قرأت لأحد نشطاء مواقع التواصل الإجتماعي أن الإخوان المسلمين و الإسلاميين عامة لديهم رؤية للوضع في مصر مفادها أن الجهتين المؤهلتين لتولي الحكم في مصر بعد ثورة الخامس و العشرين من يناير هما القوات المسلحة و الإسلاميين و بالتالي ستكون سنة تداول السلطة بين هاتين الجهتين . و بالتالي فهم ينتظرون إنهيار السلطة العسكرية نتيجة للتظاهر في الشارع بشكل دائم حتى تسقط السلطة كثمرة يانعة في أيديهم مرة أخرى . النظرية لدي ما يؤيدها من حوارات مع قياديين إسلاميين و لكن النتيجة لا أظن أنها صحيحة , و عليه تنشأ الفكرة التالية . هذا أحد أدواء الثورة و الثوار الرئيسة … إعتبار الثورة قامت لحساب طرف من الأطراف و إعتبار الهدف منها الوصول للسلطة و نصرة الأيديولوجيا و تمكينها . و الواقع أن هذا الداء مصاب به كل الأطراف فغير الإسلاميين أعلنوا ان الإسلاميين قد " سرقوا منهم " – لاحظ منهم – الثورة و عليهم إستعادتها حتى لو إستدعوا العسكر للقيام بإنقلاب عسكري . تنازع على السلطة أنسى الجميع أهداف الثورة الرئيسية و تعريفها و ما تريد , لكن علىنا أن نتذكر أن الإسلاميين جاءوا عبر صناديق الإقتراع بينما إغتصب غير الإسلاميين السلطة على ظهر الدبابة .. فهذا فارق جوهري . الإنقلاب الحالي مجرد نتيجة طبيعية للخلل الإستراتيجية لدى الجميع سواء إعتبار الجيش أمر واقع و طرف أصيل في معادلة الحكم لا يجوز المساس به من قبل الإسلاميين أو إعتبار الآخرين الجيش وسيلة الخلاص الوحيدة من خصومهم الإسلاميين .
كانت اللحظة المناسبة للعسكر للعودة مرة اخرى إلى قمة الهرم بضعف مناعة جبهة الثورة نتيجة للصراعات و التخوين و الأخطاء . هذه الفكرة لم تكن خاصة بالإسلاميين فقط و لكنها عامة لقطاع واسع من الشعب المصري يرى القوات المسلحة الطرف الذي يجب عليه أن يتدخل عندما تتعقد الأمور و له دور سياسي طبيعي في مصر . ثمة بعض الدلائل على أن ما حدث قد شابه الكثير من سوء التقدير لدى العديد من ذوي الوطنية و الإنتماء للثورة و إن تفاوتت درجة الخطأ . نسمع كل فترة عن إنشقاق في حركة تمرد الواجهة الشبابية للإنقلاب العسكري لشباب أدركوا إرتباط الحركة بالثورة المضادة , البرادعي ترك السفينة بعض مجازر الفض و كذلك خالد داوود المتحدث باسم حزبه … العديد صمتوا أو بدأوا في العمل ضد الإنقلاب .. تتفاوت الدرجات و لكن اللوحة يعاد تشكيلها و تنتظر الإطار .
في هذه اللحظة الفاصلة .. لحظة الحقيقة التي نواجه فيها الثورة المضادة العاتية نحتاج إلى إعادة تعريف الثورة و تحديد أهدافها . الثورة للجميع .. فاصلة بين الماضي الكئيب بكل موروثاته و المستقبل المشرق الذي نرغب فيه . الثورة لم تكن ضد مبارك و عز و سرور و صفوت و إنما ضد الفساد و الإستبداد و التبعية و غياب الحريات و العدل و إغتصاب السلطة و تغييب و تجهيل الشعب.
السبب الرئيسي في كل ما ذكر من أمراض هو الحكم العسكري لمدة ستين عاما لذا يجب ان يكون الهدف الأول الذي يجتمع حوله كل من ينتمي للثورة هو إخراج العسكر نهائيا من الحياة السياسية .. لا يكون لهم أي دور لا ضامن و لا وسيط و لا غيره . يجب إعادة تجميع كل من ينتمي إلى الثورة في إطار موحد في مواجهة العسكر و لأن الجميع أخطأ فستكون قاعدة التجميع عدم التورط في دماء رابعة و النهضة و الحرس الجمهوري و غيرها من مواطن سال فيها الدم المصري . ونحتاج إلى جمعية وطنية للثورة تكون الممثل الشرعي لها و تكون شرعيتها مستمدة من الثورة هدفها بناء قاعدة المستقبل للشعب المصري الذي يجب أن ينتقل له حتى يعيش حياة طبيعية سياسيا و إجتماعيا . نحتاج إلى توعية الشعب المصري الذي جرف سياسيا على مدى العقود السابقة حتى يصبح قادرا على الإختيار و حماية خياراته . حتى لا يكون عرضة للإستغلال السياسي من قبل الساعين نحو السلطة لحماية فسادهم , لا ثورة دون شعب واع . نحتاج إلى إعادة تقييم الخريطة الفكرية للشعب المصري بعيدا عن أوهام الأغلبية الساحقة حتى نستطيع بناء شراكة وطنية على قاعدة التوافق و الوحدة في وجه العسكر و هو ما تحتاجه المرحلة بشدة إن أردنا العودة للمسار الطبيعي . نحتاج إلى تحويل الثورة إلى حياة ديموقراطية حقيقية تتم في ظلها عملية ديموقراطية فعالة قادرة على إدارة الخلافات دون ممارسة مراهقة الإسقاط المتكرر و يكون العقاب السياسي من خلال آلياتها فقط .
أقترح أن يعاد تشكيل تحالف دعم الشرعية الذي يقود ثورة الشارع حاليا على هذا هذا الأساس بحيث يضم كل من يريد لثورة مصر أن تتم سواء كان صامتا الآن خجلا مما يحدث أو نقمة على أخطاء من كانوا في السلطة أو إرتباكا و شعورا بأن الإختيار بين سيئين .. الجميع بأهداف يتفق عليها الجميع و ترتبط فقط بنجاح الثورة دون أي مطالب سياسية لأي فئة .. نحن نحتاج إلى بناء القاعدة . فيصبح هذا التحالف الموسع هو الجمعية الوطنية للثورة و تنتقل إدارة الصراع الحالي إليها و يصبح البت في أي أمر متعلق بإجراءات هزيمة الإنقلاب خاص بها . و لكني أعتقد أن هزيمة الإنقلاب لن تكون إلا بعودة الدكتور مرسي رئيسا للجمهورية و الدستور المستفتى عليه و مجلس الشورى على ان يكون مصير كلهما بعد هزيمة الإنقلاب في يد الجمعية الوطنية سواء تعديل الدستور أو إنتخابات رئاسية مبكرة . نحتاج إلى فترة إنتقالية نضع فيها قواعد اللعبة قبل البدء بها لأن ما حدث يؤكد أن اللاعب الأساسي و هو الشعب المصري لم يكن يعلم شيئا عن قواعدها .
المصدر:رصد