نصحت بألا أتطرق إلى موضوع شهداء وضحايا الاعتصامات والتظاهرات التي شهدتها مصر خلال الشهرين الأخيرين.
وقد تلقيت النصيحة من بعض المعنيين بالموضوع، حين رجعت إليهم محاولا التعرف على أرقام وأوضاع أولئك الضحايا.
وكان ظني ولا يزال أنه من الناحية الأخلاقية والإنسانية، ينبغي أن نتذكر هؤلاء في مناسبة العيد، وأن فرحتنا تظل منقوصة ومجرّحة طالما يعيش بيننا أناس دمرت حياتهم بعدما فقدوا أعزاءهم جراء صراعات السياسة وتجاذباتها.
وإذا لم نستطع أن نقدم إليهم شيئا يواسيهم ويعينهم على الصبر، فلا أقل من أن نشعرهم بأنهم ليسوا وحدهم، وأن هناك قلوباً تحيط بهم وتتعاطف معهم.
وهي رسالة تمنيت أن نوصلها إلى أهالي كل الأبرياء الذين استشهدوا أو أصيبوا، سواء كانوا جنودا خرجوا يؤدون واجبهم أم مواطنين عاديين خرجوا يعبرون عن قناعاتهم.
تحذير الناصحين انصب على ذكر الأخيرين، لأن وضع أهالي الجنود أفضل بصورة نسبية،
على الأقل لأن الدولة لم تقصر في تكريم الراحلين ولا في رعاية ذويهم،
كما أن المجتمع أعرب عن تقديره لهم.
ومع ذلك يظل التعاطف معهم واجباً.
أما ضحايا فض الاعتصامات والتظاهرات فالحديث عنهم غير مستحب أصلا ــ هكذا قيل لي ــ وإغلاق ملفهم يظل خياراً أفضل للذين يريدون إيثار السلامة.
لم يقنعني هذا المنطق الذي اعتبرته تعبيرا عن النذالة السياسية، التي تهدر ما هو أخلاقي وإنساني لصالح ما هو سياسي وانتهازي.
إذ لم أتصور أن يفجع ألوف من البشر بفقد أو عجز أعزائهم، ويفقدون في ذات الوقت موارد رزقهم ثم تتخلى الدولة بالكامل عنهم،
وفي ذات الوقت لا يلقون أي اهتمام من جانب مؤسسات المجتمع المدني، ثم نتجاهلهم ونضن عليهم بكلمة طيبة في مناسبة العيد لمجرد خلاف الرأي معهم.
من نصحني أضاف أمرا آخر لم يخطر لي على بال، وهو أن أهالي الضحايا أصبحوا يؤثرون الصمت ويتوارون حتى لا تلاحقهم اللعنة، فتمارس عليهم الأجهزة الأمنية ضغوطها ــ وما أدراك ما هي ــ
وفي ذات الوقت يتعرضون لاعتداءات البلطجية الذين صارت عائلات وحرمات وأموال أولئك الضحايا مستباحة لهم.
وهو ما يعني أن أهالي الضحايا لم يفقدوا ذويهم ومواردهم ولم تكترث بهم الدولة فحسب، ولكنهم فقدوا أيضا اعتبارهم في المجتمع جراء حملة الشيطنة والكراهية التي عبأت الفضاء المصري إزاءهم طوال الأشهر الماضية.
حين واصلت تحري الأمر توصلت إلى الخلاصات التالية:
* أن ثمة صعوبات بالغة في حصر ضحايا فض الاعتصامات والتظاهرات.
والمصدر الأساسي لتلك الصعوبة يتمثل في عدم وجود رغبة سياسية في تبيان الحقيقة كما يقول الأستاذ جمال عيد الناشط الحقوقي المعروف.
لذلك فإن الأجهزة والمؤسسات الرسمية إما أنها تمتنع عن تقديم بيانات الضحايا، أو أنها تقدم للباحثين أرقاما غير حقيقية تبرئ ساحة السلطة.
ينطبق ذلك على وزارة الصحة ومستشفياتها والإسعاف والمشرحة وكل جهة أخرى تعاملت مع القتلى والمصابين.
* أن المنظمات الحقوقية المصرية تحاول تجميع أكبر قدر من حقائق ما جرى، لكنها لم تخلص أي شيء حتى الآن،
ينطبق ذلك على المجلس القومي لحقوق الإنسان وثلاثة مراكز حقوقية أخرى على الأقل هي:
الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية ومركز النديم.
*أن الجهة الوحيدة التي قطعت شوطا بعيدا في التوثيق هي اللجنة الطبية التي أشرفت على المستشفى الميداني في رابعة العدوية.
إذ استطاعت توثيق أكثر من ثلاثة آلاف حالة قتل و30 ألف إصابة تحتاج إلى علاج
بينها 4 آلاف حالة كسور في العظام
و15 حالة شلل رباعي
و27 حالة فقدان للبصر كلي أو جزئي.
وهناك تقديرات للمفقودين، واحد يتحدث عن 400 شخص وآخر يرتفع بالرقم إلى ألف.
* الأرقام السابقة لا تشمل ضحايا فض اعتصام ميدان النهضة الذي لم تستطع اللجنة المذكورة أن تتثبت من أعدادهم أو هوياتهم، لعدة أسباب منها أن تركيزها الأكبر كان منصبا على اعتصام رابعة وما جرى في أنحاء القاهرة وبعض المدن الأخرى.
من تلك الأسباب أيضا أن الأجهزة الأمنية أزالت بسرعة آثار فض الاعتصام.
* هناك جهد متواضع يبذله بعض الشباب الذين اهتموا بتوثيق ما جرى منذ ثورة 25 يناير، وجهد مواز يبذله بعض أخصائيي علم النفس العاملين في منظمة «مدى» لإعادة تأهيل أهالي الضحايا وتمكينهم من احتمال الصدمة وتطبيع علاقتهم بالمجتمع.
أرجو أن نتذكر في هذا المناسبة أن شهداء وضحايا ثورة ٢٥ يناير لم يلقوا ما يستحقونه من رعاية، ناهيك عن أن أحدا لم يحاسب على الجرائم التي ارتكبت بحقهم.
وفي الأجواء الراهنة، هل سنحتاج إلى تصريح من الأجهزة الأمنية لكي نقول لأهالي جميع الشهداء كل سنة وأنتم طيبون وصابرون؟