لو نظرنا إلى قائمة المتهمين في القضايا التي بدأت التحقيقات فيها في تركيا لوجدناهم كبار المسؤولين في الشركات الاقتصادية التركية الكبرى وشركات الانشاءات التي تقوم على مشروعات مطار اسطنبول الجديد وجسر السلطان سليم ومحطة الطاقة النووية وغيرها من المشروعات التنموية و الاقتصادية الكبرى وهي المشروعات التي كان أردوغان يؤمل كثيرا عليها في ان تنقل تركيا من مرتبة الاقتصاد السابع عشر التي هي عليه الآن إلى المرتبة العاشرة عالميا.
ومع تمكن الشركات التركية الكبرى في مجالات البناء والتشييد من اقامة شراكات مع شركات عالمية خارج تركيا فهذا معناه توجيه ضربة قوية للاستثمارات الخارجية التي تدعم الاقتصاد التركي وتلعب دورا كبيرا في نموه، وكذلك توجيه ضربة لهذه الشركات من خلال اعمالها المنتشرة في جميع انحاء العالم حيث اصبحت لديها الخبرة الكبيرة في انشاء الطرق والمطارات واعمال البنية التحتية الرئيسية وتقوم بذلك في كثير من دول العالم، والى ان تنتهي التحقيقات وتحكم المحكمة بعد عدة سنوات في مثل هذه القضايا يكون الاقتصاد قد خرب وسمعة الشركات والافراد قد دمرت بغض النظر عن إدانتهم من عدمها.
ومنذ بداية الأزمة الاخيرة ظهر أردوغان عدة مرات بل ربما يخرج على الناس كل يوم او اكثر من مرة في اليوم حيث يجوب المدن التركية محاولا ان يهدم هذه المؤامرة على رؤوس اصحابها ويذكر الاتراك بالانجازات الهائلة التي قام بها في كل المجالات والتي نقلت حياة الاتراك وغيرتها بشكل غير مسبوق وجعلت مستوى الدخل يرتفع خمسة اضعاف خلال عشر سنوات كما قام برصف اكثر من اربعة عشر الف كيلو متر من الطرق السريعة وبنى 26 مطارا جديدا وهو ضعف كل المطارات التي كانت تملكها تركيا من قبل، وبنى مائة جامعة جديدة وقضى على الأمية في البلاد وجعل كل تركي تحت التأمين الصحي والرعاية الكاملة.
وهذا لا يعني ان حكومته من الملائكة وليس فيها فاسدون، كلا، ولكن تسليط الضوء على قضية لم تبدأ فيها التحقيقات بعد وادانة اصحابها عبر وسائل الاعلام وتسريب التحقيقات إلى الصحف يوما بيوم، اظهر ان ضربة أردوغان هذه المرة من الداخل وتحديدا من جماعة فتح الله كولن احد حلفائه الرئيسيين الذي توجد سيطرة وحضور لجماعته في الشرطة والقضاء والاعلام، وان قرارات اتخذتها حكومة أردوغان قبل سنوات لم ترض عنها الجماعة او بالاحرى قائدها الذي يقيم في الولايات المتحدة دفعتهم لهدم المعبد على رؤوس من فيه كما يقول المثل.
فقرروا ضرب حكومة أردوغان من الداخل ويبدو انهم قد تعمدوا اثارة هذه القضية قبل ثلاثة اشهر من الانتخابات البلدية حتى تشكل ضربة قاصمة لأردوغان وحزبه وجماعته وان تشكل حرجا له ربما يجبره على الاستقالة في ظل انه يخطط لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في شهر اغسطس القادم، لكن ما يحدث الآن في ظل اعلان الحكومة أن الأزمة السياسية الاخيرة كلفت تركيا مائة مليار دولار حتى الآن يظهر ان المؤامرة اكبر من مجرد صراع سياسي
وانما هناك اطراف دولية ضالعة فيها كما قال أردوغان من خارج تركيا وان الهدف هو تدمير هذا المارد الذي يهدد الغرب بتطوره الاقتصادي ونفوذه السياسي، من المؤكد ان أردوغان في ازمة لكنها ليست الاولي و ان تجاوزها فإن تركيا ستكون قد تجاوزت أصعب ازماتها لكنها لن تكون نهاية الأزمات والمؤامرات.