شبكة رصد الإخبارية
follow us in feedly

في هجاء حزب النور – الجزء الأول (البدايات)

في هجاء حزب النور – الجزء الأول (البدايات)
    السلفية في مصر هي "تيار" في أصلها و الغالب الأعم فيها وهي عبارة عن منطلقات عقدية واتجاهات...

 

 
السلفية في مصر هي "تيار" في أصلها و الغالب الأعم فيها وهي عبارة عن منطلقات عقدية واتجاهات فقهية ومدراس استدلالية ولم تكن يوم ما حركة أو حزب ، وانتشارها دوما كان بطرق انتشار اأافكار لا التنظيمات ، ولذلك كانت خصوماتها غالبا مع الاطروحات العقدية والسلوكيات "البدعية" فقد كانت السلفية بمصر مشغولة بمخاربة انحرافات التصوف و كانت تراهم الخصم الأول منذ دخلت مصر ، و اشتبكت مع أشعرية الأزهر و مع اعتزالية بعض المفكرين الكبار وحاربت دوما ظاهرة التيسير الفقهي أو إن شئت التمييع الفقهي ولهذا كانت خصوماتها كتيار تتناسب وطبيعتها وكان الاخوان دوما ليسوا خصما "أصيلا" في اطروحات السلفية -اللهم إلا في نقد سلوكياتهم او اختياراتهم الفقهية- كونهم ليسوا مذهب عقدي أو فقهي وطبيعة التيار أنه يصطدم مع "عناوين" وأفكار لا كيانات وأحزاب ، وهذه طبيعة أي تيار ذو منطلقات فكرية انما يتصارع مع شبيهه ونظيره ونده .
 
لكت تحولا بنيويا ظهر في مسار السلفية عبر تاريخها حيث أنه مع تضخم الإخوان ليس في مصر وانما في المنطقة وبروز لعبة الديمقراطية "الجزئية" في الكويت و مصر وغيرها بدأت أطروحات السلفيين داخل الحالة السلفية تدعو لتنظيمها وتكتيلها وتوظيف الانتشار الواسع للحالة السلفية والتيار السلفي لتنظيم حركي فاعل ، وهذا برز على يد اثنين منهم سلفية الكويت وعلى رأسها الشيخ "عبدالرحمن عبد الخالق" وسلفية "السرورية" بالسعودية وكانت على يد محمد سرور زين العابدين ، وهذه الأخيرة قد ارتأت في بدايتها التنظيم لخدمة الدعوة فقط بينما الأولى اتجهت لتوظيفه فيما وراء الدعوة وهو العمل السياسي والحزبي ، وسرعان ما واجه التنظيمين عمليات قصف كبرى من داخل البناء السلفي نفسه لإدراكه أنه لايصح أن يتم تأميم "التيار والحالة" لصالح كيانات ستكون لاحقا احتكارية ذات مصالح أخرى سياسية وشخوصية وغيرها ولذلك تم تبديع الحالة داخليا من بقية صنوف السلفية ومشيخاتها وتياراتها.
 
سرعان ما انتقلت العدوى للداخل المصري حيث تبنت سلفية الاسكندرية القادمة أيضا من أصول "تنظيمية" كالجماعات الاسلامية في السبعينات ، تبنت رؤية تأطيرية و تنظيمية لتحويل السلفية ل"حركة" توظف إسم التيار لصالح مشروع مجموعة من المشايخ "المهجنين" فلقد كان تأثر مؤسسي الدعوة السلفية بالاسكندرية ببعض من أفكار محمد قطب وسيد قطب واضحا وبالغ الوضوح في أفكارهم في مسائل الحاكمية ، و لهذا فقد أخذوا شكل التنظيم والحركة لكنهم أخذوا على عاتقهم اختيارا كانوا "عقائديا" قبل أي شيء وليس مجرد اجتهاد فقهي وهو أنه لا يصح شرعا الدخول في لعبة الديمقراطية كونها لعبة "كفرية" تضع الدين على طاولة التصويت وبجانبه الكفر ، وهذا كلام مشايخهم وهذا ما أصل له ياسر البرهامي نفسه في كتابيه "المنة" و "شرح المنة" وفي كتاب السلفية ومناهج التغيير حيث اعتبر برهامي فيه أن الديمقراطية ليست للاسلاميين وان الجيوش العميلة للغرب بمجرد أن يقترب الإسلاميون من السلطة عبر الديمقراطية سينقلب عليهم ، ونظر أيضا شيخهم الشحات لذلك في مجموعة مقالاته عن فوز حزب العدالة والتنمية في تركيا ، وكانوا دوما يلومون الاخوان في ذلك ويلومون عليهم تحالفاتهم مع العلمانيين في اصرار منهم على مفهوم نقاء الراية .
 
كان يرى "تنظيم" الدعوة السلفية بالاسكندرية في اطروحات مشايخه أن عمليات التشريع في ظل الديمقراطية هي عمليات "كفرية" و أن الجيوش وحكام البلاد هم طواغيت وبمجرد حكمهم بغير الشريعة قد وقعوا في "الكفر" وإن لم يكفروا بشخوصهم لعلة غياب إقامة الحجه عليهم ، وكان كتاب "شرح المنة" يشرح الفرق بين الوقوع في الكفر وبين تكفير المعين ، حيث أنه لا غضاضة أبدا لديهم في وسم فعل الديمقراطية بأنه كفر وبأن المؤمنين به الممارسون له وقعوا في الكفر و إن لم يعتبروا ذاتهم كفارا ، و أن مبارك نفسه قد وقع في الكفر ﻷنه حكم بغير شرع الله و أن تكفيره كشخص ينقصه بعض الآليات فقط لاقامة الحجة ليس إلا وبالرغم من ذلك كان الخروج عليه محرما ليس ﻷنه ولي أمر و إنما لعلة منع مفسدة أكبر وفلسفة حقن الدماء التي سفكت بها دماء الآلاف لاحقا ، وبهذا اشتركوا مع السلفية المدخلية في النتيجة وان افترقوا في المقدمات .
 
كل تلك اﻷطروحات الفكرية والفقهية والعقدية تحولت إلى ورق "تواليت" سريعا في أول اختبار ميداني لها ، فقد أسست الدعوة السلفية بالاسكندرية حزبا أسمته حزب النور و أصبح الإخوان هم الخصم الرئيسي له على مر معاركه وتحالفوا في مرات قليلة جدا ، وأصبحت الديمقراطية بها مصالح ومفاسد ، وبها خير وشر ، و أصبحت الجيوش الطاغوتية لاحقا جيوشا وطنية و أنهم أحرص على مصر من الإسلاميين ، و أصبح السيسي أولى بالتحالف فقيها من مرسي ، و أصبح دستور الانقلاب دستورا يحفظ الشريعة ، و أضحت الانقلابات ذاتها فكرة جيدة للتخلص من الاخوان حيث أن الخلاف معهم عقائدي بينما الخلاف مع الجيش لايذكر ، وكأن السيسي قد تتلمذ على يد ابن باز و أخذ الصحيحين على يد الألباني ، أصبحت تهنة النصاري جائزة اليوم و أن عيدهم عيد لكل المصريين ، وأصبحت الداخلية يجب أن تدعم و أصبح المنتفضون بوجه الطاغوت اليوم "أشبه بالخوارج" و أصبحت مؤتمراتهم تحت حماية قوات الطاغوت ، أصبح اليوم التفاخر من البرهامي بأنه وجد تحالف رجال الأعمال والجيش و الفلول والعلمانيين فقرروا الانضمام له بعد كانت كل تلك التشكيلات "طاغوتية" في نظرهم سابقا . 
 
هذه التحولات لا يمكن أبدا تفسيرها بأنها تحولات فكرية ، فالتحولات الفكرية لا تأتي بهذه السرعة ولا وبهذا الحجم ، إلا في حالتين إما أن صاحبها تعاطى 10 زجاجات شمبانيا ، أو أنه بالأساس لم يكن مؤمنا بما يطرحه بالقدر الكافي ، وهناك تفسير العمالة للجهاز الأمني ، لكنني دوما أحبذ تفسير سلوك هؤلاء باستخدام أدوات علم النفس لا علم المنطق ، وهذا ما سنتعرض له في المقال القادم 
 


تنفيذ و استضافة وتطوير ميكس ميديا لحلول الويب تنفيذ شركة ميكس ميديا للخدمات الإعلامية 2023