على مر العصور لم يأت طاغية إلا و ظن هو زبانيته أن قتل معارضيه و قمعهم هو الحل السحري للقضاء عليهم و لكن دائما ما يتحول الحل السحري إلى كابوس يطاردهم في اليقظة و المنام , لأن القمع يّولد الأفكار الإبداعية التي تقد مضاجع الطغاة.
فبعد القتل والاعتقالات العشوائية لرافضي الانقلاب العسكري و التربص بتظاهراتهم و مطارداتهم لمجرد رفعهم لشعار رابعة أو لافتات منددة بحكم العسكر, لم يجد الشباب مفر من ابتكار طرق جديدة للتظاهر و الضغط على سلطات الانقلاب.
تظاهرات الأحياء والقرى
إذ تحولت التظاهرات الرافضة للانقلاب من الميادين الكبرى بعواصم المحافظات المختلفة إلى الأحياء و الشوارع الجانبية و القرى , حيث انتقل التظاهر في القاهر من ميادين الكبرى مثل رابعة العدوية و النهضة و مصطفى محمود و رمسيس و التحرير إلى الأحياء فكل حي في القاهرة ملتزم بمسيرة مسائية يشارك فيها أبناء الحي الرافضين للانقلاب دون الخروج من الحي حتى لا يكونوا عرضة للاعتقال أو القتل مثل تظاهرات اليومية لمناطق المعادي ومدينة نصر و حلوان.
واجه الرافضين للانقلاب مشكلة أخرى في بعض المحافظات كالغربية و المنصورة و كفر الشيخ و الشرقية و هي تواجد أعداد كبيرة من البلطجية المعاونين لقوات الأمن الذين اعتادوا الاعتداء على المسيرات و التظاهرات الرافضة للعسكر, فابتكر الشباب أنواع جديدة من التظاهرات لمواجهة البلطجية أطلقوا عليها أسماء الفراشة و الطيارة .
الفراشة و الطّيارة
وتظاهرات الفراشة فكرتها تتلخص في الشوارع الرئيسية المتواجد بها البلطجية يتجمع بها الشباب بحيث يكونوا متفرقين و لا يلفتون الأنظار إليهم و في لحظة ما يصدر احدهم صوتا يكون بمثابة إشارة لتجمع الشباب بالطبول إن وجدت و يهتفون لمدة خمس أو عشر دقائق بحد أقصى ثم يصدر احدهم صوتا مرة أخر فيتفرق الشباب و يتجمعون بمكان أخر ربما يكون أخر الشارع و هكذا الفراشة تطير , أما التظاهرات الطّيارة فتكون في الشوارع الجانبية و يكون عدد المشاركين عشرين متظاهر فأقل معهم طبول و يستمرون بالهتاف مصاحبا لدق الطبول 10 دقائق بحد أقصى و يكون هناك مصّور ينشر الفاعلية على شبكة الانترنت .
عندما أصبح الاعتصام في عواصم المحافظات صعبا بسبب الملاحقات الأمنية و الظروف المادية و المعيشية , لجأ الشباب إلى الاعتصام في قراهم مثل قرية دلجا المحاصرة في مركز دير أبو مواس بمحافظة المنيا شمال الصعيد و في قريتي كفر الهواشم وكفر شماخ التابعة لمدينة كفر الزيات بمحافظة الغربية و غيرها من القرى التي شهدت اعتصامات لرافضي الانقلاب .
تظاهرات نيلية
لم تتوقف أشكال التظاهر الجديدة عند هذا الحد فقط بل تجاوز إلى التظاهرات النيلية التي نفذها معارضو الانقلاب عن طريق وضع إشارة رابعة على مراكب نيلية و إطلاق الهتافات و الأناشيد منها مثلما حدث في محافظة بني سويف , و ابتدعوا نوعا أخر من التظاهر عن طريق إطلاق بالونات في الهواء مكتوب عليها عبارات رافضة للانقلاب , فضلا عن دوري كرة قدم ضد الانقلاب و قطار ضد الانقلاب كما يفعل أهالي حلوان.
لم يكن التنوع في أشكال التظاهر وحده يضغط على السلطة القائمة كما يعتقد الشباب فاتجهوا نحو العصيان المدني بأفكار جديدة منها اعتصام المترو الذي أرق السلطات الانقلابية على مدار أسبوع مضى , حيث اكتظت محطات المترو بقوات الأمن التي تربصت برافضي الانقلاب الأسبوع الماضي , بينما كانت الفكرة الرئيسية للاعتصام ثلاث ساعات من الساعة السابعة و حتى العاشرة يركب فيها رافضي الانقلاب المترو بدون إبداء أي معالم لرفضهم للانقلاب كإشارات و دبابيس رابعة و غيرها, حتى لا يفرقهم قوات الأمن عن المواطنين العاديين المستقلين المترو و بالفعل نجح الاعتصام و تسبب في شلل مروري بالقاهرة و خسائر للمترو, ويتعهد النشطاء بتكرار اعتصام المترو غدا.
اعتصام من نوع أخر
أما الامتناع عن دفع فواتير الكهرباء بحجة عدم التعامل مع حكومة انقلابية فحدث و لا حرج , حيث قال مصدر حكومي لوكالة الأناضول إن 12 مليون امتنعوا في شهر أغسطس المنصرم من دفع فواتير الكهرباء مما تسبب في خسائر كبيرة , و على نفس النهج دعا نشطاء على موقع التواصل الاجتماعي " فيس بوك" تحت شعار "عيشوا مع الشباب بعد اعتقال القيادات ", إلى إلحاق الخسائر بشركات الاتصالات الثلاثة يوم السبت القادم عن طريق الاتفاق مع احد الاصدقاء بالاتصال به من الساعة العاشرة صباحا حتى العاشرة مساء دون أن يرد على هاتفه و من الساعة العاشرة مساء يحدث العكس .
وعلل النشطاء دعوتهم بأن شركات الاتصالات هي التي قطعت عنهم الاتصالات في ثورة الخامس و العشرين من يناير و الآن تساعد أجهزة المخابرات في مراقبة الهواتف و فصل الشبكات عن المدن التي تحدث فيها مجازر مثل دلجا و سيناء و رابعة و النهضة غير أن أصحابها مؤيدين للانقلاب, كما قالوا إن دعوتهم ستؤتي ثمارها من خلال إهلاك المعدات وإشغالها بالطاقة القصوى دون أي عائد مادي سيؤدي لخسائر مالية فادحة و إشغال جميع خطوط التليفونات وبالتالي خروج الثلاث شبكات من الخدمة .