظن أن إرتفاع وتيرة العمل الجهادي، والعمل العسكري المضاد؛ سيدفع القوي الثورية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين إلى منهج أكثر تطرفاً في رفض الجهاد المسلح الموجه للداخل حفاظاً على الالتفاف الشعب حول الثورة السلمية كخيار استراتيجي.
 
 
ومن وجهة نظري أري أن الحل يكمن في إيجاد صيغة مقاومة تتبني الردع دون حد القتل في مواجهة المؤسسات الرسمية مع إمكانية تحييد القوة المفرطة، وبما يسمح بالحفاظ على الالتفاف الشعبي لأهميته في الدخول إلى معركة سلمية مفتوحة ضد الانقلاب لإثبات فشله وعجزه عن الوفاء بالمطالب والطموحات الشعبية التي رفعها بنفسه، وبالتالي كسره ورفع تكاليف دعمه للحد الأقصى، ولو توافرت إمكانية فتح اضطراب إقليمي ضد كافة النظم القمعية جملة واحدة لشغلها بنفسها، وإضعاف تركيز لجان المتابعة الغربية وتوزيعه؛ ففرص النصر المؤكد للجميع ستغدوا محتومة، وقد يعود من جديد مشهد قطع الدومينو وهي تتساقط.


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023