شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

شهداء الثورة .. قضية مصيرية أم تجارة إعلامية ؟!

شهداء الثورة .. قضية مصيرية أم تجارة إعلامية ؟!
"عشان حق الشهداء لسه مجاش.. مش عاوزينك"! جاءت هذه الجملة في السطر الرابع للوثيقة التي زعمت "تمرد"...

"عشان حق الشهداء لسه مجاش.. مش عاوزينك"! جاءت هذه الجملة في السطر الرابع للوثيقة التي زعمت "تمرد" جمع ملايين التوقيعات عليها للانقلاب علي أول رئيس مدني منتخب في تاريخ مصر، معلنة بدء حرب ضروس علي مرسي في وسائل الإعلام والصحف المصرية تتهمه بالتفريط في حقوق الشهداء والمصابين وتسول للشعب المصري أن تراخيه عن جلب القصاص سبب كافي للمطالبة برحيله قبل إتمام عامه الأول من مدة رئاسته، فهل نسي مرسي حقوق الشهداء، وهل لبت أحداث الثلاثين من يونيو وانقلاب الثالث من يوليو مطالب أهالي الشهداء والمصابين بالقصاص لأبنائهم؟ وهل توقفت أنهار الدم بعد 7 أشهر الانقلاب العسكري؟!

 

خالد سعيد .. شرارة الثورة

 

لقي الشهيد خالد سعيد مصرعه في يونيو 2010، بعدما تعرض للضرب المبرح من جانب شرطيين أرادا اعتقاله في مدينة الإسكندرية، وهو ما أثار موجة هائلة من السخط، خصوصا بين المنظمات الحقوقية والنشطاء الذين اعتبروه شهيدا لحالة الطوارئ التي استمر نظام الرئيس السابق حسني مبارك في فرضها طوال سنوات حكمه الثلاثين.

 

وكانت صفحة "كلنا خالد سعيد" التي تم إنشاؤها على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) بعد مقتل الشاب السكندري البالغ من العمر 28 عاما، أحد العناصر الرئيسية في إشعال جذوة الثورة بعدما دعت للتظاهر ضد نظام مبارك بالتزامن مع عيد الشرطة في 25 يناير 2011، وهي الثورة التي أطاحت بمبارك بعد 18 يوما من اندلاعها.

 

توالت الأحداث بعد ذلك لتسفر خلال فترة الـ 18 يوم الأولي من الثورة على مبارك (من 25 يناير 2011 حتى 11 فبراير 2011) عن 1075 قتيل في 22 محافظة مختلفة تنوعت ما بين اشتباكات بين الأمن ومدنيين أو لجنة شعبية أو اعتداء على معتصمين أو شغب داخل أماكن احتجاز أو هجمات مسلحة أو اغتيال أو تعذيب أو قتل خارج إطار القانون.

 

ثم جاء عهد طنطاوي والمجلس العسكري، ليسجل خلال فترة حكم المجلس (من 11 فبراير 2011 حتى 30 يونيو 2012) 438 قتيل في 24 محافظة مختلفة، و16,806 مصاب "بحسب موقع ويكي ثورة".

 

أول رئيس مدني منتخب

 

جاء أول رئيس مدني منتخب محملا بأعباء جسام، وما بين فساد متراكم لعقود طويلة، أثر على أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، كان أول لقاء لمرسي الذي أعلنها وكررها مرارا "دماء الشهداء في رقبتي" وأصر عل اصطحاب أسر أهالي شهداء ومصابي الثورة، معه لقصر الاتحادية في أول اجتماع رسمي بعد فوزه.

 

وأمام مسلسل من أحكام البراءة أظهر تواطئ عبد المجيد محمود مع نظام المخلوع مبارك الذي عينه نائباً عاماً، وفساد منظومة العدالة بمصر، لم يجد مرسي بدا من إقالة محمود وتعين المستشار طلعت عبد الله نائباً عاما، ومن ثم تشكيل لجنة لتقصي الحقائق ضمت عددا من أسر الشهداء والمصابين وحقوقيون وقضاة وآخرين.

 

وصدر قرار رقم 10 لسنة 2012 من رئيس الجمهورية بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق وجمع الأدلة عن المسئولين عن قتل المصريين من 25 من يناير، وحتى توليه مقاليد السلطة في 30 يونيو 2012 .

 

سلمت اللجنة تقريرها للرئيس بعد 6 أشهر في الثاني من يناير، فأمر الرئيس بتحويله إلى النيابة العامة، التي قررت تشكيل "نيابة الثورة" للتحقيق في كافة الجرائم والقضايا التي احتواها تقرير لجنة تقصي الحقائق، والذي يقع في 800 صفحة، ويتضمن 14 ملف تضم عشرات القضايا من أهمها قتل المتظاهرين في 25 يناير حتى 11 من فبراير، موقعة الجمل، فض ميدان التحرير مرتين في 9 من مارس، و8 من ابريل، أحداث السفارة الصهيونية في مايو 2011 وأكتوبر 2011، أحداث العباسية في يوليو 2011 ومايو 2012، أحداث ماسبيرو وأحداث محمد محمود، وأحداث مجلس الوزراء، وأحداث إستاد بور سعيد، وأحداث وزارة الداخلية في فبراير 2012، وأحداث المرج ومسرح البالون وأحداث منشية ناصر والمفقودين، وأحداث محافظة الإسكندرية والسويس .

 

انقلاب قبل المحاكمة

 

يبدوا أن تلك الخطوات التي كانت على وشك أن تحاكم رموز المخلوع مبارك ومن تورط في قتل المصريين من قادة المجلس العسكري لم تلق ترحيباً من قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي الذي استغل غضب الشارع من أوضاع اقتصادية صعبة ليعلن انقلابه على الرئيس المنتخب في الثالث من يوليو، ومن ثم يغلق ملف الشهداء وتبدأ تبرئة جميع المتهمين بقتل الثوار، وعملية ممنهجة للانتقام، والتنكيل بشباب الثورة ورموزها، وقادتها ومن النظام الشرعي نفسه بمحاكمات هزلية.

 

وقد اعتبر خبراء قانونيون وسياسيون استمرار وتصاعد البراءات المتتالية للمتهمين بقضايا قتل المتظاهرين بثورة 25 يناير، وآخرها قضية الإسكندرية (آخر قضية لقتلة الثوار) والحكم الهزلي على قتلة خالد سعيد مع إثبات تهمة التعذيب عليهم، بأنها مكافأة للشرطة على دورها في حماية حكم العسكر، ورسالة واضحة لرجال الشرطة والجيش بأن لديهم تحصينا مطلقا، وأن سيناريو البراءات يمهد له منذ اليوم الأول لثورة يناير.

 

إلا أن الأمر لم يتوقف على ذلك، فبعد ما ارتقى عدد من خيرة شباب مصر شهداء في ثورة يناير، ثم عدد آخر في عهد المجلس العسكري، لم يتوقف الأمر حيال ذلك بل ازداد أضعافا.

وما حدث في مجزرة الحرس الجمهوري والمنصة، بالإضافة إلى فض اعتصامي رابعة والنهضة من مجازر بشعة أودت بحياة الكثيرين، كان دليلا على نية العسكر في سحق كل من يقف أمامه، أو يعبر عن رأيه.

 

"مهرجان براءة .. وأحكام انتقامية"

 

فيقول  د. السيد أبو الخير – الخبير القانوني والمحامي بالنقض – إن القضاء المصري يعد أخطر آليات الثورة المضادة، وأن ما يحدث الآن من أحكام على طلبة الجامعات والمدارس والأطفال بمدد كبيرة، وحبس شباب الثورة ورموزها هو خارج إطار القانون، وليس تطبيقا لأي قانون، وليس من موازين العدالة بل أحكام انتقامية لمعاقبة الشعب على أنه ثار ضد حكم العسكر .

 

وبدوره يرى د.مجدي قرقر –القيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية ورفض الانقلاب وأمين عام حزب الاستقلال- بحسب تصريحات صحفية، أن براءة قتلة المتظاهرين وحبس ثوار 25 يناير ليسا مشهدين بل مشهد واحد؛ مؤكدا أن هذه المحاولات ليست وليدة اليوم بل وليدة الساعات الأولى لثورة يناير، وما تم من المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي الذي حاول تمرير عاصفة ثورة يناير بأقل الخسائر الممكنة لنظام مبارك، ومن هنا ليس مستغربا أن مهرجان البراءة للجميع يمتد إلى أكثر من سنتين، ويتم تمكينه بدرجة أكبر بعد الانقلاب العسكري في 3 يوليو. 

 

ليست النهاية

 

العدالة تغيب كاملا عن المشهد حين يطلق سراح الحاكم المستبد الذي أطاحت به ثورة شعبه، بينما يجدد حبس الرئيس المنتخب كل أسبوعين، فالمتهم بالقتل والتعذيب يفرج عنه، والمفجوع بقتل إخوانه يختطف ويغيب عن جماعته.

وصمت الإعلام عن مجازر الشهداء لا ينتهي؛ فلم يتورع عن المتاجرة بدمائهم لتحقيق غرض الانقلاب، فإنه فيما يبدو أن 800 صفحة لم تكن كافية لتسطر مصر اسمها في صفوف الأمم المستقلة، وأن شهداء جدد في البحث عن الحرية سيحتويهم تقرير لجنة تقصي الحقائق.

لعله يفتح يوماً ويسجل الآلاف الذين قضوا ضحايا انقلاب عسكري ضلل الشعب وزعم الثورة "عشان حق الشهداء لسه مجاش" ! .



تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023