يبحثون عن مخرج فى مفاوضات غير معلنة ووساطات غير منصفة للخروج من ورطة ذهبت بالوطن فى بحيرة من دماء الأبرياء، جعلت البلاد ترتدى زى الحداد ما بين قتيل وجريح ومعتقل ومطارد.
يتلاعبون باقتصاد أمة ثم يتهمون أصحاب الصوت الحر بالسبب فى ذلك التدهور.
نتلقى الهزائم المتوالية داخليا وخارجيا، سياسيا (وحتى رياضيا) واقتصاديا بهروب الاستثمار الأجنبى من أرض الكنانة التى أضحت ما بين عشية وضحاها ألعوبة فى يد مجموعة من الهواة يمارسون فيها خيانتهم وعمالتهم الصارخة.
يدمرون البنية التحتية بحظر التجول الذى لم يوقف سوى عمال المصانع وأصحاب الأعمال مما تسبب فى خسارة فادحة لهؤلاء.
يكممون الأفواه ويعتقلون الأحرار ويعتدون على الحرائر.
يغتصبون حكما اختاره الشعب بإرادته الحرة لأول مرة فى تاريخه.
يعادون كل فئات الشعب، ولم يتركوا الحرية لأحد سوى للبلطجة بكل أنواعها، إعلامية وفنية وسياسية وخلقية.
يحكمون دولة بحجم مصر بالحديد والنار فى وقت ذاق فيه الشعب حلاوة الحرية فاستعصى وعصى.
سيسقط الانقلاب، نعم سيسقط وأقرب مما نتخيل جميعا، إنه كالجنين المشوه الذى يحمل معه عوامل فنائه.
إنه وعلى مدى التاريخ الإنسانى كله لم نجد نظاما يحمل كل هذا الكم من الحقد والظلم إلا وقد سقط مع الوقت، تسقط كل تلك الأنظمة حين تنتفض الشعوب، وحين تدرك هشاشة الظالمين، وحين تهون الروح فى سبيل الحصول على الحرية، أما وإن شعب مصر قد انتفض معظمه إلا بقية من عبيد استهوتهم البيادة والعبودية فلا بقاء لظالم.
أما وقد خرج الجيش المنوط به حماية الشعب والأرض ليقتل وينهب ويحرق ويدمر ويعتقل فلا بقاء لظالم.
أما وقد استفحل الشر لتتحالف الشرطة المنوط بها الحفاظ على الأمن الداخلى وتطهير البلاد من البلطجية لنجدها وقد تحالفت مع هؤلاء ضد مواطن كريم كل ذنبه أن امتدت يده بالخير يوما لكل الناس وليس له مطلب سوى أن يحيا كريما، فلا بقاء لظالم.
أما وقد هب الشباب فى ثورة عارمة شملت كل طلاب مصر صغارا وكبارا فتيات وفتيانا وفى كل صعيد، يسترخصون الروح فى سبيل حرية عاشوها عاما واحدا على يد رئيس منتخب صار اليوم زعيما لكل أحرار العالم، لا يخيف هؤلاء الطلاب غاز ولا رصاص حى ولا يردعهم دهس مدرعة تطاردهم وهم العزل إلا من أربعة أصابع فى كف واحدة يشيرون بها على الطاغية، ليستشيط غضبا ويكون ذلك كفيلا بإطلاق آلة القتل عليهم بلا رحمة، فلا بقاء فى هذه الحالة لظالم.
أما وقد صار لهذه الأمة زعيم يعلن أمام العالم ومن خلف القضبان الحديدية أنه الفداء الأول لهذا الوطن، وأن دماءه فداء لكل دم، وأنه لا بديل عن الشرعية ولو كان ثمنها حياته هو، وأنه لا تنازل عن حق شهيد ولا تنازل عن مطلب مواطن، ولا تنازل عن حقوق غزة وسوريا، فلا بقاء لظالم.
أما وقد تعالت المرأة المصرية لتنافس أقوى الرجال وأعظمهم فنجد الشهيدة والمعتقلة والمطاردة والثائرة، هى الأم الثكلى الصابرة، وهى الزوجة الأرملة الصامدة، وهى الأخت التى تؤازر وتشارك، وهى الثائرة التى تحير رجال الانقلاب من شارع لميدان، من الجامعة للمدرسة، للأحياء للحارات للطرق العامة، فلا بقاء لظالم.
أما وقد تنازل الأطفال عن لعبهم ليكون مسيرة ضد الانقلاب، ونسوا أغنياتهم وأناشيدهم القديمة ليتحدثوا عن الصمود، وليسأل أحدهم الآخر: "انت سيسى وللا مرسى"، ليكون السيسى هو رمز العبودية منبوذا مطرودا من مصاحبتهم فهو الخائن القاتل، فلا بقاء لظالم.
أما وقد قسم الانقلاب الشعب الواحد لشعبين، أحدهما حر ثائر رافض للانقلاب ثم هو مقتول، والآخر مفوض بالقتل، فلا بقاء لظالم.
أبشروا أيها الأحرار، فلسوف يثمر تحرككم خير الثمار، ولسوف تتطهر بلادكم بعدما نضجت التجربة واستوعبنا جميعا الدرس جيدا، فالحق لا بد له من قوة تحميه، ولا بناء جديد إلا باجتثاث القديم من جذوره، وأن استئصال الداء من الجسد المتوعك قد يكون الحل الأوحد لشفائه. ونحن فى طريقنا ماضون، ولن يوقف ذلك المد الشعبى قوة، وإن هى إلا ساعة صبر، وحتما سيسقطون.