الأصل في الإعلام أنْ يقدّم الأعْلام، لكن الإعلام في أغلبه الآن يقدم الأقزام، ليلاحقوا الكرام، ويشوهوا الأعلام، ويشيعوا حالة من الفوضى وترسيخ الأوهام.
وقد قال أحد اليهود البريطانيين في كتابه عن صناعة الأخبار إن الخبر ليس هو الحقيقة بل هو الإثارة؛ فإذا عض الكلب إنسانا فيجب أن يكتب الصحفي أن الإنسان هو الذي عض الكلب، حتى يكون مثيرا فيُقرأ، وتسحب الجريدة وتباع وتتدفق الأموال التي لا يشبع منها تجار الكذب ووكلاء الأفاقين، وتزييف الحقائق ويشيع في الناس حالة من الحيرة والقلق والاضطراب.
وعلى هذه الحالة يأكل قوم ويشربون بضمير ميت لا نبض فيه، ولذا لا تتعجبوا من دور الإعلام في كثير من الأنظمة الذي يكثر من التسبيح بحمد الطغاة، فإذا لم يجدوا حيلة للتسبيح بهم سبَّحوا بحمد الشهوات، لم يحمر وجه أحدهم مرة من الخجل عندما قدموا هؤلاء الذين ثارت عليهم شعوبهم لفسادهم واستبدادهم كأنهم ملائكة وليسوا بشرا.
مقامهم فوق الرسل، وفكرهم أعمق من سقراط وأفلاطون وأرسطو وابن سينا والفارابي، وصوروهم أنهم في الإدارة والشجاعة أقوى من هولاكو ونابليون بونابرت، وفي الفصاحة أكثر من سحبان، وكان يجب على وكلاء التزوير والتشهير أن يرحلوا معهم بل أن يحاكموا بتهم تضليل الرأي العام والنيل من الكرام وترميز الأقزام وتحليل الحرام وتسويغ الاحتلال، واتهام الأحرار الأبرار بالتخلف والرجعية والظلامية والاندفاع والتواطؤ على الوطن العزيز مع القوى الأجنبية.
لكنهم عادوا بالسب واللعن والطعن على أولياء نعمتهم، وأوصياء فكرتهم، ونافقوا الثورة التي لعنوها مرارا وكرروا ألف مرة قول مفتي السلطة أنه لا يجوز الخروج على هؤلاء الحكام بأعيانهم، والفتنة نائمة ملعون من أيقظها، ومن فارق الجماعة -أي السلطة الجبرية- فاقتلوه كائناً من كان، وظن الإعلاميون الدجالون أنهم سيخمدون الثورة بالترهات والأكاذيب لكنها مستمرة،
الإعلام لا يسمع ولا يرى إلا ما يراه دافعو الرواتب والمكافآت السخية كي ينال الإعلام من الأعلام، ولذا فالأصل أن يؤخذ العلم من الأعلام لا الإعلام، وأنه يفترض أن هناك صفحة واحدة صحيحة في جرائدنا هي صفحة الوفيات وما دون ذلك فهو موضع اتهام وشك حتى يتبين الإنسان الحقيقة كما قال الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" (الحجرات:6).
أدعو عقلاء القراء وطلاب الحقيقة أن يتريّثوا كثيرا في تصديق الأرقام والإحصاءات والاستبيانات من الإعلام فإن الأصل فيها الكذب والبهتان.
أما أصحاب الرسالة الكبرى لإصلاح بلدنا وتقديم الخير لأهلنا فيجب أن يكونوا أعلاما في أن يكونوا ماضين في طريق الصمود والأخذ بأعظم الأسباب وترك النتائج لرب الأرباب، وأن يكونوا كالشجر يرميه الناس بالحجر فيلقي إليهم بالثمر.
والعبرة بالقبول عند الله: " فمن وجد الله فأي شيء فقد ومن فقد الله فأي شيء وجد؟!".
وقل اعملوا، ولك رب اسمه الكريم، و" سيجعل الله بعد عسر يسرا" وقال الشاعر بديع الهمذاني:
سوف ترى إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار