منذ أكثر من قرن من الزمان تواجد عبدالله النديم، أحد الذين شاركوا في الثورة العرابية بالكلمة والشعر، وفى 15 سبتمبر 1882 قامت معركة التل الكبير، وهزم عرابى فأصبح الجميع بما فيهم عبدالله النديم كاتب الثورة العربية مطلوبين من قبل سلطات الاحتلال الإنجليزي وتابعهم الخديوي توفيق، وبين ربوع القرى المصرية اختفى النديم في بيوت عدد من الأحرار حتى قبض عليه وتم نفيه.
وها هو التاريخ يعيد نفسه مع الألفية الثالثة، وبعد ثورة يناير 2011، تولى أحد داعمي الثورة "جماعة الاخوان"، حكم البلاد بإرادة شعبية من خلال تلك الثورة، وبعد عام واحد، أطيح بالرئيس المنتخب بعد أحداث 30 يونيو وما تبعها من أحداث عنف وقتل في فض اعتصامي رابعة والنهضة، وهروب أعضاء الإخوان بين القرى والمدن المصرية.
وفور فض اعتصامي رابعة والنهضة، والذي راح ضحيته آلاف المعتصمين، اضطر قيادات الإخوان إلى الاختباء في قرى وأماكن أخرى، حتى تمكنت قوات الانقلاب من اعتقال المرشد العام للجماعة وآخرين من بينهم الشاطر والكتاتني وغيرهم، فيما لايزال عصام العريان، أحد القيادات البارزة في الاخوان في حالة هروب ولم تتمكن شرطة الانقلاب من اعتقاله حتى الآن.
أما باقي أعضاء جماعة الاخوان المسلمين، فيعيشون حياتهم في ترقب وانتظار بين لحظة وأخرى مداهمة قوات الأمن لمنازلهم أو أماكن عملهم والزج بهم في السجون، خاصة بعدما أصبحوا معروفين لجهات الأمن ولجيرانهم بانتمائهم لهذا الجماعة، وهم بقدر المستطاع في حذر شديد في التعامل الاجتماعي، بخلاف التظاهرات اليومية والأسبوعية.
واضطر العديد من أعضاء جماعة الاخوان إلى تغيير سكنهم من حين لآخر، خوفا من كشف الجيران عن هويتهم والتبليغ عنهم.
وقال "أ.م"، أحد أعضاء الإخوان في الصف: "إننا بقدر المستطاع لا ندخل في أحاديث مع مواطنين لا نعرفهم، في السياسة أثناء عملنا أو حتى أثناء المواصلات، حتى لا نتعرض لاعتداءات همجية من بعض مؤيدي الانقلاب، ولكننا مستمرون في التظاهرات المؤيدة للشرعية كل يوم".
وتعاني بعض المؤسسات والشركات المعروفة، التي يمتلكها الإخوان المسلمين من حالة شلل تام وتضييقات أمنية على أعمالها، ومنها قناة مصر 25 التي أغلقت وأوقف بثها، أما جريدة الحرية والعدالة فتصدر دون مكتب معلن، فتصدر من إحدى الشقق في مكان غير معلوم، رغم عدم إصدار قرار بمنع صدورها، لكن تعرضت للعديد من الهجمات من عناصر مجهولة بعد 30 يونيو، بخلاف الصعوبة في التوزيع بسبب معوقات مطبعة مؤسسة الأهرام التي فرضتها على الجريدة، من تقليل عدد النسخ، ومطالبتها بسداد المديونية.
وتسير طريقة العمل عن طريق الإنترنت فقط دون اجتماعات دورية أو ما شابه لتسيير العمل الصحفي من اجتماع يومي للأقسام، كما أن صحفيي ومراسلي الجريدة لا يعلنون عن هويتهم أثناء تغطيتهم للأحداث، تجنبا لأي اعتداء عليهم.
ويقول "م.ع"، أحد صحفيي "الحرية والعدالة": "إننا نعيش حالة من القلق والترقب طوال الوقت، ونرسل الأخبار والمواضيع عن طريق البريد الالكتروني، أما عن المرتبات فنحصل عليها في مكان نتفق عليه من خلال البريد، ويقوم آحد الزملاء بجمع رواتب مجموعة مقربة منه ويوزعها على أفرادها".
ويختلف الأمر في القرى سواء بالوجه البحري أو القبلي، فهناك الأمر أقل خطورة من المدينة نظرا لحياة الريف والقبلية هناك، لكنه لم يمنع قوات الشرطة من مداهمة العناصر القيادية في المحافظات، ولكن الجماعة والتدرج القيادي في جماعة الإخوان، لم يؤثر في مناهضتها للنظام الحالي، ولم تشعر الحكومة الحالية بأنها استطاعت التخلص من نشاط تلك الجماعة.
ويقول"ع.أ" أحد عناصر جماعة الإخوان النشطة في محافظة سوهاج: أننا مستمرون في التظاهرات لمواجهة ذلك الانقلاب الدموي، مشيرا إلى أن ميزانية الدولة لن تتحمل أعباء وتكاليف الاعتقال بخلاف المحكوم عليهم في السجون، مشيرا إلى أن المعتقل يكلف الحكومة 10 جنيها يوميا، وإذا اعتقلت 50 ألف وهذا عدد ضئيل جدا بالنسبة لأعضاء الاخوان، فسيكلفها يوميا 500 ألف جنيه، أي 15 مليون جنيه، في وقت تلجأ تلك الحكومة إلى الديون والاستلاف.
وعلى الجانب الآخر، قال اللواء شرطة متقاعد عبدالحليم فؤاد، أن استمرار هروب أعضاء جماعة الإخوان لن يدوم طويلا إذا كانوا داخل مصر، والقبض عليهم داخل مصر أمر مفروغ منه حتى إذا استمروا في الاختباء لوقت طويل.
فيما أكد العقيد شرطة سامح أنور، أن تحريات المباحث مستمرة ليلا ونهارا للقبض على العناصر الإخوانية، مشيرا إلى أن الهدف الآن هو اعتقال العناصر القيادية التي تحرض على التظاهرات، موضحا أن باقي العناصر سيتم القبض عليها مع مرور الوقت إذا لم يرتدعوا عما يقومون به.
وتستمر المداهمات الأمنية لأماكن اختباء عناصر جماعة الإخوان فى مختلف المحافظات، فيما تواصل النيابات إصدار قراراتها بالحبس للمضبوطين على ذمة التحقيق فى قضايا متنوعية ومنها "التورط في أعمال عنف"، و"اختراق حظر التجوال"، ومن بين المعتقلين طلاب مدارس ابتدائي وحتى ثانوي.
وأخيرا وليس بآخرًا، وعلى مر الزمان لم تستطع قوة العسكر الغاشمة أن تسكت صوت الثائر، ولم يستسلم الثائر من بطش الطغيان، ومن بينهما المواطن المصري البسيط الذي يقع ضحية ذلك الصراع الأبدي، وتستمر المعركة.