كخدمة لزملائي المترجمين، الذين قد يجدوا أنفسهم في ظروف مشابهة، ولأنني أعتقد بإن الإساءات لا ينبغي أن تمر مر الكرام، فإنني أرغب في سرد الحقائق المتعلقة بمشروع إنتاج نسخة إنجليزية من رواية "نادي السيارات" للكاتب المصري الشهير علاء الأسواني. أولاً، على أن أؤكد بأنني لست من النوع المجادل ولا المشاكس ولم يسبق لي بتاتاً التنازع مع أي من مؤلفي أو ناشري الكتب الثمانية التي ترجمتها خلال السنوات القليلة الماضية. بل على العكس من ذلك، تجربتي مع الحياة هي أنك إذا كانت لديك حجة قوية وكنت مستعداُ للدفاع عن موقفك فإن خصمك في العادة يتنازل لك، والسبب في ذلك، وكما نقل عن ديكارت، هو أن الإحساس بالعدل هو أكثر شيء في العالم يوزع بإنصاف، فلا أحد أبداً يرغب في حصة منه أكبر مما هو حاصل عليه.
وبناء على ذلك، وحينما قرر الأسواني بشكل منفرد ونزوي الانسحاب من الاتفاق الذي تم ترتيبه بيني وبين ناشري كتابه افترضت بأنه سيتقدم مني باعتذار وبأنه سيفي بالتزاماته ويدفع إلي بسرعة تعويضاً سخياً عن الوقت والجهد الذي بذلته لصالحه. وعزز من فرضيتي تلك أنني والدكتور الأسواني لم نكن غرباء، فقد التقيت به عدة مرات، وأجريت معه مقابلات تلفزيونية في مناسبتين، وقد زارني هو وزوجته في مناسبتين أو ثلاث لتناول الغداء والعشاء في بيتي في القاهرة وفي منزلي الريفي في الفيوم. وقد عملنا معاً منذ ٢٠٠٩ بخصوص ترجمة كتاباته السياسية، وخاصة عموده الأسبوعي الذي كان يكتبه للصحف المصرية وكنت أعد ترجمة له بالإنجليزية لينشر في الصحافة العالمية. وكان دائماً يعرب عن سعادته بعملي وكنت أقدر تقديراً عظيماً موقفه الشجاع ضد القمع الوحشي الذي كانت تمارسه الشرطة في السنوات الأخيرة من نظام حسني مبارك، وضد مشروع توريث مبارك الحكم لابنه جمال من بعده وفيما بعد ضد العسكر الذين حكموا مصر حتى يونيو (حزيران) ٢٠١٢. وأذكر أنني قابلته في ميدان التحرير في فبراير ٢٠١١ وكان حينها يصيح غاضباً ويقول إن قناصي الشرطة كانوا يطلقون النار على الجموع من مكان ما بالقرب من وزارة الداخلية. وبعد الثورة عملت في ترجمة كتاب يجمع مقالاته بعنوان "ذي ستات أوف إيجبت" (حالة مصر أو دولة مصر) والذي نال تقدير عدد لا بأس به من النقاد وبيعت منه نسخ كثيرة في البلاد الناطقة بالإنجليزية. وكنت كلما حقرت النخب الأدبية من شأن روايات الأسواني أهب باستمرار مدافعاً عنه محاججاً بأن مصر والعالم العربي بحاجة إلى روائيين جيدين يؤثرون الحبكة والشخصية على التباهي الأدبي والإفراط في التحليل الذاتي. وكنت دائماً أقول إنه ثمة مكان للجميع وبأن الأسواني كان يسد بعمله الأدبي ثغرة مهمة.
لم يعد بإمكاني الإحساس بنفس الشعور تجاه الدكتور الأسواني وتحديداً فيما يتعلق بقدرته الخاصة كفرد من حيث التزاماته الاجتماعية تجاه من هم من حوله. وأقل ما يمكن أن أقوله بشأنه هو أنه رجل غير شريف. ولكن، سأترك للآخرين الحكم عليه من خلال سردي لجذور ما نشب بيننا من نزاع:
في أغسطس (آب) ٢٠١٢، اتصلت بي دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة، والتي تربطني بها علاقة عمل طيبة تمتد لأعوام خلت، لمعرفة ما إذا كنت مهتماً بإعداد الترجمة الإنجليزية لرواية الأسواني "نادي السيارات" والتي كان ينوي إتمامها بنهاية شهر نوفمبر. قلت لهم بأنه سيسعدني تولي الأمر.
