كتب دان ميرفي من صحيفة “كريستيان ساينس مونتيور” الأمريكية عن قرار السلطات المصرية توجيه اتهامات بالإرهاب لصحافيي قناة الجزيرة المعتقلين في سجونها، قائلا إنها تشير إلى حال مصر وكيف تغيرت.
وأشار ميرفي في التقرير الذي نقله موقع”عربي 21″، إلى أن من بين 20 صحافيا سيقدمون للمحاكمة خمسة صحافيين أجانب متهمون بدعم “منظمة إرهابية”، الأمر الذي “يسلط الضوء على الطريقة الفجة التي يتم من خلالها التعامل مع المعارضة وحرية التعبير في مصر التي تبرز في مرحلة ما بعد مبارك”.
ويقول ميرفي “يقوم البلد بجلد نفسه بشعارات الوطنية، ويعيش حمى الخوف من الأجانب ببرامج حوارية تلفازية تذهب بعيدا في الحديث عن المؤامرة الأمريكية- الصهيونية- الإخوانية لتدمير مصر، وتقوم بشكل متكرر بالنباح والتهديد بسفك دم المحليين والأجانب. وفي الوقت نفسه تنشغل الحكومة بزج الإخوان المسلمين والناشطين الليبراليين واليسارين في السجون، وصار أي نشاط تضع يدها عليه مدعاة للسجن ولم توفر الأكاديميين”.
ويضيف، ولم تستثن الحملة الإعلام المحلي، لكن الطريقة التي استهدف من خلالها الإعلام الأجنبي وتهديد العاملين فيه بمدد سجن طويلة أمر جديد في تاريخ القمع المصري. ففي ظل مبارك تم تكميم الإعلام بشكل شديد، حيث كان ينتهي كل محرر وصحافي يتحدى الرقابة الحكومية امام المحكمة”
ومع ذلك فقد تمتع الإعلام الأجنبي – في عهد مبارك- بنوع من الحرية حيث فهمت الحكومة أن دوره ليس مهما في السيطرة على الشعب المصري “فكل ما كان يتعرض له المراسل الأجنبي هو الترحيل أو رفض تجديد إقامته، لكن فكرة الزج بمراسل صحافي استرالي وكندي بزنازين طرة الباردة، حيث سجنت أجيال من المعارضين السياسيين المصريين، لم تكن أبدا ورادة على الذهن. فلماذا نثير ازدراء المجتمع الدولي بلا داعي؟”.
ويقول الكاتب إن الباحثين الأجانب في العهد البائد “كانوا قادرين على إجراء مقابلات بحرية، ورغم وجود بعض التضييقات والإزعاج، مثل رفض الكثير من الناس الحديث بحرية، لكن لم يكن الوضع أسوأ مما كان عليه في سورية وتونس”.
وفي ظل الوضع الحالي “قضى مراسل الجزيرة الإنجليزية بيتر غريست، والمنتج في القناة نفسها الكندي- المصري محمد فهمي والمصور المصري باهر محمد 30 يوما في سجن طرة، وقالت الحكومة المصرية إنها ستقدمه للمحاكمة إلى جانب بريطانية وصحافية هولندية و14 مصريا كلهم يعملون لصالح الجزيرة بتهمة دعم “منظمة إرهابية”.
وأشار ميرفي لرسالة غريست الأسبوع الماضي التي شرح فيها الظروف التي يقاسيها في سجن طرة “أشعر بالعصبية وأنا اكتب هذه الرسالة، أنا في زنزانتي الباردة بعد السماح لي بالتريض لمدة أربع ساعات على العشب خارج عنبرنا، لا أريد أن تؤخذ مني هذه الحرية، لأنني في داخل الزنزانة مدة 24 ساعة خلال الأيام العشرة الأخيرة”.
ويشير ميرفي إلى أن حالة غريست هي أحسن من زميليه فهمي وباهر محمد المتهمان بالانتماء للإخوان المسلمين، ولهذا فهما معتقلان في سجن العقرب الذي أنشيء خصيصا لسجن الإرهابيين. ولم يسمح لفهمي بتلقي العلاج، خاصة أنه بحاجة ماسة إليه بسبب جرح في كتفه. ويقضي الرجلان 24 ساعة في الزنزانة التي يعيش فيها الذباب، وينامان على الأرض بدون كتب ولا مواد للكتابة عليها. ويقول غريست “تذكر أننا لم نتهم رسميا بأي شيء أو يصدر الحكم علينا”.
ويقول الكاتب إنه يمكن تخيل ما يتعرض له الآلاف من المعتقلين السياسيين في أنحاء البلاد ممن ليست لديهم صلات بالإعلام الخارجي.
ويضيف الكاتب إن “كون الجزيرة هدفا ليس مثيرا للدهشة، فقد كانت القناة من الداعمين المهمين للانتفاضة التي أطاحت بنظام مبارك، ودعمت الإخوان المسلمين ورئيسهم محمد مرسي، أول رئيس مصري منتخب. ومقارنة مع شقيقتها العربية، تبنت الجزيرة الإنجليزية لغة محايدة، لكن الأساليب التي استخدمت لاستهداف مراسليها أعطت إشارة عن لعبة حكام مصر الجدد. فبعد أن اعتبر الجيش الإخوان المسلمين جماعة محظورة وإرهابية، تقول الحكومة الآن أن من يقابل أيا من أفراد الجماعة ويبث تصريحاتهم هو إرهابي مثلهم، مع أن “من الصعوبة بمكان أن تقوم بعمل مهني في مصر بدون أن تتحدث للإخوان المسلمين”.
ويرى ميرفي أن موقف الحكومة يعبر عن رؤية المشير عبد الفتاح السيسي الذي يدير البلاد منذ الانقلاب، ويصر على سحق الإخوان المسلمين، ومن هنا فالدوس على الإعلام الأجنبي وتحويل الإعلام المحلي لأداة دعاية جزء من هذه الخطة. ولأنه يجب سحق الإخوان، فيجب أن لا يسمح لهم بإبداء رأي، بل يجب تقديمهم على أنهم شياطين.
ويقول ميرفي إن ما تقوم به الحكومة ليس استهدافا لجماعة أو مجموعة من الناشطين الأفراد أو الصحافيين الأجانب فحسب، بل هو إعادة لعقارب الساعة إلى وراء، وسيطرة الدولة على كل شيء، كما كان الحال قبل عقود “فالإعلام مدجن والمعارضون في السجن والمواطنون خائفون، فلن تكون الانتخابات إلا شأنا تديره الدولة بطريقة مسرحية وبدون أي معنى، فقط فكر بنسبة 98% للتصويت على الدستور الجديد الذي يدعمه الجيش”.