"القمع" هو عنف أو قهر قسرى أو إذلال يوجهه الآخرون تجاهك لمنعك بالقوة من التعبير عن وجهة نظرك، أو منعك من سلوك اتجاه صحيح يخالف ما يريدونك أن تسلكه بالقوة (كقمع مظاهرة مثلا).. ولذلك فهو يختلف عن "الكبت" الذى يصدر عنك أنت، أى هو ردة فعل داخليه ذاتيه تصدر منك (كأن تكبت غيظًا من شىء ما أو حبا فى نفسك مثلا لشئ ما).
وتعريفه فى (لسان العرب) هو : (القَمْعُ مصدر قَمَعَ الرجلَ يَقْمَعُه قَمْعًا وأَقْمَعَه فانْقَمَعَ قَهَرَه وذَلَّلَه فذَلَّ والقَمْعُ الذُّلُّ والقَمْعُ الدخُولُ فِرارًا وهَرَبًا وقمَعَ فى بيته وانْقَمَعَ دخله مُسْتَخْفِيًا).
ومنه (القمع السياسى) Political repression أو إرهاب الدولة بأدواتها المختلفة الشرطية والعسكرية والقضائية والإدارية لك، وقمعك عن التعبير بحرية أو التحرك على غير رغبة السلطة الديكتاتورية.
ومنه (القمع الفكرى) بمعنى أن يكون الفكر بيد الدولة أو الحكومة التى تسيطر على جميع وسائل الفكر كالكتب والصحف والمجلات والإذاعات والفضائيات وتقوم بالتخلص من كل من يعارض رؤيتها من الكتاب والإعلاميين والصحفيين، أو تمنع من يخالفها من الكتابة أو الظهور فى هذه الوسائل التى أممتها لصالحها.
ومنه أيضا (القمع الاقتصادى) الذى هو سيطرة وهيمنة الفئة الحاكمة وبطانتها على ثروات الشعوب الاقتصادية لقهر المعارضين لها فى الحكم وفرض إرادتها عليهم، واستغلال النظام الحاكم المستبد لحاجات الناس وضرورياتهم للحياة الكريمة، من خلال التضييق الاقتصادى عليهم؛ لكتم أنفاسهم وكبح إرادتهم وإذلالهم وإخضاعهم لإرادته.
ومن أشكال هذا القمع الاقتصادى أيضا: زواج السلطة والثروة وسيطرة العصابة الحاكمة على معظم الثروات والتكسب من سلطاتهم الوظيفية، وانتشار الاحتكار الاقتصادى ذى النفوذ السياسى وهيمنته على الأسواق والأعمال وغلاء الأسعار على الطبقات الفقيرة وشيوع ظاهرة غسل الأموال والفساد الاقتصادى بكل صوره وأكل أموال الناس بالباطل واتساع الهوَّة بين الطبقة الغنية المسيطرة والطبقة الفقيرة المهمشة المسلوبة الإرادة بسبب القمع السياسى.
فضلا عن سيطرة البطانة المحيطة بالسلطة المستبدة على مواقع اتخاذ القرارات الاقتصادية للاستفادة منها دونما أى اعتبار لمن غيرهم من الناس وحصول هذه البطانة المنافقة (سياسيين – صحفيين – إعلاميين – علماء سلطان.. إلخ) على مزايا ومكافآت اقتصادية دون حق؛ بهدف دعم وحماية العصابة الحاكمة.
وهناك نوع جديد أخطر من القمع ظهر فى مصر عقب الثورة المضادة فى 30 يونيو وانقلاب 3 يوليه، هو (القمع القضائى) المتمثل فى استغلال القانون والمحاكمات فى قمع المعارضين عبر تلفيق تهم أو توجيه اتهامات فضفاضة وعامة لهم ومحاكمتهم وسجنهم بناء عليها، بالمقابل إطلاق سراح مفسدى النظام السابق وتبرئتهم بحجج مختلفة أبرزها "نقص الأدلة"، كما يحدث حاليا عبر تكبيل دعاة الحرية والشرعية بعشرات القضايا فى المحاكم كى لا يخرجوا منها إلا بعد سنوات من تداول القضايا المختلفة وتأجيلها رغم براءتهم!
******
وغالبا ما ينتج عن القمع بصوره المختلفة "تذمُّر" تتمخّض عنه ثورة على الظلم والاستبداد لأن الظالم لا يفيق من غيبوبته إلا بعد أن يجد نفسه معزولا عن شعبه وبطانته المنافقة أو فى السجون أو القبور، وأبرز صورة لهذا هو ما حدث لحسنى مبارك فى ثورة 25 يناير 2011، بعدما قامت الثورة لإنهاء قمع الدولة المستمر منذ عشرات السنين، وجاءت فى نفس يوم احتفال جهاز القمع (الشرطة) بعيده السنوى!.
وكل حاكم أو نظام أو دولة بوليسية سارت على هذا النهج ووسعت قمعها على مختلف شرائح شعبها، انتهى مصيره إلى "الخلع" من السلطة والمحاكمة على جرائمه ضد شعبه، لأن الشعوب التى قمعت لفترات طويلة وعوقبت واضطهدت ومنعت من ممارسة حقوقها وحريتها، تتحول مع مرور الوقت إلى "قنابل موقوتة" من حيث لا يدرى الظلمة.. والقرآن والتاريخ به متسع من الروايات والتجارب.
وفى مصر انتهى القمع الأمنى والسياسى والاقتصادى والقضائى فى عهد مبارك ثم المشير طنطاوى إلى الثورة وخلع السلطة الحاكمة، ولهذا فتصاعد القمع الحالى ضد الثورة الشعبية وتزايد عمليات القتل والحرق والتعذيب والاعتقال وتلفيق التهم وحصد "الظلمة" للمكاسب (الفساد المالى) على حساب الشعب المطحون، سوف يصب فى النهاية لصالح ثورة جديدة أقوى فى 25 يناير 2014 لأن القمع الدموى والقضائى والاقتصادى والنفسى والسياسى الحالى ينتج مزيدا من التعاطف ويوسع دائرة الاحتجاج الشعبى.. هكذا يقول التاريخ والعلم والعلوم السياسية التى درسناها!