اتصلت بالدكتور الأسواني بشأن الكتاب عدة مرات ما بين سبتمبر ٢٠١٢ وفبراير ٢٠١٣، وكان السبب الرئيس للاتصال الحصول على تصور واضح بشأن الموعد المتوقع لانتهائه من كتابة الرواية، مع الأخذ بعين الاعتبار أن دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة أخبروني بأنهم كانوا ينوون التوصية بأن أكون أنا المترجم، وذلك بعلم وموافقة الدكتور الأسواني.
في الخامس عشر من فبراير (شباط) أرسلت للدكتور الأسواني رسالة إيميل قلت فيها "أرجو أن تعلمني أين وصلت في كتابتك لرواية "نادي السيارات"، فأنا أتطلع لرؤية نسخة منها ولبدء العمل في ترجمتها." رد علي قائلاً: "لقد انتهيت من الرواية وسأرسل النسخة العربية في الأسبوع المقبل إلى وكيلي أندرو وايلي، الذي طلب مني أن أوافيه أولاً بالنص الذي سيرسله هو من بعد إلى دار النشر. وأظن أنك ستحصل على النص في القريب العاجل عن طريق وايلي."
في العشرين من فبراير (شباط) أرسلت إلي دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة النص العربي الكامل للرواية لأعد ما بين ١٥ و ٢٠ صفحة كعينة من الترجمة لتسليمها لدار نشر نوبف دبلداي، ومقرها نيويورك، لأنهم، حسبما قالوا، بحاجة إلى إقرار عينة الترجمة قبل المضي قدماً في المشروع.
في السابع والعشرين من فبراير (شباط) سلمت دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة عينة من ٨٦٠٠ كلمة.
في الرابع عشر من مارس (آذار) أرسلت إلي دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة رسالة عبر الإيميل تقول فيها بأن دار نشر نوبف درست العينة ووافقت على أن أمضي قدماً في الترجمة. عمدت دار النشر فيما بعد إلى وضع الأسس التي شكلت ما أصبح من بعد عقداً فيما بيننا، ينص على أجرة الترجمة وتاريخ تسليمها كاملة، إلى آخره.
في السابع والعشرين من مارس (آذار) أرسل إلي جورج أندرو، أحد محرري الناشر نوبف، رسالة بالإيميل يقول فيها: "أكتب إليك لأعرفك بنفسي بصفتي محرر رواية الدكتور علاء لدى الناشر نوبف، ولأقول لك كم أنا سعيد لقبولك القيام بمهمة ترجمة كتابه الجديد. أتطلع للعمل معك في تحرير الترجمة الإنجليزية. وإذا كانت لديك أية أسئلة يمكنني الإجابة عليها في هذه الأثناء فأرجو عدم التردد في التواصل معي." قلت له أتمنى أن يساعد في تسريع عملية إعداد العقد.
في الحادي عشر من إبريل (نيسان)، ذكرت السيد أندرو بموضوع العقد فأجابني بما يلي: "لقد تم طلب ذلك، وأعتذر لك عن التأخير. وسوف أتصل بك قريباً لأخبرك متى يتوقع وصوله إليك." في نفس اليوم وصلتني رسالة من جاهوا كيم، الذي يعمل أيضاً في دار نشر نوبف، يقول فيها: "ثمة تأخير في دائرة العقود بسبب تراكم المعاملات حالياً، ولكننا نتوقع أن نكون قد انتهينا من إعداد عقدك خلال أسبوع من الآن. أرجو ألا تتحرج من الاتصال بي إذا كانت لديك استفسارات أخرى."
في الخامس والعشرين من إبريل (نيسان)، أرسل إلى الدكتور أسواني برسالة يشكرني فيها على "جهودي في ترجمة نادي السيارات" ويسألني إذا كانت لدي أي استفسارات. أجبته بأنني أحرز تقدماً جيداً وبأنني أفضل أن أوجه له جميع الاستفسارات جملة واحدة في مرحلة متأخرة من الترجمة. رد علي مساعده برسالة قال فيها: "الدكتور علاء مسرور بأنك تعمل فيها حالياً … وهو على استعداد للمساعدة في أي وقت."
في الأول من مايو (أيار)، وافاني أخيراً ويليام شانون، من دار نشر نوبف، بعقد معه رسالة يقول فيها: "إذا بدت لك الاتفاقية سليمة فالرجاء طباعة ثلاث نسخ وتوقيعها وإعادة نسختين منها إلى جوهوا كيم الذي يعمل في مكتب جورج أندرو." أعدت لهم النسخ موقعة كما طلبوها، تارة كصور عبر الإيميل وتارة كأصول بالبريد العادي.
في الحادي عشر من مايو (أيار) وصلتني رسالة عبر الإيميل من أندرو وايلي، وكيل الدكتور أسواني، يقول فيها: "بعد إعادة النظر، وبالتشاور مع الدكتور علاء ودار نشر نوبف، نجد أنفسنا مضطرين لسحب طلبنا لك بالقيام بترجمة الرواية." ولم تعط الرسالة تفسيراً ذا بال لهذا القرار. أجبته بأنني وقعت العقد وأنجزت على مدى عدة شهور جزءاً كبيراً من العمل في المشروع. وقلت له بأن الدكتور أسواني حر في اختيار مترجم آخر، ولكن دار نشر نوبف و/أو الدكتور أسواني ملتزمان بأن يدفعا لي أجرة ما أنجزته من عمل وما بذلته من وقت سيكون بسبب هذا القرار قد ضاع هباءاً.
في الثاني عشر من مايو (أيار) أرسل إلي الدكتور أسواني رسالة عبر الإيميل، وكانت تلك رسالته الوحيدة بشأن هذا الموضوع على الرغم من المعرفة القديمة والعلاقات الودودة بيننا. قال في الرسالة إنه أراد أن يقوم السيد س (هويته ليست ذات قيمة هنا) بترجمة "نادي السيارات". وتبريره لهذا القرار هو: "أظن أنك ستتفهم بأنني أشعر بالارتياح للعمل معه." ووجه اللوم إلى دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة بسبب ما أسماه سوء فهم وقال إنه لم يكن يدري أنني كنت منهمكاً في ترجمة الرواية (بالرغم من أننا كنا قد تناقشنا علانية حول الموضوع عدة مرات). حتى هذه اللحظة لم يكن أسواني قد رأى العينة التي سلمت لدار نشر نوبف في فبراير (شباط). ولكنه الآن راح يطلب عينة من الترجمة، والأغرب من ذلك أيضاً أنه اقترح أن يعطى السيد س دوراً في تحرير ترجمتي. فأرسلت له العينة المكونة من ٨٦٠٠ كلمة والتي كانت دار نشر نوبف قد أقرتها.
في اليوم التالي الموافق للثالث عشر من مايو (أيار) أرسل إلي تشارلز بوشان من وكالة وايلي رسالة أملاها عليه أندرو وايلي يقول فيها: "لقد اطلع علاء الأسواني على ترجمتك للصفحات الأولى من "نادي السيارات" ووجد بأن الترجمة غير مرضية … سوف تعهد ترجمة الكتاب إلى السيد س، ولقد تم إبلاغ كل من دار نشر الجامعة الأمريكية في القاهرة ودار نشر نوبف بذلك." يبدو أن الدكتور أسواني ومساعده أمضيا عدة ساعات طوال الليل يقلبون وينقبون في العينة التي أرسلتها إليهما بحثاً عما يمكن اعتباره أخطاءً تبرر قرارهم الارتجاعي بسحب عقد الترجمة مني. لقد كانا متحمسين أكثر من اللازم وجهودهما أفرزت وثيقة تبعث على السخرية.
هذه الوثيقة التي وزعت على عدد من الناس تتضمن عبارات يمكن أن يؤاخذ عليها القانون البريطاني لما فيها من قذف وافتراء. واحدة من أشنع هذه الافتراءات اعتراض الأسواني على تهجئة اسم السورة الأولى في القرآن باللغة الإنجليزية fatiha"فاتحة" بكسر التاء، وهي التهجئة المتبعة لدى معظم الأكاديميين والناشرين. كتب الأسواني في الوثيقة المشار إليها أعلاه: "السيد رايت كتب الفاتحة fatihaبكسر التاء وليس fathaبتسكينها، ونظراً لأن fathaالفاتحة (بتسكين التاء) هي السورة الأكثر تلاوة في صلوات المسلمين فإن التفسير الوحيد لهذا الخطأ هو أن السيد رايت غير قادر على قراءة هذه الكلمة المشهورة جداً بشكل صحيح كما هي في اللغة العربية." وتستمر الوثيقة بنفس النهج (باحثة عن مبررات واهية) مثل اعتراض الأسواني على ترجمة العبارة العربية "أحسست بالوحشة" إلى "I felt lonely" باللغة الإنكليزية، مصراً أن الأفضل هو "I felt solitude". ومن ذلك أيضاً إصراره على استخدام كلمة chaletsبدلاً من beach houses. طبعاً، الأمر لا يستحق، ولكن لعله أراد أن يعطي القارئ انطباعاً بأننا نتحدث عن جبال الألب في سويسرا وليس عن شاطئ البحر المتوسط. وقائمة ما ادعاه الأسواني ومساعده من أخطاء تطول وتطول. إلا أن خلاصة الأمر أن الأسواني ومساعده يظنان فيما يبدو أنه يتوجب على الترجمة أن تكون نسخة طبق الأصل كلمة بكلمة حيث تقابل الأسماء بأسماء والأفعال بأفعال وهكذا. أو لعلهما لا يعتقدان ذلك في الواقع وإنما ظنا أن بإمكانهما من خلال مسرحية مبتذلة إيجاد مهرب جيد من التزاماتهما المالية بموجب اتفاقية لم تكن من وجهة نظرهما مواتية. إذا كانت الجحيم موجودة حقاً، فأفترض أنها تحتوي ركناً خاصاً لأولئك الذين يشهدون زوراً ضد زملائهم من أجل حفنة من المال.
