شموسنا التي أنارت لنا الدروب والمسالك، وأقمارنا التي أضاءت لنا ليالي الظلام الحالك، تغيبها السجون وتحتويها أسوارها.
كم تكرر المشهد في دولة الطغيان التي عشناها ثم عاودتنا لنعيشها ثانية.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغه، حيث قال: (سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدَّق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويُخَوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة، قيل وما الرويبضة، قال: الرجل التافه في أمر العامة).
لم يُكذَّب فيها الصادق وفقط يا رسول الله، بل غُيب خلف غياهب السجون والمعتقلات، ولم يُصدَّق فيها الكاذب وفقط يا رسول الله، بل وُسِّد الأمر إليه، وهتف باسمه الهاتفون، وتغنى بصدقه المغنون. وجلست الرويبضات ليس لتتحدث في أمر العامة وفقط، ولكن لتحكم أمرهم، ولتضع لهم دساتيرهم التي تدبر شأنهم وتؤطِّر حركتهم.
أما عن شموسنا وأقمارنا التي خلف الأسوار، فلنا معهم وقفات سريعة.
فضيلة المرشد الدكتور محمد بديع:
هذا رجل من ربانيي هذا الزمان، يشهد بذلك كل من عرفه أو جلس في حضرته ولو لجلسة واحدة يقبس من علمه ويجرع من روحه.
الذين تركوا الإخوان من كبار القادة فيهم، أجمعوا جميعا عند اختيار الدكتور بديع على أنه مربٍّ فاضل وتربوي فذ ورجل من الصالحين.
حاضرنا ذات مرة في منطقتنا منذ سنوات قبل أن يكون مرشدا، فخرج ساعتها كل إخواننا ليجمعوا على أن هذا الرجل ذو حال، وعلى أن كلماته ليست ككل الكلمات.
منذ سنين طويلة، قرر الإخوان أن يقوموا بلقاءات مصورة مع كبار قادة الإخوان ليتحدثوا فيها عن تاريخهم وتاريخ الجماعة كما عاصروه، وكان أول من وقع عليه الاختيار هو الدكتور بديع، وطلب المحاور في نهاية اللقاء من الدكتور بديع أن ينشد نشيده الذي كان ينشده في السجون أيام عبد الناصر، فقام الرجل ينشد بتواضع جم (هتفرج هتفرج بإذن الإله، ونخرج وننعم بنور الحياة).
فضيلة المرشد السابق الأستاذ محمد المهدي عاكف:
عندما تولى الأستاذ عاكف منصب المرشد العام، لم يكن معروفا بنفس درجة القادة الآخرين، وقد أدهشنا جميعا بأسلوبه الذي يبدو مندفعا قويا غير آبه بالنتائج والمآلات، وكنا نعترض على هذا الأسلوب في بداية الأمر، ونتمنى أسلوبا آخر أكثر حكمة وروية.
غير أننا في النهاية عرفنا قدر هذا الرجل، وعرفنا أن الله قد قيضه لمرحلته التي قاد فيها الجماعة، ولم تكن الجماعة فيها تحتاج إلا إلى مثله، فقد قفز بها قفزات إلى الأمام كانت تتطلب أعواما عديدة لكي تقفزها لو ظلت تسير بسيرها الوئيد المتباطئ، فكان في عهده الدخول للبرلمان بما يقارب المائة مقعد، وكان مشروع مسودة الحزب السياسي، وكانت أول انتخابات إدارية داخل الجماعة من الشُّعب إلى مكتب الإرشاد، ثم كان أول تغيير لمرشد وهو على قيد الحياة.
الرئيس الدكتور محمد مرسي:
لي أخ كلما نتحاور عن الدكتور مرسي يكاد يقسم أنه سيعود، ومعتمده في ذلك حديث النبي صلى الله عيه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: (يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإن أُعطيتها عن مسألة وُكلتَ إليها، وإن أُعطيتها عن غير مسألة أُعنتَ عليها).
رجل صالح سيقت إليه الإمارة من غير طلب منه، فلا بد أن يعينه الله عليها.
يتهم الكثير من الناس الدكتور مرسي بأنه رجل ضعيف الشخصية، غير أن الشواهد تؤكد غير ذلك تماما، فالذي يتابع نشاطه في مجلس الشعب أيام كان عضوا فيه ورئيسا لكتلة الإخوان، يرى وحشا هصورا لا تلين له قناة ولا يهمد له عزم.
وقد عايشه أحد إخواننا عن قرب في بعض إداريات جماعة الإخوان قبل الثورة، فجزم لنا أنه رجل قوي الشخصية شديد العزيمة.
غير أنه كما قلت وأقول: (كان الواقع أكبر منه وأكبر من أي أحد غيره).
حدثتنا زوجته الكريمة عن حاله وحال قيامه ودعائه لربه وبكائه بين يديه، وذكرت أنه كان كلما استيقظ من نومه رأت على وسادته آثار بكائه طوال الليل.
رجل صالح من أولياء الله وسيدافع الله عنه، وقد طُلب للإمارة ولم يسع إليها فسيعينه الله عليها.
المهندس خيرت الشاطر:
سوبرمان هذه الجماعة، هذا رجل ما وُضع في مكان إلا كان له مثل السحر في نفوس وعقول من حوله، داخل الجماعة يذكر أنه المرشد الحقيقي، وفي تسيير شؤون البلاد ينادى بأنه الرئيس الحقيقي، وفي داخل الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح يتهم بأنه المسيطر والمسير الحقيقي.
شخصية أذهلت الموالين والأعداء على السواء، صمته وقلة ابتسامه يزيدان من هالة الشخصية القوية الساحرة التي يراها فيه الجميع.
الشيخ حازم أبو إسماعيل:
لي ملاحظات دائمة على طريقة الشيخ حازم في نشاطه السياسي، غير أني أعترف أنه من الشخصيات التي لها قوة وحضور ليس له مثيل إلا ما ندر.
لم أر في واقعنا المعاصر أتباعا يحبون قائدهم ويسلمون له قيادهم عن رغبة وحب وعشق، مثلما وجدت من أتباع الشيخ حازم تجاهه.
كنا نخرج في مظاهرات تأييد للدكتور مرسي في انتخابات الرئاسة ويخرج معنا أتباع الشيخ حازم وهم يرفعون صوره، ويهتفون معنا للدكتور مرسي.
وفي رابعة والنهضة يعتصمون معنا لعودة الرئيس مرسي وشرعيته، وهم يرفعون أيضا صور الشيخ حازم وشعاراته، وتراهم يكادون يهيلون عليه هالات التقديس التي لا تكون إلا للأنبياء والأولياء.
الدكتور صفوت حجازي:
يذكرني الدكتور صفوت بالعز بن عبد السلام، فإن كان العز هو سلطان العلماء في القديم، فإن الدكتور صفوت هو سلطانهم في الحديث.
ذلك العالم الداعية الذي نذر نفسه لقولة الحق، ولم يكتف في ذلك بأن يكون موجها من على كرسيه في مسجده وزاويته، بل أبى إلا أن ينزل بنفسه إلى أرض النزال ليكون أول الرامين وسيد المقاتلين بكلامه وخطبه.
هو والدكتور البلتاجي – بلا منازع لهما – قائدا ثورة الخامس والعشرين من يناير، وقائدا ثورتنا هذه وأبرز رموزها.
الدكتور محمد البلتاجي:
دائما ما تكون لي نظرة في الناس عند رؤيتهم لأول مرة، وغالبا ما تصيب نظرتي هذه، غير أنها تخطئ في بعض الأحيان، ومن هذه الأحيان حين رؤيتي للدكتور البلتاجي أول مرة ومتابعتي له. فقد كانت لي تجاهه رؤية سلبية، ثم بدأت مع دوام المتابعة والمراقبة أرى رجلا من أُسود هذه الأمة وأهم علاماتها في تاريخنا المعاصر.
مناضل كبير وثائر عظيم، ومع ذلك حركي منتظم داخل جماعته لا يقيل ولا يستقيل، رغم بعض الهزات التي تبدو بين الحين والآخر في علاقته بالجماعة.