استكمالاً للقصة، في الحادي عشر من مايو (أيار) كتب إلي السيد أندرو، في لحظة صدق نادرة من دار النشر نوبف بعد مراسلات عديدة تبادلتها معهم، ليقول لي: "كما تعلم، كنت راض عن عينة الترجمة التي أرسلتها إلينا، ولكن لم يعد ممكناً بالنسبة لنا، كدار نشر لكتاب الدكتور أسواني، أن نستمر في ترتيب لا يرضيه، فالمؤلفون لهم امتيازاتهم." بمعنى آخر كان قرار دار النشر الانسحاب من الاتفاقية قائماً على قرار المؤلف، وهو القرار الذي بدا وليد نزوة ما. عرض علي السيد أندرو مبلغاً ضئيلاً كتعويض فقلت له إن عرضه غير كاف.
بعد سلسلة من المراسلات المتبادلة حول حجم ما أنجزته من عمل، تجاهلت دار نشر نوبف اقتراحي – الذي مضى عليه الآن ما يقرب من شهر – بأن نختار محكماً مستقلاً ليقوم بالتقييم. وهي فكرة معقولة جداً من وجهة نظري.
بل ذهبت دار نشر نوبف إلى الزعم بأننا لم يكن بيننا اتفاق في يوم من الأيام لأنه ليس بحوزتي عقد موقع من قبلهم (والحقيقة أنهم لم يرسلوا إلي أبداً بنسخة موقعة من قبل أحد منهم)، وبذلك يكون عرضهم الذي تقدموا به إلي هو تفضل منهم علي. إلا أن ما حصلت عليه من نصيحة قانونية يؤكد أن حجتهم واهية وأن كل عناصر الاتفاق بيننا متوافرة. والعقد لا يوجد فيه ما يسمح بالانسحاب الأحادي، والشرط النوعي الوحيد في العقد ينص على أن يسلم النص النهائي في سبتمبر ٢٠١٣، وهم ما لن يتحقق أبداً بعد هذا الذي حدث.
في الخامس عشر من أكتوبر (تشرين الأول) جربت دار نشر نوبف أسلوباً جديداً، وهو ادعاء أنها لم تقر بتاتاً عينة الترجمة التي سلمت لها في فبراير (شباط). وهو ما لا يمكن وصفه بلغة صريحة وفصيحة سوى بأنه الكذب بعينه، فكما أشرت سابقاً كان السيد أندرو قد صرح في الحادي عشر من مايو (أيار) ما يفيد عكس ذلك تماماً.
جري اتصال واحد آخر بيني وبين الدكتور أسواني حينما أبلغته في الثاني والعشرين من مايو (أيار) بأنني وإلى أن يتم حل النزاع بيننا فلن أتمكن من الاستمرار في ترجمة مقالاته السياسية. رده يبين بوضوح سلوكه مع من يتعامل معهم، إذ كان مصدر قلقه الوحيد هو أن قراري "غير المهني" – الذي بدا غير متوقع من قبله – سيربك التوزيع العالمي لمقال واحد قصير. قال لي بأنه في ظروف اعتيادية كان سيجمد مستحقاتي عن ترجمات سابقة – ما يقرب في المجمل من ٦٠٠ دولار – ولكن بالرغم من كل هذا "فسوف أرتب تسديد المبلغ المستحق لك لأنني أعتقد أنه يتوجب علي حسن السلوك إلى النهاية."
شكراً لك يا دكتور أسواني على هذا الجود، ولكنك لم تحسن السلوك، بل كان سلوكك شائناً جداً.
يمكن التواصل مع الأسواني على الإيميل التالي:
أما رئيس التحرير في دار نشر نوبف صوني ميهتا فيمكن التواصل معه على الإيميل التالي:
ويمكنكم التواصل معي عبر إيميل:
أو عبر هاتفي في لندن
00447586244484
جوناثان رايت
٢٣ أكتوبر ٢٠١٣.